آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 08:11 م

اخبار وتقارير


هشام باشراحيل.. "هزمتهم حيّاً وميّتاً"

الأحد - 19 يونيو 2016 - 09:35 م بتوقيت عدن

هشام باشراحيل.. "هزمتهم حيّاً وميّتاً"

كتب/ عبد الخالق الحود

الرجولة مواقف، والمواقف لا تقاس بتحقيق الغايات من عدمها، أو نيل المتاح والوصول إلى ما نحبّ ونرضى، بل بالثبات والصمود على الحقّ الذي يحتاج الى روافع تعليه، مقابل نُهّاض الباطل وأعوانهم، وهذا ما لا يقدر عليه إلّا رجال الصدق والوفاء. ثبت هشام باشراحيل، ناشر صحيفة الأيّام، وحده أمام آلة القتل والبطش التابعة للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، والتي زجّت بجسده المنهك، بفعل المرض، في سجن البحث الجنائي، ومنعت عنه الزيارة، حتّى من قبل طبيبه الخاصّ. كان المطلوب من هشام شيئاً واحداً بسيطاً هو الإذعان، والتسليم لما تريده قوّات 7\7 الغازية، باعتذار يزجيه صدر صفحة الأيّام الأخيرة.
خيارات الرجال
حين وجد هشام نفسه بين خيارين، أوّلهما الوصول إلى مشارف القصور بأقصر الطرق وأكثرها سلامة وضماناً. طرق فُرشت مسالكها بالورود والرياحين، غير أن سلوكها يتطلّب، قبل خلع النعال والدوس على ريش النعام، أن تترك بجانب نعالك ضميرك وقناعاتك وإيمانك ورجولتك، وتعبر مع من سلكوا الطريق، قبلك، طمعاً في الملايين وبهارج السلطة ونفوذها وهيلمانها. وثاني الخيارين، وهو أصعبهما، السير خلف ما تؤمن به، واختيار نوع الوسيلة لتعاملك مع جوهر الأشياء، لا مع الأشياء نفسها.
إختار "أبو باشا" الطريق الثاني، وبرغم رقوده على فراش المرض، إلّا أنّه أرعد فرائصهم، ومن وهن سقمه استمدّ قوّته الموصولة بقوّة الحقّ.
ضغط الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على هشام باشراحيل، واشترط لخروجه من السجن تقديم اعتذار على صدر صحيفة الأيّام، وتعهّد مكتوب بدعم الوحدة اليمنية ورفض الإنفصال، ردّ هشام: "لتغلق الأيّام الى الأبد".
أقسم باشراحيل على أن صحيفته لن تنكسر وستنتصر وستقف مع الحقّ أبداً

ثبات
عزيمة، إصرار، وثبات عجيب لرجل، قلبه يتغذّى عبر أنابيب. أُغلقت الأيّام بـ"بوازيك" الأمن المركزي، و"دوشكا" القوّات الخاصّة، ومُنع الوصول إلى مبناها بدبّابات الجيش، وسدّت الطريق إليها. سلّم هشام؟ استسلم؟ أذعن؟ وهن؟ على العكس من ذلك تماماً، ما لان للرجل جانب، ولا ثبّطت له عزيمة، ومن بين جدران زنزانته، أعلن رفضه القاطع تقديم أيّ تنازلات.
ردّ صالح
هاجم الجيش مبنى الصحيفة ومنزل هشام الملاصق لها، وتجمّعت حينها الأخطار المحدقة والمصاعب المتطاولة والمؤامرات المتساوقة، متزامنة وخذلان القريب قبل البعيد، وما زادت قلب هشام الموجوع إلّا ثباتاً وقوّة.
أقسم هشام، بعد قصف "الأيّام" بنيران الجيش وقوّات الأمن المركزي، على أن صحيفته لن تنكسر وسننتصر، وإذا لم يكن من الموت بدّ فمن العار أن تعيش جباناً، وأضاف أن "الأيّام" ستقف مع الحقّ أبداً، وإن كان الثمن حياتنا.
عرفناك هشام الذي دفعت ثمن قضية شعب نذرت لها كلّ حياتك. استشهدت وأنت هذا الرجل. قتلوك قهراً وأنت هذا الرجل، وأمطروا جثمانك يوم التشييع برصاص باطلهم المستمرّ، وأنت هذا الرجل.
وكم أتمنّى أبا باشا أن تفتح جفنيك لحظات، لترى كيف سار أبناء الجنوب يحملون نعشك وسط لعلعة الرصاص وقعقعة المجنزرات، بصدور عارية وسلاحهم الوحيد كان جثمانك على أكتافهم، ليقول قائلهم: "لله درّك هشام، هزمتهم حيّاً وميّتاً".
القداسة موازيةً للحياة
في خضمّ الصراع، قد يفقد الواحد منّا ماله وعياله وحياته في سبيل ما يعتقده ويؤمن به، غير أن ذلك يتطلّب عزيمة لا تلين وقوّة لا تنكسر وصبراً أيوبيّاً طويلاً، خاصّة حين يوقن العقل، ويرى القلب أنّك صاحب حق وطالب عدل. هنا فقط، تكون القداسة موازية للحياة نفسها.