آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 11:25 ص

ثقافة وأدب


حريز ...بن شعيب أيقونتا الزمن الأكاديمي الجميل

الثلاثاء - 13 مارس 2018 - 06:32 م بتوقيت عدن

حريز ...بن شعيب أيقونتا الزمن الأكاديمي الجميل

علي غالب الصبيحي / كلية الآداب

رعى الله الزمن الجميل وأعلامه، رعى الله جيل المعلامة العظيم، رعى الله جيل جدول الضرب، وجيل المبادرات الشبابية والعمل الطوعي، وجيل تشجير المدارس والطابور الصباحي،رعى الله جيل حمل في قلبه حب الوطن وسكر به حد الثمالة... رعى الله جيل المجلات الحائطية، وجيل حصتي التربية العسكرية في المرحلة الثانوية... رعى الله جيلاً عظيما كان أفراده ينحدرون من أسر فقيرة إذا وجد أفرادها كسرة الخبز الجافة والملح، لم يجدوا اللباس والفرش الكافي الذي يقيهم زمهرير الشتاء وقيض الصيف .
رعى الله زمنا عظيما أفراده شعث غبر ما عرفوا النت ولا الواتس، تكوّن منهم جيشا مهنيا عظيما كانت تصغي له الدنيا، وترتعد لمجرد ذكره جيوش المنطقة العربية.
هي دموع الحسرة في زمن استثنائي..وهي دموع الأسى في زمن جنود وعسكر وجيل سفري بلا هوية، وجيل التفحيط بأطقم بلا لوحات ولاهوية مثل أصحابها ...هي دموع القلوب المغبونة الجريحة أسى وحسرة على ضياع أوطان وانهيار أمة.

لا يأتي جيل إلا والذي قبله أروع منه، ولا تتقادم المراحل إلا وتُذرف الدموع على زمن جميل ذهب ولن يعود..
في كل مجالات الحياة السياسية والعلمية والثقافية تتساقط أوراق، وتمضي من بين أيدينا جواهر ولا نحس بقيمتها إلا وقد أفلت وغابت.
كم من الأعلام والنوابغ والرموز عاشوا بصمت ، ورحلوا بصمت دون أي ضجيج... نعم عاشوا لأوطانهم ومجتمعاتهم بصمت ورحلوا بصمت دون ذاك الضجيج الذي تحدثه الأواني الفارغة.
هم زمرة الخير والعطاء الذين أخفوا أوجاعاهم وآلامهم ولم يئنوا أو يتألموا لعلمهم أن مجتمعاتهم وأوطانهم بها أوجاع كبرى، ولابد من تحمل الوجع الذاتي والشخصي والوجع الصغير، من أجل الوجع الكبير، وجع الأجيال والأوطان..
عاشوا نكرات وهم أشهر من المعارف نفسها... لم يعبأ بهم أحد.. تحملوا الأمراض والأسقام وما تألموا ولا أنّوا ،حتى ماتوا كما تموت الأشجار واقفة لاتنحني.
هي دموع الأسى أيقظاها علمان وهامتان سامقتان في جامعة عدن لا يزالان على قيد الحياة كلما رأيتهما تحسرت ورددت:
يا آخر الأوراق في زهري وآخر وجه عيد..

عبدالله بن حريز ، وعبد الرحمن بن شعيب ، أولهما مسجل عام كلية الطب / عدن ، وثانيهما : أستاذ الأجيال المخضرم ومدير مركز السنة التحضيرية حاليا ، ومسجل عام جامعة عدن في فترة سابقة.

بن حريز المنضوي تحت إطار جامعة عدن /كلية الطب من عام 76م والقابض على أمور التسجيل في كلية الطب من عام 83م والمحافظ على كل وثائق وملفات وصور كل الدفع، والمطلع على حال الأحياء ، بل والأموات ممن تستخدم لدروس التشريح التي لايستلمها إلا بإشراف البحث الجنائي، ولايسلمها أو يفرط في عظم أو عضو من أعضائها إلا بذلك.
بن حريز ذلك العصامي ، ابن المدرسة الحضرمية الجنوبية الذي نزلت عليه لجنة من مجلس ( نوام) دولة صنعاء الهالكة المنقرضة عقب المأساة المزلزلة في مشرحة كلية الطب صنعاء التي عرفت بمجزرة السفاح السوداني ، ظانة أن مايجري في صنعاء يجري في عدن فطلبت ملفات الدفع وصورهم بانتظام ، وطلبت عينة عشوائية من الملفات فوقعت فوق ملف د. رجاء وكانت قد أصبحت دكتورة في الكلية فذهل رئيس اللجنة صالح السنباني للدقة والمراقبة والعمل المنهجي العظيم ،فحنى قبعته لبن حريز وعاد من حيث أتى دون أن يجد هفوة واحدة على كلية الطب عدن.
بن شعيب هو الآخر ابن المدرسة نفسها ، وخريج المدرسة الفرنسية ، يعود اليوم مديرا لمركز السنة التحضيرية ،لعل وعسى أن يتبرك به هذا الجيل الحائر... يعود هذا العلم المتواضع ليزرع نبتة جديدة ويرويها بيديه الطيبتين بعد خدمة 42 عاما ومازال - حفظه الله- في قمة حيويته وعطائه.
كم من الهامات مضت إلى العالم الآخر ولم نحس بثقلها إلا بعد فقدها؟ ألم يسقط الأستاذ عبدالله فاضل فارع في درج طوابق الجامعة وهو يتابع مستحقات التعاقد ومات على أثرها.
أتذكر- والذكرى مؤلمة- أن الناقد والأديب د. عبد المطلب جبر- رحمه الله- كان يدرس المراحل الثلاث( بكلاريوس، ماجستير ، دكتوراه) ولم يحس بآلامه أحد ،وكان آخر النصوص التي وقف عندها مع طلاب الدكتوراه نص أبي القاسم الشابي: الوداع الوداع / ياجبال الهموم /ياضباب الأسى / يافجاج الجحيم
وهذا النص أحس قبله بدنو الموت فعزفته روحه، وهكذا كان حال أستاذنا د. عبد المطلب جبر، حتى لكأنه أحس هو الآخر بدنو الموت فانقطع وانطوى في بيته ولم يشك ولم يبك .
اليوم نحن بحاجة إلى لفتة ولمسة لبعض رموز الزمن الجميل من الجيل المخضرم ، ودعاة الفكر والعلم ممن ذكرت وآخرين يتوزعون على كليات الجامعة ومن أمثلتهم : د. محمد علي يحيى، د. سالم علي سعيد، د. عبدالله الحو ،د. أحمد الهمداني، د. الأديب والمفكر هشام السقاف، د. جمال الجعدني ، وعشرات غيرهم وصلوا الليل بالنهار من أجلنا ومن أجل تاريحنا ووطننا..
ختاما: كم وكم من الأعلام ممن ينضوون تحت هذه المدرسة الحضرمية خاصة والجنوبية عامة ،حريزية، وشعيبية، تحتاج اليوم للفتة وهي على قيد الحياة، خير من ألف تأبين أو قصائد رثاء بعد الموت.
علي غالب الصبيحي / كلية الآداب
عدن. مارس /2018م.