آخر تحديث :الجمعة - 03 مايو 2024 - 03:28 م

اخبار وتقارير


القبيلة .. الدولة العميقة في الشمال ( تقرير خاص )

الجمعة - 19 أبريل 2019 - 10:56 م بتوقيت عدن

القبيلة .. الدولة العميقة في الشمال ( تقرير خاص )

عدن تايم: وضاح الأحمدي

ناضل اليمنيون شمالا وجنوبا ومنذ زمن بعيد من اجل اقامة دولة مدنية حديثة تحقق لهم مواطنة متساوية ومعيشة كريمة وفقا لنظام حكم ديمقراطي عادل مبني على الدستور والقانون، بعيدا عن احتكار " الدولة العميقة" ونفوذها الازلي، وهي اللعنة التي رافقت حلم اليمنيين بالدولة وحولت تحقيقه الى محال، خصوصا في " الشمال" حيث القبيلة هي الركيزة الاساسية لنظام الحكم.


ويعرف المتخصصون في السياسة الدولة العميقة، بالدولة المتجذرة أو انها دولة بداخل دولة، وهو مفهوم شائع يستخدم لوصف أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمصير الدولة (كالجيش أو المؤسسات البيروقراطية المدنية أو الأمنية أو الأحزاب الحاكمة)، وقد تتكون الدولة العميقة بهدف مؤامراتي أو بهدف مشروع كالحفاظ على مصالح الدولة كنظام حكم، ذات الفكرة التي ظهرت لاول مرة في تركيا بهدف حماية علمانية الدولة التي أنشأها اتاتورك، ومنها انتقلت الى أقطار اخرى بما فيها البلاد العربية من ضمنها اليمن، حيث القبيلة هي الدولة العميقة للبلاد " شمالا" ونجحت وبشكل مطلق في الحفاظ على كيانها ومركزها السلطوي عن طريق استحواذها على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والتشريعية والقضائية، مدعومة بمؤسسة دينية شرعنت لها نفوذها وانقلابها على الدولة المدنية الحديثة باعتبارها خطرا يهدد بقاءها بجوار الحاكم، وبالتالي فقدانها حصتها في الثروة والسلطة.

القبيلة جنوبا :

جنوبا، ساهم الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، في الحد من سطوة القبيلة ثم الغاءها كليا، عن طريق فك ارتباط القبيلة الجنوبية بالقبيلة الشمالية التي تمثل الطرف الاقوى، وربطها بالنظام البريطاني من خلال معاهدات الحماية ودمجها بالادارة البريطانية في عدن، وكذا تطوير نظام الحكم لديها والمتمثل بأكثر من ٢٠ سلطنة وامارة ومشيخة، ما افضى الى تأسيس نظام فيدرالي متطور تحت مسمى اتحاد الجنوب العربي، كما انه لم يعزلها عن الحالة الحضارية المتقدمة القائمة حينها في عدن، بل سهل لها ذلك باعتبارها اصبحت حزءا من تواجده الذي دام لاكثر من ١٢٨ عاما، وعمل على اتاحة فرص التعليم، من خلال افتتاحه عددا من المدارس بعدن بدءا بمدرسة البادري " سانت جوزيف" التي افتتحت عام ١٨٩١م، ما شجع على افتتاح عديد مدارس في مناطقة ومحميات اخرى، وألهم الجنوبيين وساعدهم بطريقة او بأخرى على تأسيس حالة تمدنية عصرية من خلال انشاء المنتديات الثقافية والاندية الرياضية والإجتماعية بغية الحصول على مجتمع متمدن، كان الهدف الرئيس من هذه الحالة، هو خلع القبيلة الجنوبية عن عمقها القبلي الزيدي في الشمال، ثم خلع المجتمع الجنوبي عن القبيلة نهائيا، الامر الذي سهل مهمة الجبهة القومية بعد الاستقلال الوطني في ٣٠ نوفمبر عام ١٩٦٧، في دمج هذه الامارات والسلطنات ببعضها وإقامة دولة موحدة تحت مسمى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، كدولة مدنية متقدمة ومتطورة، ذات نظام جمهوري ودستوري تم بناءً على اقتراع شعبي، كما كان على رأس الدولة مجلس الشعب الأعلى الذي عين أعضاءه من القيادة العامة للجبهة القومية للتحرير في عام 1971، اضافة الى نظام قضائي عادل ومحكمة عليا، كما انها تميزت بنظامها الاداري والمالي المحكم، ما مكنها من افراغ ما تبقى من ثقافة قبلية داخل هوية واحدة، هوية الدولة الجنوبية المستقلة، وهو ذات الارث الايجابي الذي خلفه الاحتلال البريطاني.

القبيلة شمالا :

شمالا، لم يترك التواجد العثماني في الشمال تأثيرا واضحا على الثقافة المجتمعية السائدة، باعتباره نظاما ملكيا دينيا غير متطورا مقارنة بالأنظمة الأوروبية خصوصا بريطانيا، وذات الامر عزز من بقاء الحالة القبلية المستفحلة كما سهل من اقامة نظام حكم جديد اكثر تخلفا منه، ذلك ان نظام الحكم الذي آل الى اسرة حميد الدين، تم إنشاءه على اساس سلالي مذهبي، اكمل ردم الطريق امام اي محاولة لاخراج اليمن الشمالي من عزلته المفروضة، وابقى عليه رهينا للأعراف والتقاليد البدائية والكهنوت الصفوي الذي حول الشعب الى ما يشبه القطيع، وتحديدا في مناطق " المركز الزيدي " او مناطق شمال الشمال، خلافا لمناطق الوسط، " إب - تعز " التي تمكنت القبيلة فيها من الاندماج بالمجتمع المدني، - رغم سياسة التغيير الديموغرافي التي فرضتها قبائل المركز عليها -، الأمر الذي ساهم في تأسيس الكثير من الاحزاب والتنظيمات السياسية، التي بدورها قادت حركة التحرر من الهيمنة الكهنوتية على اليمن الشمالي عبر ثورة ٢٦ سبتمبر عام ١٩٦٢، التي نجحت في الاطاحة بنظام الائمة وأسست نظام جمهوري تحت مسمى الجمهورية العربية اليمنية.

انقسمت القبيلة بين مؤيد للنظام الجديد " جمهوريين" وبين معارض له " ملكيين" لكنها نجحت في اعادة توحيد صفوفها من داخل السلطة نفسها التي تقاسمتها مع الضباط الاحرار والإسلاميين وبقايا الملكية الإمامية، بعد ان استشعرت خطر وجود دولة مدنية حديثة، ووقفت في الاتجاه المعاكس للجمهورية تماما، لتبدأ عملية مناهضة شرسة للنظام الجمهوري من خلال عدة مظاهر بدءا بالعمل المسلح بمعية الملكيين، ضد نواة الجيش الوطني وكذا تصفية افراد الجيش المصري، الداعم للدولة الجديدة، مرورا بعقد عدة مؤتمرات قبلية، اقرت مخرجاتها بمناوئة الدولة الحديثة ومنع ارساء دعائمها الأساسية، وبما يضمن بقاء سلطة القبيلة وهيمنها، وانتهاءً بقتل الرئيس ابراهيم الحمدي، الذي شهدت الدولة في عهده اقوى حضورا لها، وقاد تحولا حقيقيا في اليمن الشمالي، في فترة زمنية لم تتعدى الثلاثة اعوام، ومن حينه استطاعت القبيلة انتزاع السلطة من الدولة، وبدأت بمهاجمة مواطن الدولة الحديثة ومحاصرة روادها، حتى اصبحت المصدر الرئيسي للسلطة.

الوحدة والقبيلة :

في العام ١٩٩٠ دخلت دولتي الجنوب والشمال في وحدة اندماجية تحت مسمى الجمهورية، لكن القبيلة مجددا انقلبت على الشريك الجنوبي للوحدة، مستخدمة اذرعها العسكرية والدينية لشن حرب على الدولة الجنوبية ١٩٩٤، واستباحتها ارضا وشعبا؛ في عملية وصفها كبير القبليين اليمنيين الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر، بعودة الاصل الى الفرع، لتشرع القبيلة بعدها لمرحلة طويلة من الهيمنة عبر انخراطها في العملية الحزبية وامتلاكها ادوات العمل السياسي، حيث اصبحت المكون الرئيسي لحزب التجمع اليمني للإصلاح، وجزءا مهما من المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم، ومن خلالها حصلت على ٥٠ % من المقاعد النيابية في مجلس النواب، الذي بات يترأسه الشيخ الاحمر، خلفا لأستاذ الاقتصاد في الدولة الجنوبية، الدكتور ياسين سعيد نعمان، ذات الامر الذي يوضح جليا علاقة القبيلة بالدولة، على قاعدة الشيخ الاحمر نفسه الذي لخص العلاقة بقوله " علي عبدالله صالح رئيسي وانا شيخه"، ما يعني ستحالة اقامة دولة مدنية مستقلة عن القبيلة، خصوصا بعد تمكنها من إدماج معظم الأعراف القبلية في البنية التشريعية اليمنية، منها على سبيل المثال القانون ١٤ لسنة ٢٠٠٢ والقانون و ٣٣ لسنة ٢٠٠٢.

القبيلة والسياسة :

في العام ٢٠٠٩، شكلت مجموعة من الاحزاب السياسية تكتلا سياسيا " اللقاء المشترك " في مقدمتها حزب الإصلاح الذي يترأسه الشيخ الاحمر، واختارت المهندس فيصل بن شملان، مرشحا للمنصب رئيس الجمهورية نظير علي عبدالله صالح، في خطوة وصفها الكثير بالمهمة للذهاب نحو الدولة المدنية الحديثة، لكن الشيخ الاحمر انقلب مجددا على مرشح حزبه وأعلن تأييده للرئيس صالح بمعية المؤسسة العسكرية والدينية التابعة للقبيلة، وفقا لقناعته التي لخصها بمقولته " جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه"، كان ذلك الانقلاب بمثابة طعنة أخيرة غرسها الاحمر في خاصرة حلم الدولة اليمنية، ثم رحل، وفي مطلع العام ٢٠١٠، ظهر الشيخ حميد بن عبدالله الاحمر، بصفته احد ابرز قيادات الثورة الشبابية للاطاحة بنظام صالح، ظهر على قناة الجزيرة مؤكدا سطوة القبيلة على المشهد اليمني، بقوله " نحن من اتى بصالح الى السلطة ونحن من سيطيح به" وعند سؤال المذيعة له عن مدى الخطورة الذي سوف يشكلها هذا التصريح على حياته، فرد قائلا " من الذي يجرؤ على قول مثل هذا الكلام الا اذا كان مستندا الى قبيلة مثل حاشد والى شيخ مثل صادق الاحمر"، وعندما انقلب الحوثيين على الدولة اليمنية عام ٢٠١٥، اظهر تسجيل مرئي لأبو علي الحاكم ابرز القيادات الحوثية، يحشد القبائل اليمنية دعما للانقلاب على الدولة اليمنية وشرعيتها الدستورية المعترف بها دوليا.

وتبقى القبيلة احدى ابرز معضلات الوضع الراهن لليمن، والعائق الرئيس لتحقيق الدولة المدنية الحديثة، فيما تبقى الآمال قائمة ولا مناص من الانتظار الطويل.