آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 11:25 ص

قضايا


نظام صنعاء : السلطة ولو شطرية

الأحد - 06 ديسمبر 2015 - 07:15 ص بتوقيت عدن

نظام صنعاء : السلطة ولو شطرية

كتب / خالد عبدالهادي

بات واضحا أن سلطة صنعاء تركز استراتيجيتها المرحلية على إحكام سيطرتها على المحافظات التي كانت تشكل جغرافية الجمهورية العربية اليمنية والاستماتة في القتال دونها حتى تجد حلا.

وتبعا لذلك، تستميت قوات علي صالح وعبدالملك الحوثي عند لحدود الجغرافية السابقة لمحافظة تعز مع محافظة لحج وفي مناطق التماس بين إب والضالع وكذلك هو الأمر في المناطق بين مارب وشبوة وبين البيضاء وأبين.

فبدلا من تشتيت قواها في الجغرافيا الوطنية كلها دون القدرة على السيطرة عليها بل وفقدان السلطة كاملة، يدرك نظام 21 سبتمبر أن الاحتفاظ بالسيطرة على المحافظات الشمالية هو وحده ما يضمن له البقاء على قيد الحياة السياسية والمساومة بشأن حجم دوره المستقبلي.

ولا يعني انحسار سيطرة هذا النظام لتنحصر في ما كان يحكمه قبل 1990 أنه قد صرف اهتمامه باجتياح المحافظات الجنوبية وحكم البلاد كلها بالقوة، لكن تيقنه من عجزه عن البقاء هناك أو مواصلة الحرب اضطره إلى الاحتفاظ بما هو ممكن.

بصرف النظر عما ينطوي عليه هذا القرار الذي يعكس واحدة من حقائق نظام صنعاء بوصفه انفصاليا تقسيميا، فهو دليل استجابة عالية من هذا النظام للأخطار التي تحيط به وتهدد مصيره.

وهو بهذا التفكير يعقد مهمة استعادة السلطة على الحلفاء العرب وحكومة الرئيس عبدربه هادي، على الصعيدين الميداني والسياسي.

فبلجوئه إلى الحيلة الشطرية في القتال الراهن، يخوض نظام صالح والحوثي مرانا على فصل البلاد والتحصن في معاقله مع خوض قتال طويل الأمد إذا أخفق التحالف بقيادة السعودية وقوات هادي في إلحاق هزيمة صريحة به.

وإذا كان تحالف صنعاء قد أخفق في دفع هادي إلى التهديد بالانفصال أو التلويح به على الرغم من سياسة حافة الهاوية التي استخدمت ضده منذ 21 سبتمبر 2014 فإن الأول هو من سيتخذ من الانفصال ورقة ابتزاز وإضعاف لسلطة الرئيس.

فهذا التحالف هو انفصالي تجزيئي في صميمه وإذا لم يستطع حكم البلاد كلها فهو على استعداد أن يتهافت في سلوكه التقسيمي إلى حد القروية الضيقة وبسط سلطته على أضيق نطاق جغرافي ممكن، يبقيه حاكما فحسب.

بعد طرد قوات صالح والحوثي من عدن في يوليو الماضي، كان متوقعا أن يلوذ هذان السفاحان بشطرية ما قبل 1990 لوضع شيء جزئي في اليد بدل خسارة الكل.

كان صالح رئيسا حين انطلقت حركة الاحتجاجات الجنوبية في 2007 الرافضة لسياسات نظامه التمييزية ضد تاريخ الجنوب السياسي وحقوق مواطنيه والمطالبة بالعودة إلى ما قبل وحدة مايو 1990.

لذا فالسلطة التي ستعقب الحرب وعلى رأسها هادي هي لدى نظام صنعاء، خصوصا علي صالح، غريم يتجسد فيها الجنوب أولا وإذا لم يستطع إسقاطها فسيرد لها الصاع بشن قتال لفرض الانفصال.

وثانيا، سيرى نظام صنعاء بفرعه الذي يقوده صالح أي انتصار عسكري لسلطة هادي في الحرب الراهنة ثأرا جنوبيا لاجتياح المحافظات الجنوبية عام 1994، ولذلك سيعمل على ألا يتحقق هذا السيناريو ولو تطلب الأمر أن يتحصن في أضيق نطاق ممكن من معاقله ولا يسلم بهذه السلطة.

وتتماسك فرضية أن يلوذ الرئيس المعزول وحلفاؤه بالتجزئة الشطرية كلما عثرنا على عامل جديد، يصب في تعزيز إمكانية أن يقدم هؤلاء على هذا الخيار.

ولقد بدا خلال الأسبوعين الأخيرين كيف أن نظام 21 سبتمبر مطمئن إلى هذا الخيار كما لو أنه قد حصن جغرافية سلطته المستقبلية بنقل الحرب إلى حدودها الشطرية القديمة مع الجنوب وتفرغ لإدارة شؤونه الداخلية عبر سلسلة من الأنشطة والخطوات التي أقدمت عليها أعلى هيئة اصطنعها انقلاب 21 سبتمبر وأوكل لها ملء الواجهة.

فقد عقد رئيس ما أطلق عليها انقلاب 21 سبتمبر "اللجنة الثورية العليا" لقاءات بأكاديميين وزار مدارس. وأكثر من ذلك، اقتربت سلطة صنعاء من إسكات الصحافة على نحو مطلق بعدما صادرت نسخ صحيفة الوحدوي الصادرة عن التنظيم الناصري قبل أن تخطر إدارات المطابع بالامتناع عن طبعها.

كذلك وضعت وزارة الإعلام الخاضعة لسيطرة سلطة سبتمبر طلبات جديدة أمام "الثوري" حتى تسمح بطباعتها.

وهاتان الصحيفتان هما آخر مطبوعتين تصدران عن الصحافة الحزبية والأهلية التي قضى عليها صالح والحوثي في أقل من عام.

ومن السهل ملاحظة أن سلطة صالح والحوثي حظيت بانفراجة مؤقتة، جراء تكتيكها القاضي بنقل الحرب إلى خارج معاقلها وربما أسهم في هذه الانفراجة ترتيبات دولية، فخفت وطأة القصف التي كان كانت مقاتلات التحالف العربي تشددها على ما يعتقد أنها أهداف عسكرية ورست البواخر محملة بالوقود، وأخذ قادة حوثيون والرئيس المعزول نفسه يجولون في المدن ويطالعون في وجوه الآخرين بلا خوف.

وبينما بدت السلطة في صنعاء على ذلك النحو من تحديد أولوياتها والمضي في تنفيذ خياراتها، برهن الرئيس هادي مرة أخرى على أن قراراته ما تزال تفتقر إلى التماسك المطلوب: لقد أجرى تعديلا حكوميا محدودا كاد يفجر أزمة مع رئيس الحكومة، نائب الرئيس خالد بحاح.

وعين الرئيس الثلاثاء الماضي عبدالملك المخلافي وزيرا وحسين محمد عرب وزيرا للداخلية وصلاح الشنفرى وزيرا للنقل ومحمد عبدالمجيد قباطي لحقيبة الإعلام.

رئيس الحكومة الذي لم تكن له كلمة في التعديل، كما يبدو، تراجع من المعارضة الصريحة لقرار الرئيس إلى إبداء تحفظ ضمني حياله.

وكتب بحاح على صفحة له في موقع فيسبوك "نحن في مرحلة استثنائية للغاية، وعلينا ألا نسمح للخطأ أن يمر وأن يتكرر".

وأضاف: على العبث أن ينتهي وسنسعى لذلك، ويوم أن نعجز عن دفعه سنكون أكثر وضوحا مع شعبنا وإخواننا ومع أنفسنا قبل ذلك.