آخر تحديث :الأربعاء - 27 نوفمبر 2024 - 02:27 ص

تحقيقات وحوارات


مصطفى نصر لـ ( عدن تايم ) : تأثير الوديعة السعودية سيكون مؤقتا اذا لم تنفذ خطوات عاجلة للاستفادة منها .. ( حوار )

الأحد - 25 فبراير 2018 - 10:32 م بتوقيت عدن

مصطفى نصر لـ ( عدن تايم ) : تأثير الوديعة السعودية سيكون مؤقتا اذا لم تنفذ خطوات عاجلة للاستفادة منها .. ( حوار )

لقاء / عبدالرحمن أنيس :

الهم الاقتصادي هو الهم الاول المسيطر على كل المواطنين لا سيما وان هبوط سعر العملة رافقه ارتفاع في أسعار معظم السلع الاساسية وتدني القيمة الشرائية للريال وهو ما انعكس سلبا على حياة المواطن البسيط والموظف العادي الذي اصبح مرتبه اقل من مئة دولار بفعل هبوط سعر العملة .
في هذا الحوار حاولنا تسليط الضوء على موضوع قيمة سعر العملة واسباب عدم تحسنها رغم الوديعة السعودية والاداء الاقتصادي للحكومة وغيرها من الامور المتصلة بهذا الشان ، مع الزميل الصحفي مصطفى نصر الذي يراس منظمة متخصصة في الدراسات والاعلام الاقتصادي تسمى ( مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي ) ، وهو منظمة تسعى من اجل نظام اقتصادي ناجح وشفاف من خلال التوعية بالقضايا الاقتصادية وتعزيز مستوى الشفافية ومشاركة المواطنين في صنع القرار ، كما يعمل لايجاد إعلام اقتصادي مهني ومحترف .. فالى الحوار :

1-لماذا لم يطرا تحسن كبير في سعر الريال امام العملات الاجنبية رغم الوديعة السعودية ؟
هناك عدة عوامل تتحكم او تؤثر علي سعر صرف العملة المحلية الريال مقابل الدولار والعملات الأخرى من بينها حجم الاحتياطيات من العملة الصعبة، ومقدار الإنتاج والتصدير، وحالة الاستقرار وطبيعة السياسات النقدية والائتمانية المتبعة في البلد وامتثال قطاعها المصرفي لقواعد العمل المالي واليات مكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب، ومن بين تلك العوامل أيضا موضوع الثقة بالقطاع المصرفي.
فعندما تم الإعلان عن الوديعة السعودية تحسن مؤشر الثقة بالعملة المحلية في السوق لذلك شاهدنا تحسن طفيف، لكن ذلك لم يدم طويلا لأسباب بعضها متعلق بطبيعة الوديعة غير القابلة للسحب والبعض الاخر يعود للقصور في أداء البنك المركزي اليمني في الاستفادة من حالة الثقة التي ولدتها الوديعة والقيام بخطوات تهدف الي الاستفادة منها في خلق حالة من الاستقرار وعدم المضاربة بالعملة في السوق.
مثلت الوديعة خطوة مهمة وضرورية للحفاظ علي العملة لكن تأثيرها سيكون مؤقتا اذا لم يتم القيام بخطوات عاجلة للاستفادة منها علي المستوي المحلي وعلي المستوي الإقليمي والدولي.

2-باعتقادك ما هي ابرز الاخطاء في السياسة المالية التي ادت الى انهيار قيمة الريال ؟
هناك أسباب متعددة أدت الي هذا الانهيار في سعر العملة حيث تراجع سعر العملة المحلية بنسبة ١٤٣٪ مقارنة بمطلع عام ٢٠١٥م، ويمكن التأكيد بأن السبب الرئيسي هي الحرب التي تشهدها اليمن، فبمجرد سيطرة جماعة الحوثي علي العاصمة صنعاء والقيام بخطوات الانقلاب المعروفة توقفت العديد من مصادر النقد الأجنبي حيث انسحبت معظم المنظمات الدولية والسفارات وتوقفت شركات الإنتاج النفطي والغاز ، وتلاها سلسلة من الاجراءات كاستنزاف الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة الذي كان يقدر ب ٥ مليار دولار واتخاذ قرارات غير مدروسة كالسماح باستيراد المشتقات النفطية دون توفير العملة الصعبة ولا نغفل هنا دخول مافيا المضاربة بالعملة وتهريبها الي الخارج وتنامي ظاهرة السوق السوداء للعملة عبر مجموعة واسعة من شركات الصرافة غير المرخصة والمستفيدين من ذوي النفوذ.
كل تلك الأسباب أدت الي التدهور في سعر العملة، بالإضافة الي غياب البنك المركزي اليمني عن القيام بدوره عقب قرار نقل البنك من صنعاء الي عدن في سبتمبر ٢٠١٦م وطباعة عملة محلية دون اتباع سياسات مالية ونقدية جيدة ورقابة فاعلة لضبط السوق.

3-منذ الحرب ضخت دول التحالف مبالغ من العملات الاجنبية الى السوق المحلية كرواتب للجيش وغيرها.. لماذا لم تؤثر ايجابا في قيمة الريال؟
في الحقيقة هذه المبالغ التي تم ضخها الي اليمن سواء من خلال مرتبات الجيش او باسم المساعدات الانسانية ساهمت في عدم التدهور الحاد في سعر العملة الي حد ما، وحتي ما قبل الانهيار في الأشهر القليلة الماضية كان مستوي التراجع في العملة معقولا مقارنة باقتصاديات شبيه بالاقتصاد اليمني ومقارنة بحجم الازمة الاقتصادية الكارثية التي تعيشها البلد.
لكن أيضا السؤال هو لماذا لم يكن التأثير دائما او لم يتسم بالديمومة والفاعلية والاجابة هنا تعود الي مستوي أداء وفاعلية الحكومة اليمنية والبنك المركزي بصفة خاصة. اذ ان غياب الرؤية في الاستفادة من تلك الاموال في تغذية القطاع المصرفي والتحكم فيه جعلها تخرج عن المنظومة المصرفية الطبيعية.
وخروج النقد عن دورتها الطبيعة لم يكن لتلك الاموال فقط اذ شمل حتي العملة المحلية، فقد ضعف دور البنك المركزي والبنوك والمصارف لصالح السوق السوداء، وبدلا من ان يتم التعامل عبر البنوك وشركات الصرافة المعتمدة يتم تداول الاموال خارج المنظومة المصرفية، ولذلك ستجد ان البنوك اذا ارادت ان تحصل علي الدولار تشتريه من محلات الصرافة.
وهناك عوامل اخري مهم التطرق اليه وهي عدم السيطرة علي كل الأرض اليمنية اذا ما تزال مناطق مالية مهمة خارج سيطرة الحكومة، مع ما يعنيه ذلك من وجود كتلة نقدية كبيرة خارج السيطرة والتحكم.

4-ما الذي يجب عمله خلال الفترة القادمة لتلافي انهيار العملة المحلية ؟
مشكلة انهيار العملة كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معني، وهي توازي كارثية الحرب نفسها، ولذلك هي بحاجة الي حالة من الاستنفار الكلي من قبل الحكومة وشركاءها الإقليميين الدوليين. هناك إجراءات يفترض القيام بها بشكل عاجل بالشراكة مع الدول المجاورة لاسيما السعودية والامارات وكذلك الدول الكبرى كامريكا وبريطانيا وألمانيا الدعم والمساندة للاقتصاد اليمني وتتمثل في ضخ كمية من الاحتياطيات للبنك المركزي لاعادة العافية للقطاع المصرفي اليمن وهو قلب العملية الاقتصادية في البلد.
وهناك مسئوليات علي الحكومة تتمثل بوضع حزمة من السياسات الاقتصادية والنقدية لتجاوز مشكلة انهيار العملة وضبط السوق ومنها تفعيل البنك المركزي باعتباره المسئول عن إدارة السياسات النقدية في البلد، وتفعيل كآفة الإدارات ليتمكن البنك المركزي من القيام بكل وظائفه، وان تشكل قيادة البنك المركزي والمالية والمؤسسات الايرادية والبنوك فريق عمل مشترك يجتمع كل أسبوع او أسبوعين لتقييم ومراقبة مستوي تنفيذ السياسة النقدية ووضع المعالجات العاجلة للمشكلات في هذا الجانب، وتعزيز الموارد من العملة الصعبة وذلك عن طريق:
- استئناف الصادرات النفطية وغير النفطية
- الاستفادة من المنح والمساعدات والودائع
وتفعيل فروع البنك المركزي وإيداع كآفة إيرادات الدولة لدى فروعه البنك المركزي المختلفة، وإدارة أسعار الصرف عن طريق تغطية استيراد السلع الأساسية من الموارد من العملات الصعبة وبسعر صرف السوق، وإدارة السيولة بالريال اليمني وتعزيز الثقة به وتفعيل غرفة المقاصة، وتشجيع دوران الريال اليمني عبر البنوك وتقديم الدعم الفني للبنك المركزي من خلال رفع القدرات للإدارات والعاملين وإمداده بالتجهيزات اللازمة، وتفعيل الرقابة على الجهاز المصرفي وضبط التراخيص بما يعزز من درجة الامتثال لتعزيز سمعة الجهاز المصرفي اليمني على المستوى الدولي، وتحييد القطاع المصرفي وابعاده عن الصراع السياسي وذلك من خلال عدم التدخل في قراراته.
وهناك إجراءات متوسطة وطويلة المدي لابد من ان تعمل الحكومة عليها وتتمثل في إيجاد سياسة مالية ونقدية تعزز من استئناف النشاط الاقتصادي والاستثماري في البلد وتعمل علي تطوير القدرات التصديرية للبلد واستقطاب رؤوس الاموال الخارجية.

5-الى اي مدى ساهمت طباعة العملة المحلية في انهيار قيمتها ؟
طباعة مزيد من العملة المحلية دون غطاء يعد احد الأسباب التي أدت الي انهيار العملة، ورغم ان طباعة عملة كانت ضرورية في مرحلة معينة لمواجهة ازمة السيولة او لاستبدال العملة التالفة الا ان الاستمرار في طباعة العملة دون ان يواكب هذه الطباعة نشاط انتاجي يقود الي مزيد من الانهيار في سعر الريال.

6-العامل السياسي كوجود سلطتين في صنعاء وعدن ما هو تاثيره على قيمة العملة ؟
سبق واشرت الي ان هذه تعد احد التحديات الكبيرة التي تواجه العملة اليمنية والاقتصاد اليمني عموما، اذ ان عدم سيطرة الحكومة علي جزء كبير من الكتلة النقدية ومعظم النشاط الاقتصادي يشكل تحدي كبير، لذا يتطلب الامر رؤية وأليات ذكية للتعامل مع وضع كهذا الخروج بأقل الخسائر والعمل علي عدم تفاقم الوضع نحو الأسوأ .

7-كيف تتوقع مستقبل الاقتصاد الوطني خلال الفترة القادمة في ضوء المعطيات الحالية ؟
لست متفائلا بناء علي ما نشاهده في الواقع، اذ ان حالة النزيف ما زالت مستمرة وامام الاقتصاد اليمني مرحلة طويلة كي يتعافي اذا انتهت الحرب.
وقد أشرنا في تقرير مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي " مؤشرات الاقتصاد في اليمن ٢٠١٧م" الي مجموعة من التوقعات للعام الراهن منها استمرار تدهور سعر الصرف وتحسن في إيرادات الحكومة في بعض المحافظات واستمرار الاختناقات في المشتقات النفطية واستمرار نزيف رأس المال المحلي نحو الخارج وبقاء اليمن في مرحلة الاغاثة الانسانية أي انها لم تنتقل بعد الي مرحلة إعادة الاعمار.

8 - كيف تقرا ارقام الموازنة العامة للدولة التي اعلنتها الحكومة مؤخرا ؟
الحكومة لم تعلن عن موازنة بالمعني الحقيقي وانما عن مؤشرات، وفي اعتقادي انها لن تتعدي مجرد الإعلان اذ كان يفترض ان تعد موازنة عامة حقيقية وتتزامن مع برنامج حكومة واضح ومحدد. صحيح اننا نعيش حالة استثنائية بسبب الحرب لكن ذلك لا يمنع ان يكون هناك بيانات حقيقية حول الايرادات وتوقعات اقرب للدقة للنفقات اذ ان هذا مؤشر علي مدي كفاءة الحكومة وتمتعها بالشفافية والنزاهة وقبل ذلك امتلاكها للرؤية لما يمكن عمله خلال العام. وعلي كل حال ما زلنا ننتظر تفاصيل الموازنة

9-كيف تقيم اداء البنك المركزي منذ قرار نقل مقره الرئيسي الى عدن ؟
مثل غياب البنك المركزي اليمني منذ قرار نقله في سبتمبر ٢٠١٦م السمة الأبرز في الشأن الاقتصادي اليمني، اذ لم يتم تفعيل البنك المركزي اليمني وما تحقق شيء بسيط مقارنة بالمهام التي كان يفترض القيام بها، كان لدينا تقييم مهني لما انجزه البنك خلال المرحلة الماضية وتبين من خلال التقييم فشل البنك في الكثير من مهامه. مؤخرا جري تعيين محافظ جديد للبنك لكنني لست متفائلا. ومبعث عدم التفاؤل يعود الي نظرة السلطة للمشكلة الاقتصادية عموما، اذ ما تزال المشكلة الاقتصادية في ادني سلم الاهتمامات كما ان اصلاح الشأن الاقتصادي يتطلب إيجاد فريق اقتصادي منسجم ووفق معايير محددة لإصلاح كافة المؤسسات الاقتصادية وتفعيلها.

10 - كلمة اخيرة تود قولها ؟
يعيش اليمن مرحلة انهيار اقتصادي هو الأسوأ وهذا يتطلب إرادة صادقة وجهود استثنائية لانتشاله من هذا الواقع.