آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 01:12 م

اخبار وتقارير


عدن.. أولويّة الأمن

الجمعة - 11 ديسمبر 2015 - 03:34 م بتوقيت عدن

عدن.. أولويّة الأمن

كتب/ أمين اليافعي

على الرغم من أجواء الحزن العميق المخيّمة على مدينة عدن بعد الحادث الإرهابي الجبان الذي استهدف موكب محافظ محافظة عدن اللواء جعفر محمد سعد يوم الأحد الماضي وأودى، وبصورةٍ مأساويّةٍ، بحياته بالإضافة إلى مرافقيه، إلا أن الأهالي في المدينة الساحليّة استبشروا خيراً بالتعيينات الجديدة لمنصبي المحافظ وقائد الشرطة والتي جاءت على نحوٍ عاجلٍ بعد عملية الاغتيال، وباتوا يُعلقون آمالاً عريضةً على قدرة كلٍ من عيدروس الزبيدي (المحافظ الجديد) وشلال علي شائع (قائد الشرطة) لإحداث اختراقات إيجابية حاسمة وحازمة في الحالة الأمنيّة لمنع تفشي الفوضى والانفلات وإعادة العافيّة والفعاليّة للمنظومة الأمنية المدمرة لتضطلع بمسئوليّة كاملة على المهام الملحة خلال المرحلة القادمة.ومحط الثقة الكبيرة التي يُعلقها الناس على الزبيدي وشائع مردّها أسبابٍ كثيرةٍ. فالرجلان أمنيان بامتياز، وكانا ضمن المنظومة الأمنية القوية لدولة جمهوريّة اليمن الديمقراطية قبل الوحدة، صحيح أن كليهما قد تعرض للاستبعاد الوظيفي خلال عمليّة التسريح الإجباريّة الواسعة التي طالت نسبةً كبيرةً من موظفي الدولة الجنوبيين بعد حرب صيف 1994م، إلا أن الزبيدي وشائع كانا من الحالات النادرة التي ظلت على علاقة وطيدة بالميدان طوال الفترة الماضيّة عن طريق تشكيل حركات المقاومة والنضال المنخرطة في إطار الحراك الجنوبي.وقد تعززت هذه الثقة كثيراً في أثناء اجتياح المليشيات الحوثيّة المسنودة من الرئيس السابق صالح لمُدن الجنوب في مطلع هذا العام. ففي ظل تداعيات العدوان المأساويّة كان بانتظارهما اختباراً عسيراً وهما يقودان معركة الضالع، وقد تبيّن  للناس من خلال هذا الاختبار القاسي مدى قدرة الرجليِن على تحمّل المسئوليات الصعبة والحرجة  في أحلك الظروف، والنهوض بها، وباقتدارٍ بالغٍ.ففي تلك المعركة كان النقص حاداً في العدد والعتاد، لكن ذلك لم يمنعهما من تحقيق نصرٍ مؤثرٍ على الرغم من امتلاك الطرف الآخر لمعسكرات وأجهزة أمنيّة بإمكانيات عسكريّة كبيرة، تطل من خلال مواقع حساسة على مدينة صغيرة كمدينة الضالع كاشفةً كل تفاصيلها.لقد كان رهان الزبيدي وشائع على التنظيم الجيد، والالتزام العميق الموجود ـ مسبقاً ـ لدى الأفراد المنخرطين في صفوف المقاومة بقضيةٍ وطنيّةٍ كبيرةٍ. مما مكنهما من تحقيق النصر في زمنٍ قياسيٍّ للغاية، وتقديم نموذج استثنائي رائد سرعان ما أنعكس إيجابياً على بقيّة مناطق الجنوب أثناء الحرب وبعدها.الملفت أنه وبعد دحر المليشيات المتمردة من مدينة الضالع كانا الوحيدين اللذين تنبها مبكراً لمتطلبات مرحلة ما بعد التحرير وهما لا يشغران أي منصب رسميٍّ وقتها. وقد دفعهما هذا الإحساس المبكر بطبيعة المرحلة المقبلة واحتياجاتها إلى الشروع، وعلى الفور، لتأمين مدينة الضالع تماماً من أي اختلالات أمنيّة، فضلاً عن مباشرة تدريب مجموعات عديدة من الشباب لرفد الجبهات التي لم تُحسم بعد، ولسد النقص في أجهزة الأمن التي ستحتاجها لاحقاً المناطق المحررة.على أن أكثر ما ميّزهما في ظل مثل هذه الظروف الحرجة والإشكاليّة هو عملهما مع بعض لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، وبانسجامٍ ملحوظٍ، وروح شبابيّة متوثبة، إضافة إلى أن كلاهما آتيان من خلفية تكاد تكون على تضاد تامٍ مع الجماعات الدينيّة المتشددة، وهذا له أهميّة مضاعفة في هذه المرحلة الحساسة سينعكس بالضرورة على أيٍّ من المهام والملفات سيُعطى لها الأولويّة في المعركة المصيريّة لاستتباب الأمن والاستقرار.ومع كل هذه المواصفات والامتيازات التي يتمتع بها الرجلان، إلا إننا هنا لن نُشيح بأبصارنا عن بعض الملاحظات التي تستدعيها أوضاعٍ سياسيّةٍ وأمنيّةٍ في غاية التعقيد والصعوبة تتحرك على حافة أقرب إلى أن تكون لهاويّة وبدون استراتيجيّة واضحة ولو في حدها الأدنى، إلى الآن، خصوصاً في ظل تقاطعات مُربكة ومتنافرة على المستوى المحليّ والإقليمي والدولي، مما يجعلها مهيأة على الدوام لإلقاء جلاميدها على مسار أي محاولةٍ صوب تحقيق تقدّم أمن وفتح أفق للانفراج، بجميع جوانبه وأبعاده.ولا شك أن استعادة المنظومة الأمنيّة في عدن بالذات لعافيتها سيلعب دوراً حاسماً في السيطرة على الخروقات الأمنية ومنع تفاقمها، كما سيكون بمثابة حجر الزاوية في الحيلولة دون انكشاف المدينة ذات الموقع الاستراتيجي الهام أمام الجماعات الإرهابيّة. وليس بخافٍ على أحدٍ أن هذه المنظومة، في حالتها الحاليّة، شديدة الاِهتراء والتفكك، ولكي تستعيد الحد الأدنى من مقوماتها، سيتطلب الأمر جهوداً شاقةً ومضنيةً. دون أن ننسى التشديد هُنا على أن  أهم الوسائل التي ستفتقد لها هذه المنظومة، على الأقل في المدى المنظور، هي الوسائل التكنولوجيّة، خصوصاً في ظل سيطرة المليشيات في صنعاء على مؤسسة الاتصالات وشركات الهاتف المحمول جميعها مما يُعرّض المهام والخطط الأمنيّة في المناطق المحررة للانكشاف على الدوام، فضلاً عن الدور المحوري الهام الذي باتت تلعبه مثل هذا الوسائل حديثاً في تعزيز المنظومة الأمنيّة، أقلها مثلاً تسهيل عمليّة مراقبة وتعقّب الجماعات الإرهابية والتخريبيّة، وكشف تحركاتها ومخططاتها مبكراً، وإمكانيّة القيام بخطواتٍ استباقيّةٍ للحيلولة دون قيامها بتنفيذ أعمال إرهابيّة.في الأخير تبقى الحاجة ماسة على الدوام وفي مدينة كبيرة وبحدودٍ بريّة وبحريّة واسعةٍ كمدينة عدن لتكامل الجهود والخطط وتناسقها سواء بين المستويات العموديّة للسلطة/السلطات، أو بين المستويات الأفقيّة أكان فيما بين أجهزة الدولة الموجودة في عدن، أو فيما بين هذه الأجهزة ومثيلاتها في المحافظات الملاصقة لها.