آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 10:43 م

ثقافة وأدب


رمضان في عدن.. طقوس ترسم هوية المدينة وتأبى الاندثار

الإثنين - 06 مايو 2019 - 01:24 م بتوقيت عدن

رمضان في عدن.. طقوس ترسم هوية المدينة وتأبى الاندثار

عدن تايم - العين- بديع سلطان

عدن اليمنية.. مدينة ثقافية بامتياز، تمتلك طقوسا وممارسات لكل مناسبة دينية أو اجتماعية، وشهر رمضان الكريم ليس بمنأى عن ذلك.

فللشهر الفضيل طقوس خاصة به، توارثتها الأجيال، وحفظها الأحفاد عن الأجداد، رفضت الاندثار وتمسكت بعفويتها وبساطتها، واستمرت إلى اليوم.

الحاج ياسين الجاوي، ستيني من ساكني مديرية البريقة (غرب عدن)، يملك مكاناً عتيقاً في أحد شوارع المديرية القديمة، حكى لـ"العين الإخبارية" تفاصيل تلك الطقوس الرمضانية الثرية.

ترحيب برمضان

قبيل ولوج ليالي رمضان المباركة على أهالي مدينة عدن (جنوب اليمن)، لا بد من مشهد يتكرر كل عام، ولا يمكن أن يفارق تقاليد المدينة وطقوسها في هذا الشهر الفضيل.

هذا المشهد يتجسد في طواف الأطفال أزقة وأحياء عدن، وبين أيديهم علبٌ معدنية محكمة الإغلاق، تحوي أحجارا صغيرة وحصوات، وبمجرد هزِّها تصدر أصواتا، قد تكون مزعجة لكنها مبهجة ومفرحة لهؤلاء الصغار ولكل من في الحي، عندها فقط يدرك الجميع أن رمضان على الأبواب.

لا يمكن أن ينكر شيوخ عدن وعواجيزها قيامهم بهذه الطقوس منذ عقود مضت، عندما كانوا صغارا، يبتهجون بقدوم رمضان، فلولاهم لما تناقل أطفال اليوم هذا التقليد، حسب الحاج "الجاوي".

نكهة رمضان

لرمضان في عدن طعم آخر، تؤكده تنوع المائدة العدنية الرمضانية، والابتكارات التي تتفنن من خلال ربة البيت العدني لتشكل الأطعمة والمأكولات المليئة بنكهة الشهر الكريم وروحانيته المتدفقة.

لا يمكن أن تخطئ عيناك طبق (الشفوت) وأنت تنظر إلى المائدة العدنية في رمضان، كما لا يمكن أن نغفل عن السمبوسة والمدربش واللحوح، وبنت الشيخ، والشتني (السحاوق)، والباجية، وسيدة المأكولات الرمضانية (شربة اللحم أو الدجاج)، بالإضافة إلى الأكلة العدنية الأشهر (الزربيان)، والمطفاية (عقدة السمك الحارة) وغيرها.

وتأتي بعض الأطباق المذكورة من التراث اليمني القديم، والمناطق المحيطة بالمدينة، وبعضها جلبته الثقافة الهندية والحبشية التي مكثت في عدن عقوداً من الزمان، فالتصقت ثقافتها وعاداتها في عدن، وما انفكت عنها حتى اليوم.

تدريب الصوم والصلاة

في داخل البيت العدني، يتدرب الصغار على الصوم، من خلال تعويدهم على الإمساك عن الطعام والشراب من الفجر وحتى الظهيرة، حينها يتناولون وجبة صغيرة، ويواصلون بعدها صيامهم حتى الغروب، حتى إذا كبر هذا الطفل يكون متعوداً على ممارسة طقوس الصيام الطبيعي.

كما يقلد الصغار آباءهم وأمهاتهم في أداء الصلوات، ويحرصون على ارتداء (الكوفية)، وهي قبعة دينية، و(المعوز) أو (الفوطة)، وهي إزار يلف على أسفل الجسد ويلبسونه في أثناء الصلاة.

هذا بالنسبة للصبيان، أما فيما يخص الفتيات الصغيرات فإنهن يرتدين زي الصلاة النسائي، ويرابطون في المطبخ مع أمهاتهن لإعداد مائدة رمضان الغنية.

سباق الأذان

قبيل الإفطار بدقائق، يرصد أطفال عدن أذان المغرب كل يوم، وينتظرون أن يصدح المؤذنون حتى يسرعوا في تبليغ أهاليهم وإخبارهم أن وقت الإفطار قد حان.

ورغم وصول أصوات الأذان إلى مسامع الصائمين داخل وخارج المنازل، إلا أن غالبية الأهالي يرسلون رسلاً من أبنائهم ليرصد الأذان.

ولأطفال عدن حين يسمعون الأذان أنشودة يرددونها وهم يتسابقون نحو منازلهم، تقول: (أذن أذن.. شاهي ملبن)، وليس هناك طفل في عدن لم يكررها مغرب كل يوم رمضاني.

التراويح

في المساء، تحرص كثير من العائلات العدنية على صلاة التراويح في الجوامع، وصلاة التراويح هي صلاة نافلة تعقب صلاة العشاء المفروضة، وتتكون من ثماني ركعات، تُصلى كل ركعتين على حدة، تليها ثلاث ركعات وتر خفيفات، وتصطحب العائلات أطفالها لتأدية الصلوات، ويتم إحصاء الركعات من الأطفال بعد الانتهاء من كل ركعتين، في صورة مسلية بالنسبة للصغار، تعطي لرمضان نكهة خاصة، وتربط تفاصيله بالذاكرة، ولا تفارق أذهانهم مهما كبروا.

ليالي مضاءة

السمر الرمضاني أحد الطقوس التي لا يتنازل عنها العدنيون، فبعد صلاة التروايح تعود العائلات إلى المنازل، وتكون عندها بين أمرين، إما أن تقضي ليلتها في متابعة المسلسلات والبرامج الرمضانية، وإما في الأسواق الشعبية والتاريخية، تمهيداً لتوفير حاجيات العيد.

وتمتاز شوارع وأسواق عدن بزيناتها الرمضانية الخاصة، فتجد الفوانيس المعلقة، والأسلاك الكهربائية الملونة التي تزين المحال والمتاجر، ورغم شحة خدمة الكهرباء إلا أن أصحاب المحلات حريصون على إضاءة ليالي الشهر الكريم.

هوية مدينة

الحاج ياسين الحاوي تمنى، في ختام حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن يتمسك الجيل الجديد بهذه الممارسات، لأنها تعبر عن هوية مدينة عدن وثقافتها.

وأثنى الجاوي على الأهالي المتمسكين بتلك الأساليب والذين يدفعون بأطفالهم بممارسة طقوس رمضان وفرائضه بكل حبٍ.. مؤكداً أنه بهذه الطريقة لا يمكن أن تندثر هذه الطقوس أو تختفي، ما دامت تنتقل من جيلٍ إلى آخر.