آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 10:25 م

تحقيقات وحوارات


#عدن : قصة اول شارع حديث وفق الطراز الاوربي في جزيرة العرب

الخميس - 06 أبريل 2017 - 12:14 م بتوقيت عدن

#عدن : قصة اول شارع حديث وفق الطراز الاوربي في جزيرة العرب

كتب / محمد علي محسن


شارع المعلا بعدن وثمانية عقود من الصمود والحياة والجمال 

شاهد حي على أزمنة وأنظمة وتاريخ تليد عاشته مدينة عدن ابان عصرها الذهبي 

شارع الشهيد مدرم او " الرئيسي " مثلما يحلو لسكان مدينة عدن تسميته ، او " مين استريت " وفق التسمية الانكليزية القديمة ، يعد اول شارع حديث في الجزيرة العربية وتم إنشائه خلال حقبة الأربعينات من القرن الفائت وفق الطراز المعماري الاوربي .

وقصة الشارع الرئيس بمدينة المعلا جنوب مدينة عدن بدأت فصولها مع قيام الإنكليز المستعمرين وقتها لعدن بإنشاء طريق واصل الى مدينة التواهي غربا وكذا ببناء وتشييد مبان جديدة تستوعب الزيادة المضطردة في النشاط التجاري والاستثماري الناتج عن حركة الملاحة البحرية الى الميناء وما ترتب عنها من إقبال كثيف على عدن ، ما استدعى توسعة المساحة الضيقة ، وذلك بردم  المساحة الكائنة بين رصيف الميناء وجبل شمسان البركاني المنيف المطل على البحر ومدينة المعلا من ناحية الجنوب .

وبتزايد النشاط التجاري وتوسعة الميناء كان لابد  من الاهتمام بالتوسع في البناء المعماري وكذلك الطرقات والخدمات الاخرى .

ونالت مدينتي التواهي والمعلا الملتصقتين اهتماما كبيرا من قبل الادارة البريطانية ، خاصة بعد التحول التاريخي الناتج عن تبعية مستعمرة عدن للندن مباشرة بدءا من الاول من ابريل ١٩٣٧م وبعيد ان كانت ومنذ احتلالها يوم ١٩ يناير ١٨٣٩م جزءا من أملاك شركة الهند الشرقية في بومباي ، اذ صارت التواهي ميناءً سياحيا والمعلا ميناءا تجاريا ترسوا فيه السفن التجارية القادمة الى عدن .

وكان من نتائج ذلك انشاء الشارع الرئيس  "مين استريت " الذي تميزت به مدينة المعلا  بشكل خاص وعدن بشكل عام كأجمل شارع حديث في الجزيرة العربية .

ومن أشهر الشركات التجارية والاستثمارية التي عملت في المدينة شركة " انتوني بس " و " ولوك توماس " و " كوسجي دنشو " و " بيكاجي " و " شركة الملح الايطالية " . 

وقال الباحث والخبير في تاريخ الاثار والمتاحف والمخطوطات ، محمد منقوش ، ل" لعدن تايم  " ان الشارع الرئيس الذي يعود لحقبة الأربعينات كان طريقا سالكا تمر عبره قوافل واليات الجيش البريطاني من والى خور مكسر شرقا والتواهي غربا حتى عرف بالطريق او الرصدة الحربي .

واضاف " وتواصلت اعمال الردم جنوبا بهدف استغلاله للبناء ، ففي بداية الخمسينات صرح للتجار بالبناء على جانبي هذا الطريق وامتد إلى المساحات المردومة الأخری والتي اقيم عليها الشارع الرئيس المعروف ببنائه الجميل والحديث المتناسق ، وتلك المباني اقامها التجار الذين منهم من قام بتأجيرها للضباط والجنود الانجليز او كمحلات تجارية ومقار لشركات تجارية متعددة الأغراض .

واوضح ان تلك المنشآت أقيمت على مساحة موازية للشارع وبطول يقارب اثنين كيلو متر ، لافتا لان هذه المسافة مكونة من مسارين تفصل بينهما جزرا استخدمت لاحقا للإنارة والتشجير. 

ولفت الى ان الشارع تمايز بمبانيه المتراصة المكونة في الأغلب من خمسة طوابق تم بنائها بنسق عمراني وهندسي بديع .

واشار الى ان تلك العمائر الواقعة شمالا يتفرع من شارعها الرئيس فتحات عدة تلتقي بتقاطعات شارع امام مداخل العمارات وهي مساحة وقوف السيارات تؤدي إلى جهة الميناء ، فيما اول المباني كانت في الجهة الجنوبية التي تشكل جزءا من المدينة الاساسية .

وتابع " ويوجد مسجد قديم يعرف بمسجد الغفار الذي بني في عشرينات القرن الماضي ، ويميز الجهة الشمالية وجود معلم تاريخي ديني المعروف بقبر الولي الامام السيد محمد بن علوي الشاطري العلوي المدفون منذ زمن الدولة الطاهرية في العام  897هجرية – تم هدم الضريح مؤخرا وعلى ايدي عناصر معروفة بغلوها وتشددها -  والذي ابقت عليه السلطات البريطانية عند انشاء الشارع بعد محاولة ازالته حيث كان لاعتراض الاهالي دور في ذلك ، ويروی انه عند محاولة ازالته تعطلت الجرافة الاولى والثانية " وفق اعتقادات متداولة شفهيا ".

وكشف منقوش عن ان تنظيم حركة المرور في الشارع كان رجل المرور يقف في بداية الشارع حاملا فانوسا مضيئا يرفعه عند السماح بالحركة او المرور وينزله اشارة للوقوف .

واختتم حديثه للقول بان إنشاء الشارع وطوله وانتصاب العمارات على امتداده بجانبية الايسر والايمن جعل منه شارعا يحاكي الشوارع الاوربية خاصة عندما ادخلت اشارة المرور الضوئية والتي أضافت اليه لمسة حداثية جعلته من اجمل شوارع الجزيرة العربية .

وذكر ان ادخال الاشارة الضوئية ولأول مرة كان عام ١٩٥٦م ووضعت في نهاية الشارع الرئيس في التقاطع الذي يربط كل من الطرق المؤدية إلى شارع الصعيدي ودكة الميناء شرقا وطولا باتجاه العقبة ناحية مدينة كريتر " عدن " جنوبا .

والشارع يمثل اليوم احدى الشواهد الحية الدالة على حقبة تاريخية ذهبية فريدة عاشتها مدينة عدن ابان العهد الاستعماري ، وهي الفترة الواقعة بين منتصف الأربعينات وحتى الستينات وتجلت مظاهرها بنشاط تجاري واقتصادي واستثماري غير مسبوق ووضع ميناء المعلا كرابع موانئ العالم حركة ونشاطا .

وبعد استقلال جنوب اليمن عن بريطانيا ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م تم ﺍﻃﻼﻕ مسمى " شارع الشهيد مدرم " تيمنا بأحد القيادات " الجبهة القومية " التي تسلمت زمام السلطة في الدولة الجنوبية المستقلة بعد ثورة كفاح مسلح انطلقت يوم ١٤ اكتوبر ٦٣م واستمرت اربعة اعوام توجت بنيل الاستقلال الوطني .

وكان الشارع قد بقي على عهده وشاكله المعمارية طوال الثمانية العقود الماضية ودونما اي تبديل او تغيير في ملامحه المعروفة .

وخلال حقبة النظام ذات التوجه الاشتراكي الذي ساد محافظات الجنوب حتى قيام دولة الوحدة يوم ٢٢ مايو ٩٠ م كانت الدولة صادرت كامل تلك المباني الخاصة مانحة إياها للمواطنين كمساكن ومحلات تجارية نظير إيجار شهري زهيد ورمزي الى ان توحدت البلاد ، معلنة فصلا دراماتيكيا من النزاع بين اصحاب الحق والسكان الذين منحوا تمليكا لمساكنهم قبيل اعلان التوحد وبعده بفترة وجيزة .

ورغم تأثير تلك الوضعية وكذا الإهمال الذي رافق السنون الماضية الا ان السالك في قلب اول شارع عصري تؤخذه الدهشة والحيرة معا ازاء قدرة تلك القوالب الخرسانية على الصمود والبقاء متحدية عوامل الطبيعة والزمن وحتى صواريخ وقذائف المليشيات الانقلابية التي أحرقت ودمرت بعض من وجه المكان الذي بقي ردحا بعيدا عن دورات الصراع .