آخر تحديث :الخميس - 18 أبريل 2024 - 11:01 م

تحقيقات وحوارات


خبير اقتصادي يكشف الأسباب الحقيقية لانهيار الاقتصاد وسُبل إنقاذ البلاد .. حوار

الأربعاء - 15 نوفمبر 2017 - 04:16 م بتوقيت عدن

خبير اقتصادي يكشف الأسباب الحقيقية لانهيار الاقتصاد وسُبل إنقاذ البلاد .. حوار

عدن تايم / حوار: فاروق عبدالسلام

 
- ازدياد التضخم 80 % وانخفاض الناتج المحلي 85 %
- ارتفاع الدين الداخلي على الأجيال القادمة لنحو 5.5 تريليون
- الفساد المستشري والانفاق الحكومي وضعف البنك المركزي من أسباب الكارثة
- إعادة الإعمار وجذب رؤوس الأموال الحائرة في الخليج ستساهم بإنقاذ البلاد
- وديعة الملياري $ معالجة آنية قد تنتهي في 3 إلى 6 أشهر ويعود التدهور
- السعودية والإمارات قدمتا للبلاد 15 مليار $ وحالياً ليس لها أي أثر
- شركات صرافة استغلت تراخي البنك المركزي وغسلت الأموال وجرفت العملات
- الانقلابيون يجنون سنوياً أموالاً طائلة بينها إيرادات الاتصالات 350 مليون ريال يومياً



قال الخبير الاقتصادي محمود عبدالله، إن الوضع الاقتصادي في البلاد يعاني من حالة انهيار شامل بكافة النواحي، حيث تعتمد البلاد على الاستيرادات من الخارج، ولهذا زاد الطلب على العملات الأجنبية على حساب العملة المحلية ولهذا حدث نوع من الارتفاع الدراماتيكي للعملة المحلية أو انخفاض سعرها أو التضخم.

كما استعرض الخبير الاقتصادي محمود عبدالله في حوار مع "عدن تايم"، تداعيات الأوضاع الراهنة والأسباب الحقيقية للتدهور الاقتصادي وانهيار العملة المحلية بشكل عام، والمعالجات والأدوار التي ينبغي على البنك المركزي والحكومة القيام بها لايقاف ذلك التدهور والانهيار في الاقتصاد والعملة، ورأى أنه على التحالف العربي مسؤوليات إنسانية وأخوية وأخلاقية لانقاذ البلاد مع تأكيده على أن الجميع يتفق بأن المسؤولية أولاً وأخيراً تقع على عاتق الحكومة.

 

كيف تنظر إلى واقع الاقتصاد في البلاد؟

الوضع الاقتصادي في اليمن لا يخفى على أحد، فهو حالة انهيار شامل من كل النواحي سواءً كان في العملية الانتاجية أو التوزيعية أو الاستهلاكية، كما أن عناصر الإنتاج الاقتصادي الكلي هي أساسا تعتمد على استيراد الخامات من الخارج، وكذلك كل شيء تقريباً من المواد الاستهلاكية والدوائية وغيرها يتم استيرادها من الخارج، بمعنى أن البلد يعتمد في نشاطه الاقتصادي وحياته المعيشية والخدماتية والاقتصادية بشكل عام على الخارج، وبهذا الخصوص نلاحظ أن الطلب زاد على العملة الأجنبية مقابل العملة المحلية وحصل نوع من الارتفاع الدراماتيكي للعملة المحلية أو انخفاض سعرها أو التضخم.

كما لاحظنا خلال الأيام الماضية تدهور سعر الصرف إلى أن وصل الريال اليمني لحوالي الضعف مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، وأيضاً تزايد التضخم إلى حوالي 70 -80 %، وتزايد الدين الداخلي إلى 5.5 ترليون، وهذا دين سيظل حتى على الأجيال القادمة، ولابد أن يُسدد، والدين يأتي من المنظومة المصرفية والمودعين الذين أموالهم بالبنك، وبالتالي هذه تحسب ديون على البلد والأجيال القادمة، وهناك بدون شك عوامل كثيرة كانت سبب هذا التدهور، منها أن المنظومة الاقتصادية بشكل عام والاقتصاد الكلي في البلد لا يعمل، وتقريباً الناتج الكلي المحلي انخفض إلى حوالي 85 % نتيجة الحرب وعوامل أخرى، وأيضاً طباعة العملة التي سمعنا أنها بلغت 480 مليار، وهذه تطبع بدون وجود احتياطيات لها مقابلة لتغطيتها بالعملة الأجنبية أو أصول أجنبية للبنك المركزي الذي يستطيع أن يواجه بها طباعة هذه العملة، ما أدى إلى انخفاض سعر العملة.

وفي السياق ذاته، لا ننسى وجود نظامين ماليين مصرفيين في البلد كل واحد يحاول أن يغرق الثاني أو يفشل الآخر، لكي يكون هو المسيطر على المنظومة المصرفية والمالية بشكل عام، واحد في صنعاء وواحد في عدن، وفرع البنك المركزي في صنعاء يحاول إصدار أذون خزانة ويحاول أن يسيطر على مزيد من الموارد التي تصل للبنك المركزي ولا يقوم بتوريدها للبنك المركزي بعدن وهذا أحد أسباب التضخم، وأيضاً الفساد المستشري في البلد وعدم الكفاءة في تحصيل إيرادات متحصلات الدولة ورفض بعض المحافظات توريد هذه المتحصلات سواءً كان مقابل الرسوم أو الضرائب أو الجمارك أو عائدات النفط والغاز وغيرها والتي هي سيادية لا تصل للبنك المركزي بعدن.

وكلنا نعلم أن البنك المركزي بلا ميزانية وهذا يخلق نوع من العشوائية، وبالتالي سيكون هناك عبث في بنود الانفاق نفسها ويجب على الحكومة إيقافها، وهذا أنا اعتبره نوع من أنواع التبدير ويؤدي إلى تدني قيمة العملة مقابل العملات الأخرى، وأيضاً ضعف أداء البنك المركزي والمؤسسات النقدية والمالية وانهيار الجهاز المصرفي بشكل عام وغياب مجلس إدارة البنك المركزي، وهنا لابد أن يكون مجلس إدارة البنك المركزي متواجداً في عدن، وعليه أن يطلع بشكل يومي على حركة النقد والصرف والدورة النقدية بشكل عام في البلد.

وكذلك إعلان التعويم كان له الأثر السلبي على البنك المركزي نفسه والثقة فيه، وجعل الناس تقوم بسحب أموالها من البنك وشراء عملات أجنبية ووضعها في منازلها، والتعويم كان له أثر كذلك على مستوى الأسعار وحياة الناس بشكل عام، وكلنا نعلم أن هناك السعر المصرفي والجمركي وأصبحت الجمارك تُدفع على ضوء السعر المعوم، ما تسبب بزيادة أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والمشتقات النفطية.

إلى أين يتجه الريال اليمني؟ وما مدى مساهمة الوديعة السعودية في البنك المركزي بعدن البالغة ملياري دولار في الحل؟

إن مفهوم دعم العملة هو بالأساس يصب في معالجة مشكلة معينة، وهي كيفية توفير العملة الصعبة، وفتح اعتمادات لإستيرادات البلد من المواد الغذائية ومشتقات الوقود، ولهذا كيف نوفر هذه العملة والتي لها انعكاسات سلبية على حياة الناس، والوديعة السعودية تصب في هذا الاتجاه فقط، ولا يمكن أن تقوم بتنشيط العملية الاقتصادية والاقتصاد الكلي في البلد بتلك الوديعة البالغة ملياري دولار، ولهذا إذا لم نتدارك الموضوع بشكل جدي، ونقوم بمعالجة الأسباب الحقيقية لهذا الانهيار، فيعني بأن مبلغ الملياري دولار ممكن أن يستكمل في غضون 3 إلى 6 أشهر ومن ثم سنعود إلى نفس الوضع المتدهور، ويمكن القول إن هذه معالجات آنية، ولا ننسى أنه منذ فترة الحرب قدمت المملكة العربية السعودية نحو 10 مليار دولار، ودولة الإمارات العربية المتحدة قدمت تقريباً 5 مليار دولار، يعني نحن نتحدث عن 15 مليار دولار، ولم نرى لها أي أثر على الواقع، وبالتالي ملياري دولار ممكن أن تلحق سابقاتها.

ولذلك نقول نحن أمام مسألة توازن متى ما كان لديك مصادر وموارد وإيرادات تصل للبنك المركزي أو حساباته بالخارج، ممكن أن تتوازن الأمور، كما اتوقع أن تساهم وديعة الملياري في الحفاظ على سعر صرف الريال اليمني لفترة بسيطة، ونؤكد تحافظ فقط ولا تهبطه، ولكن بمجرد أن تنتهي هذه الوديعة اتوقع أن يعود سعر صرف العملة المحلية للصعود ومن أسباب ذلك عدم الإلتزام ببنود الصرف من الميزانية العامة لعام 2014م.


من وجهة نظرك ما هي المعالجات الكفيلة بإيقاف التدهور الاقتصادي وانهيار العملة المحلية؟


ما لم تنشط حركة الاقتصاد الكلي، وما لم توجد تنمية اقتصادية شاملة في البلد، وما لم يتم تفعيل تصدير النفط الخام والغاز والمواد الأخرى، وما لم يتم رفع الكفاءة والفعالية في متابعة إيرادات الدولة وضمان وصولها إلى قنواتها الرئيسية نفس الوعاء الذي يحدده القانون ستظل المشكلة قائمة، وأيضاً ضبط المصروفات الحكومية، حيث يجب أن يكون هناك تقشف في المصروفات الحكومية والإلتزام بالميزانية التي حددت بالقانون، ومن المهم وجود محفزات للاستثمار وبدء الاستثمارات المحلية وتوطين الصناعات، لجذب رأس المال الحائر للمغترب المحلي الذي لم يجد مكان لتشغيلها، حيث يوجد تقريباً مبلغ 500 مليار دولار مال حائر للطبقة الوسطى في دول الخليج وحدها، أما رأس المال الحائر لكبار التجار فأتوقع أن يصل إلى 3 ترليون دولار تقريباً، وهم مستعدون للاستثمار في البلاد ولكنهم يريدون ضمانات وتسهيلات ومناخ استثماري وبيئة تشريعية وقانونية وتنظيمية وغيرها.


ما هي الأدوار الرئيسية التي ينبغي على الحكومة والبنك المركزي القيام بها للحد من تدهور الأوضاع؟


سمعنا في شهر فبراير من العام الحالي 2017م، انه سيتم دعم البنك المركزي بـ 10 مليار دولار منها مليارين وديعة وثمانية مليارات لإعادة الإعمار، ويمكن القول إن إعادة الإعمار ستنشط الاقتصاد، كونه ستأتي شركات عالمية وسيكون هناك عمالة وسيزيد الدخل، كما لابد أن تقوم الحكومة بمخاطبة البنك الدولي والمنظمات الدولية بشأن تقديم دعم بشكل عاجل للعملة المحلية وتوفير دعم للبنك المركزي والإفراج عن أصوله، وأعتقد أن مثل هذه المعالجات متاحة وعلى الحكومة أن تتحرك كونها ستساهم في تحسين صرف العملة.


وماذا عن السوق السوداء؟ والعملات المطبوعة بالخارج؟


بالنسبة للسوق السوادء، هناك شركات صرافة تعمل بنوع من "السمسرة" وهي مخالفة لنظام البنك المركزي الذي يحدد شروط معينة وضمانات لأي شركة صرافة، ولكن للأسف تلك الشركات استغلت تراخي البنك المركزي عن أدائه مهامه والتي تعتبر هذه إحداها من خلال ضبط السياسة النقدية في البلد بشكل عام ومراقبة البنوك، هذه المهام البنك المركزي لم يؤديها، وبالتالي نشأت شركات الصرافة التي تقوم بعملية غسيل أموال وتحويلات للخارج وتجريف للعملة الصعبة وهي أحد الأسباب التي أدت إلى انهيار العملة المحلية.

أما بخصوص طباعة العملات، من المفضل أن تستدين الدولة دين داخلي أي قروض من المؤسسات الكبيرة أو الجهات الدولية، على أن تقوم بطباعة العملات لأن الطباعة أساس تضخمي، خصوصاً عندما لا يوجد لديك ما يقابلها من العملة الصعبة ومن الاحتياطات الخارجية، وبالتالي مسألة طباعة العملات يجب أن تكون آخر وسائل المعالجة، لكونها تعتبر أسوء وسيلة.

ما مدى مسؤولية وتأثير سحب الميليشيات الانقلابية التابعة لجماعة الحوثي وصالح للاحتياطي النقدي على الوضع الاقتصادي بالبلاد؟

ميليشيا الانقلابيين جرفت ما يُقارب ترليون وسبعمائة مليار ريال يمني من البنك المركزي في صنعاء، وهي ودائع الناس والبنوك ومن ضمنها شركات التأمين، وشمل جرف الانقلابيين ودائع شركات التأمين البالغة حوالي ملياري دولار ما يُعادل في وقت سابق 700 مليار ريال، وكما شمل الجرف احتياطيات البنك المركزي بالخارج البالغة 5.7 مليار دولار، علاوة على أنهم لم يسخّروا هذه المبالغ لتغطية الميزانية العامة في المحافظات الشمالية نفسها، كما أن الانقلابيين يحصّلون سنوياً أكثر من ترليون ريال إيرادات عامة من خلال الجمارك وميناء الحديدة، وغيرها مثلاً هناك 350 مليون ريال إيردات الاتصالات يومياً فقط، فضلاً عن إيرادات الضرائب وأيضاً فرضوا أتاوات على التجار بشكل مخيف وكذلك لدى الانقلابيين حوالي 10 مليار ريال شهرياً من فارق سعر النفط.

ما هو الدور الذي ممكن أن يساهم فيه التحالف العربي في إنقاذ البلاد؟

نتفق أن المسؤولية أولاً وأخيراً تقع على عاتق الحكومة اليمنية وكل أجهزتها المتقاعسة من أجهزة رقابية ووزارة المالية وغيرها، ويقابله مسؤولية التحالف العربي من الجوانب الإنسانية والأخوية والأخلاقية، وهنا ممكن أن يقوم التحالف العربي بعمل حلول سريعة لوقف تدهور العملة، وبالتالي الحد من تدهور الحياة المعيشية والخدمية وعدم صرف المرتبات، لأنه نحن نتحدث حالياً عن 20 مليون من اليمنيين تحت خط الفقر وهذه تعد كارثة.