آخر تحديث :السبت - 23 نوفمبر 2024 - 12:59 م

تحقيقات وحوارات


الدكتور الربيعي: سياسة الحكومة قد تقود الجنوب لاحتقان الشارع والتصادم .. حوار

الجمعة - 19 يناير 2018 - 08:17 م بتوقيت عدن

الدكتور الربيعي: سياسة الحكومة قد تقود الجنوب لاحتقان الشارع والتصادم .. حوار

عدن تايم / حوار: فاروق عبدالسلام


قال رئيس مركز مدار للدراسات الأكاديمي الجنوبي الدكتور فضل الربيعي، إن الأوضاع العامة في مجالات وقطاعات السياسة والاقتصاد والأمن والمعيشة وغيرها من مجالات وقطاعات الحياة في عدن والجنوب تحديداً والمحافظات المحررة بشكل عام، تعاني من الكثير من التعقيدات التي انعكست بشكل سلبي على الحياة العامة ومختلف فئات وشرائح المجتمع بدون استثناء.

وأجرت "عدن تايم" حواراً مع الدكتور الربيعي، تطرق فيه إلى أوضاع الجنوب، وما يترتب على تلك الأوضاع من نتائج جرّاء أداء الحكومة الشرعية، كما تطرق إلى العديد من القضايا والملفات الهامة، إليكم نص الحوار .. 

- كيف تنظر إلى واقع الأوضاع العامة في عدن والجنوب؟

- أعتقد أن الأوضاع التي تعيشها المحافظات الجنوبية وبالأصح المحافظات المحررة أوضاعاً لا تسر، وهناك شبه تعقيدات سواء في مجمل الأوضاع المعيشية والسياسية وغيرها بسبب تأخير حسم الحرب وسياسات الحكومة الشرعية تجاه المناطق المحررة، ربما عدم وجود الحكومة في مقرها المؤقت بعدن هو أحد المشكلات الأساسية، ناهيك أن وضع عدن مع الأسف الشديد باعتبارها العاصمة المؤقتة وتحوي مقرات الحكومة وتواجد قوات التحالف العربي والمدينة التي تنطلق منها العمليات العسكرية، إلا أنها ما زالت بدون محافظ حتى الوقت الراهن، كما أن مأساة عدن تتحدد بعدم وجود قيادة مستقرة تدير الأمور بعدن منذ ما بعد الحرب في 2015م، حيث تم تعيين أول محافظ لعدن عقب الحرب وهو نائف البكري لمدة حوالي شهرين، ثم جاء تعيين خلفاً له الشهيد اللواء جعفر محمد سعد الذي اُغتيل بعد نحو شهرين من تعيينه بمنصب محافظ عدن، وبعدهما تم تعيين اللواء عيدروس الزُبيدي محافظاً لعدن، ولكنه استمر بمنصبه لفترة وجيزة وتم تعيين خلفاً له بمنصب محافظ عدن عبدالعزيز المفلحي الذي لم يستطع حتى من دخول مقر السلطة المحلية.

وخلال هذه الفترة يبدوا أن هناك إرباكاً كبيراً جداً لدى القيادة السياسية والحكومة الشرعية في تعاملها ورؤيتها تجاه محافظة عدن وتعزيز أمنها واستقرارها، وهو ما أثار الاستغراب لدى البعض حول عدم وجود محافظ لعدن يدير شؤونها، أو أحياناً تتعامل الحكومة مع التعيينات في المناصب بأسلوب المناكفات السياسية، وأبعاد سياسية أكثر من ما هي تنموية وأمنية تساعد على استقرار الحياة في عدن، وهو ما زاد الأمور تعقيداً في عدن، لا سيّما وأن مؤسسات الدولة لم تعمل حتى الآن بطاقتها وبصورتها الطبيعية، حيث لا تزال آلية النظام السابق هي من تتحكم في آلية إدارة تلك المؤسسات بعدن، وهو ما عكس الكثير من الاستياء بين أوساط السكان.

كما كان ينبغي بأن يكون وضع عدن عقب الحرب في تحسن بالجانب الأمني، ولكن يبدوا أن تعدد القوات والسلاح من أبرز تحديات الاستقرار الأمني بالمرحلة الحالية، والاستحقاقات التي تمت بعد الحرب من خلال انخراط كثير من الشباب في صفوف المقاومة، ربما أخذت طابع الاستقطاب الفئوي والمناطقي، وهو أيضاً زاد من الاحتقان والتنافر الاجتماعي، وأعتقد أن المحافظات المحررة تعيش أوضاعاً غير مستقرة وبينها الناحية الأمنية، رغم الجهود والخطوات التي تبذلها والتي انعكست بشكل إيجابي من خلال تحقيق قوات التحالف العربي والحزام الأمني انتصارات كبيرة على حساب الإرهاب والإرهابيين، إلا أن ذلك لم يستكمل بعد باتجاه ترسيخ الأمن والاستقرار بشكل كامل على أرض الواقع.

وأرى أن سياسة الشرعية تجاه عدن والمحافظات الجنوبية غير واضحة حتى الوقت الحالي، وهناك غموض في حسابات الشرعية هل هي محتفظة بتلك المحافظات كعهدة، أو أن الأمر متعلق بتأخر الحسم العسكري للحرب في صنعاء، كما أن هناك كثير من التصريحات التي سمعناها لمسؤولي الشرعية بينهم وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، والتي حملت رسالة واضحة وهي "أن الحكومة لا تساعد على استقرار الأوضاع في الجنوب خوفاً من انفصال الجنوب"، ولكن أنا أعتقد - الربيعي - أن الحكومة هي نفسها غير مستقرة، وبالمقابل تلقى نفور اجتماعي كبير ولم تلقِ حاضنة اجتماعية وسياسية لها ولم تستطع أن تتعامل مع نتائج ومعطيات الحرب وما أفرزته الحرب على أرض الواقع من دور للمقاومة الجنوبية والأهداف التي انطلقت منها المقاومة والحراك في الجنوب، كما استخدمت الحكومة ملف التعيينات في المناصب كورقة ضغط على مناوئيها السياسيين، وهو الأمر الذي ضاعف التعقيدات والاستقطابات في عدن والجنوب.

وهنا الأمر يتطلب ضرورة إعادة النظر بسياسة الحكومة، وضغط التحالف العربي على الحكومة تجاه تعاملها مع المحافظات الجنوبية ونيلها من الكثير من الاستحقاقات وخصوصاً الجوانب المعيشية، والملاحظ حالياً الارتفاع الجنوني في أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية، وعدم توفر فرص عمل، وتوقف الاستثمار، وعدم وجود آلية عمل محددة ومناسبة في كيفية التعامل مع الموارد لصالح الدولة بسبب تعدد الأطراف السياسية والمسلحة التي لم يتم انصهارها في إطار وحدات عسكرية وأمنية نظامية وواضحة الانتماء والهوية والأهداف، ويمكن القول إن ذلك ساعد على عدم الاستقرار والنهوض بالتنمية وتنفير المستثمرين، ولهذا أوضاع عدن مؤسفة، لأنه رغم تحريرها من الانقلابيين إلا أن أوضاعها في تدهور وإلى الأسوأ يوم وراء آخر من خلال انتشار السرقة والسطو على الممتلكات العامة والخاصة والأراضي والمتنفسات العامة بصورة مخيفة جداً، كونه لم تشهد عدن مثل هذه الممارسات الفوضوية والانفلات الكبير من سابق، وحالياً يحدث ذلك لعدم وجود سلطة رادعة، ولذلك ستعاني السلطات المحلية في عدن من مخلفات الحرب.

كما يمكن القول إن الكثير من المسؤولين في الأجهزة المركزية والسلطات المحلية يتعاملون مع الأوضاع الحالية وكأنهم في الساعة الأخيرة، وبات همهم ماذا يكسبون من مردود من خلال تعاملهم مع الموارد للحصول على المكاسب والامتيازات، ولذلك أصبح من الواضح أن كل طرف من الأطراف المتصارعة بالحرب يحاول الاستثمار وتوظيف كل ما بيده من إمكانيات للاستئثار بالموارد والوظائف العامة الرسمية.

- ما هو تقييمك لأداء الحكومة في العام الماضي وتوقعاتك لتوجهاتها في المستقبل القريب؟

- من وجهة نظري لا أتوقع أن هناك انتصارات وخطط واضحة للحكومة، كونها حسب علمي عملت خلال العامين الماضيين بدون أي موازنة فأي انتصارات أو إنجازات حققت دون أن يكون لديها موازنة مالية لتسيير أعمالها، وحالياً هناك فروع لمكاتب الوزارات الحكومية بالمحافظات ولكن علاقتها مع الحكومة "مشلولة" لعدم وجود مؤسسات ثابتة على الأرض، كما أن الحديث عن إنجازات للحكومة في الوقت الراهن شيء مبالغ فيه، ولكن إذا لدى الحكومة  موازنة للعام الجاري 2018م، يجب عليها إعادة النظر في وضع ميزانية واضحة للدولة واتخاذ موقف واضح في مرحلتها الحالية تجاه ما أفرزه الواقع من معطيات، كون هناك قوات وقوى سياسية موجودة على الأرض ممثلة بالمقاومة الجنوبية والحراك الجنوبي والسلفيين والتي تعتبر حالياً منضوية تحت مظلة المجلس الانتقالي الجنوبي، كما أن استخدام الحكومة سياسة الضغط على المجلس الانتقالي ليس في مصلحة الحكومة، كما أنه على دول التحالف العربي التعامل مع الواقع لأن أي حلول قادمة ستسير نحو خلق حوار سياسي لعدم وجود أي حل عسكري، وبالتالي فان الحوار السياسي يفرض التعامل مع الموجودين على الأرض، فاستبعاد القوى الموجودة على الأرض، وهو ما حدث مع استبعاد ومحاربة كل من ينتمي للمجلس الانتقالي في الوظيفة العامة والرسمية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لتعقيد الوضع أكثر، وليس من مصلحة استقرار الدولة ولن تستطيع الحكومة بالوضع الراهن تحقيق أي انتصارات.

ومؤخراً قبل أيام، عقدت ندوة في عدن، وشددت على ضرورة وأهمية تعامل الحكومة الجاد مع الأوضاع، وبالمقابل فانه من حق المجلس الانتقالي الجنوبي الموجود بموجب الشرعية الثورية، ممارسة الضغط على الحكومة للايفاء بالتزاماتها وواجباتها لإصلاح الأوضاع الخدمية والحقوقية لمختلف فئات وشرائح المجتمع.

- ذكرت بأن الحكومة تتعامل بأسلوب المناكفات السياسية مع مناوئيها، ما الذي يترتب على ذلك؟

- تعامل الحكومة بأسلوب المناكفات السياسية والتي من بينها التعيينات المزاجية بمناصب الدولة والحكومة، يترتب عليه تأثيرات واضحة جداً بينها العودة إلى احتقان الشارع والتجاذبات والتفكير باتجاه التصادم، كون بعض من يتم تعيينهم بمزاجية حكومية بعيداً كل البعد عن الكفاءات والمسؤولية الوطنية، ونحن نعاني منها بشكل كبير جداً، وبعض الناس يتحدثون بأن التعيينات بالوقت الحالي صارت بطريقة فجة وفاقت المراحل السياسية السابقة، ولذا على الحكومة مراجعة حساباتها والتفكير جيداً.

- كيف تنظر إلى الواقع الاقتصادي وما الذي يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلاً؟

- توقعنا انهيار العملة منذ وقت سابق، لأن آثار الحرب كبيرة جداً في الجانب الاقتصادي، وأن تدخل الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في دعم ميزانية الدولة أوقف ذلك التدهور بالفترة السابقة، وفي حال توقف ذلك الدعم سيؤثر بشكل أكبر، لأنه في الوقت الحالي أصبحت الموارد الأساسية تعتمد على النفط ولا نعلم هل تم استئناف عمل الشركات النفطية في قطاع النفط، وتصدير النفط وعائداته المالية، وأنا لا أعتقد أن الأوضاع في مجال النفط تسير وفقاً للأنظمة المحددة السائدة قبل الحرب، كما أن ارتفاع أسعار العملات الأجنبية أمام العملة المحلية كارثة كبيرة جداً والتنمية بشكل عام متوقفة في البلاد، ولذلك أصبحنا بشكل تام نعتمد في الحصول على الغذاء والسلاح والمرتبات على التحالف العربي، وهذا يتطلب رؤية واضحة لدى الحكومة للتعامل مع الواقع، ما لم فاننا سنواجه مشاكل كثيرة ومتعددة.

- هناك من يرى بأن الحل لإنهاء معاناة وآلام الشعب ب"ثورة" لإسقاط الحكومة، ما تعليقك؟

- مشكلتنا أن هناك منذ الحرب فساد ونهب فظيع وكبير جداً، وذلك معروف في تاريخ الحروب، كما يبدوا أن هناك قوى فاسدة تحاول إطالة أمد الحرب لتزداد ثراء، أما بالنسبة للقيام بثورة ضد الحكومة، جائز أن الثورة قد تتخلص من الحكومة ولكن ما الذي يضمن لنا ما بعد الثورة، خصوصاً وأن دول التحالف العربي تعترف بالشرعية بموجب أهداف عاصفة الحزم التي لم تكتمل بعد، وهناك تعدد بأطراف الصراع وأجنداتها، وبالتالي إذا لم تكن هناك قوى سياسية لديها خطوط واضحة ترسم اتجاهات الاستقرار والسيطرة على الوضع بعد الثورة، وذلك مع مراعاة الواقع الحالي والتنسيق مع التحالف العربي لتأمين مختلف الأوضاع فهذا طيب، ولكن إذا كانت المسألة ثورة والخروج لإسقاط الحكومة دون التفكير بالبدائل فأعتقد بأن ذلك سيزيد الأوضاع تعقيداً أكثر من التعقيدات القائمة الحالية.

وبحسب المصادر فان المعلومات الأولية للحرب سجلت ستة أو سبعة آلاف شهيد، ولهذا لا يمكن لأي قوة أن تفكر في المساومة واستغلال هذه التضحيات والأهداف التي ناضل من أجلها الناس، لأن دمائهم وأرواحهم غير قابلة للمساومة والاستغلال، والواقع أفرز قوة جنوبية على الأرض ممثلة سياسياً بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وهنا لا بد من التعاطي الإيجابي من جانب الحكومة مع المجلس الانتقالي لتأمين مستقبل البلد فيما بعد أي تسوية سياسية.

- ما تفسيرك لمواقف الحكومة إزاء الجنوب والجنوبيين وترحيبها بحلفاء الانقلابيين بالأمس؟

- الحكومة حالياً ليست طرف واحد، بل هي قوى متعددة والقوة الأساسية في الحكومة هي الإصلاح "الإخوان المسلمين"، ويمكن القول إن الإصلاح هو صاحب القرار وبقية القوى السياسية ليست لها تأثير مقارنة بهيمنة الإصلاح في الحكومة، وبالتالي فان أجندات ومشاريع تلك القوى في الحكومة مختلفة، ونحن نعرف منذ فترة طويلة بأن الإصلاح لديه موقف من القضية الجنوبية والإمارات أشد عداءً من موقفه ضد الانقلابيين أنفسهم، وحاولوا خلال السنوات الماضية لنقل الحرب إلى المحافظات المحررة، وهو ما عكسته وسائل إعلام الإصلاح التي تحمل العداء وتشن الهجوم على الجنوب والإمارات أكثر من من عدائها ومهاجمتها للانقلابيين، وهذا التداخل والاختلافات داخل الشرعية له أسبابه وقناعاته التي تعكس قناعاتهم من الجنوب وحامله السياسي، وهنا لاحظنا في الآونة الأخيرة التحاق قوى فاسدة بالشرعية، ولكنهم يرون أن التساير مع القوة المؤثرة وهي الإصلاح والتي ربما وجودهم بجانبها في هذا الزمن القصير سيوفر لهم امتيازاتهم الخاصة ولفترة مؤقتة بالتحالف مرحلياً مع هذه القوة المعادية للجنوب والوقوف معها ضد قضية الجنوب والهجوم الغير مبرر على التحالف العربي وخصوصاً الإمارات.