آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 01:32 ص

عرب وعالم


في الذكرى الخامسة لعربة البوعزيزي

السبت - 19 ديسمبر 2015 - 10:59 ص بتوقيت عدن

في الذكرى الخامسة لعربة البوعزيزي

عدن تايم / متابعات :


منصف المزغني

1-
مع نسمات الشتاء، تحلّ الذكرى الخامسة لأشهر احتراق في ذاك السابع عشر من ديسمبر من سنة 2010، وكان مؤشراً على نهاية مواطن تونسي، سيتّهمه العالم، رغماً عنه، وبعد غياب الوعي عنه، بأنّه كان الشرارة الرمز التي بدّدت الظلام في ليل الاستبداد، وأعلنت الربيع في عزّ الشتاء، وبهذه الأوصاف، قاد البوعزيزي "ثورة" دون كتاب، أو شعار، أو دليل، فما له غير عربة وولاّعة.

انتهتْ حياة أشهر شابّ عربيّ منتحر، وهو بائع الخضار الجوال النحيل محمد البوعزيزي البوزيدي، فبعد اللهيب الصاعد من جسد لم ينفعه الإسعاف، ولم يوقظْهُ من رقدته الميتة في المستشفى، ولم ينتبه العليل إلى زيارة رئيس الدولة صحبة السيدة الأولى، فأمام الحروق العميقة صار الطبُّ متفرّجاً على حالة ميؤوس منها، والرشوة الرئاسية لعائلة الضحية باتت غير قادرة على إعادة الروح إلى الجسد، ولم تنفع التمائم لجسد الشاب الذي بات عاجزاً عن النجاة، وعن استقبال دواء آخر غير الرحيل.

2-
ذاب جسد البوعزيزي (الباسم في الصورة الرسمية) في الغابة السياسية اليابسة، وأشجارها المُتَعوْسِجة، وأغصانها المتشابكة، وتم استقبال هذا الجسد النحيف على أنه غنيمة سياسية سمينة.

حين انطفأ اللهيب في قبر البوعزيزي، كان الحريق المجازيّ يواصل رحلته في النفوس، والصدور ليمتد عابراً قرى ومدناً، ويمشي عارياً في المنابر، ومكشّراً في الجوامع، ومتصعلكاً في الصالونات، لا يلوي على شيء، ولم يعترضه أحد حتى بلغ تونس العاصمة، وهدرت الجموع في شارع الزعيم الحبيب بورقيبة رافعة شعار (خبز وماء، وبن على لا)، وأمّا الأيادي الحاسمة، فكانت تلوّح قبضاتها بالغناء الغاضب الضاحك معاً، والحناجر تردّد فعل أمرٍ موجّه لبن علي، وباللغة الفرنسية dégage .ترجمته (انقشع) أو (انقلع).

- ولسبب غامض، بدا الفعل بالفرنسية أكثر فصاحة وأقوى حسماً، وأنفذ وقعاً!

- لكأن الشعار، وبالفرنسية، كان عنوان وشاية وإفادةٍ بأن كل شيء صار سهلاً وجاهزاً، ومبرمجاً ومستورداً من الخارج.

3-
وأشعل البوعزيزي نفسه مثل سيجارة ليطفئها في مقعد طائرة الرئيس الذي طار إلى الخارج فكان الربيع مع الياسمين.
- رغم أن البوعزيزي، والحق يقال، هو الذي بادر بالفرار قبل الرئيس. 
- هل معنى هذا أن قائد الثورة كان أول الهاربين منها!
- وأسرة البوعزيزي، أيضاً، فرّتْ من مدينة سيدي بوزيد إلى تونس العاصمة، 
ثم هَجَّتْ من تونس إلى كندا!

4- 
- البوعزيزي قاتل نفسه قام بثورة أفرحتْ فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي، فغفر له فعل الانتحار،
- وكان الغنوشي متردداً في الترحّم على "الكافر" البوعزيزي، مع نبرة رضاء على الفعلة.

- لأنّ نسمات حريق البوعزيزي هي التي: فتحت باب الطائرة لبن علي ليغادر أرض الوطن تحت وقع طلب صارخ يسأله الرحيلَ.
- وهي النسمات الحاميات نفسها التي فتحتْ باب الطائرة لصعود الغنوشي من لندن والهبوط في مطار تونس قرطاج الدولي، ويتمّ استقباله من إخوانه الحزبيين والفضوليين بأغنية "طلع البدر علينا".

5- 
- أجمل شيء في ما حدث في تونس هو أنها خلقتْ جوّ الملهاة والمأساة معاً. 
- كل من كان مغطى قد تعرّى، والمستفيدون ظهروا من هنا وهناك، باسم الثورة والنضال، 
- الأيدي النظيفة التي مسكت السلطة إثر الانتخابات الأولى، برهنت على أنها نظيفة فعلاً، لأنها لم تعرف الشغل السياسي أبداً، فكان العبث. 
- الشاب الذي اسمه محمد البوعزيزي اسمه في الواقع طارق البوعزيزي .
- وموظفة البلدية، فادية حمدي التي أشيع أنها افتكّت من البوعزيزي ميزان الخضار وصفعته، لم تصفعه، 
- وَالبوعزيزي لم يكن من ذوي الشهائد العليا كما أشيع، 
- والبوعزيزي لم يكن في علاقة جيدة مع أمّه كما كانت الأخبار تشير، والعكس هو الصحيح.

6- 
كان لا بد من جملة أكاذيب لترتيب الأمور،
- صفعة امرأةٍ شرقية لرجل شرقي في الشارع، في مجتمع ذكوري، هي فعلة ضرورية لدراما الثورة 
- والشهائد العليا المزعومة كانت أكثر من كذبة ضرورية لمزيد تسويد وجه النظام، 
- والسيرة الحسنة كانت مواصفات مطلوبة لاستدرار العطف على الشابّ المطيع لأمّه، 
وكان في الخيال والأسطورة ما لم يكن كائناً في الواقع والصورة لخلق شيء اسمه: ثورة 

7- 
- عائلة البوعزيزي ارتحلت لأنها نالت بعض الامتيازات، فأشعلوا النار من حولها، واحترق وجودها في محيط تونس. 
- الثورة خطبها الشباب، وتزوجها الشيوخ!
فهل العيب في الثورة؟ أم في الشباب؟ أم في الشيوخ؟ 
- بمناسبة ظهور "داعش" رأينا شيوخاً في العشرين! وشبانا في الثمانين!
- يحكون عن سرقة الثورة، وتحويل وجهتها، 
- الثورة نفسها مكتوبة، عند البعض، خطأ على هذا النحو: ثروة.
- غير أن أجمل شيء هو انه من الممكن ان تقول كل شيء في المقهى والتلفزيون دون أن تدير الكلام في لسانك سبع مرات قبل أن تنطق كما كان الأمر مع نظام السابع من نوفمبر أيام بن علي .. 
-ويمكن أن تحكي دون أن توجع رقبتك بكثرة الالتفات بحثاً عن العيون والأذان، ودون حواجز 
أو رقيب، فقد تهدم حاجز الخوف 
- والسؤال لمن هدم الجدار هو: وماذا ستفعل بالشجاعة؟