آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 04:40 ص

قضايا


اللغة المهرية تصارع من أجل البقاء

الأحد - 22 مايو 2016 - 09:25 ص بتوقيت عدن

اللغة المهرية تصارع من أجل البقاء

عدن تايم/ جمال شنيتر

المهرة محافظة في الجزء الشرقي من الجمهورية اليمنية، تجاورها سلطنة عمان شرقا وتسمى بوابة اليمن الشرقية. تتصل بصحراء الربع الخالي من الشمال، ومحافظة حضرموت من الغرب، والبحر العربي من الجنوب. مساحتها 67 ألف كيلو متر مربع، وهي الثانية الاكبر مساحة في اليمن بعد حضرموت، سكانها نحو 100 ألف نسمة يتوزعون على تسع مديريات.

لغة سامية

اللغة المهرية لغة قبيلة المهرة في شرق اليمن وعمان والكويت والإمارات والسعودية، وهي أحد اقسام اللغات العربية الجنوبية الشرقية الحديثة، ويعتبرها الباحثون واللغويون لغة سامية بدائية والأصفى لغويا بين اللغات السامية بسبب انعزالها. هذه اللغة قديمة تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، توارثتها الأجيال. وهي لغة عربية بمنظور وأسلوب آخرين، لأنها تشتمل على جميع الحروف العربية الأبجدية، إضافة إلى ثلاثة حروف أخرى غير واردة في العربية.

اكد سعيد سعد نجادان، الباحث المختص في اللغات السامية والموروث اللغوي، أن اللغة المهرية ليست وليدة اللحظة، بل يتجاوز عمرها آلاف السنين، ولا يستطيع أي باحث أن يحدد متى وجدت ونشأت.

يستدرك نجادان هناك شواهد لغوية كثيرة ربما نعتبرها أهم مفاتيح تحديد نشأة هذه اللغة، أو ربما توحي باستخدامها في الازمنة الموازية لتلك الحقب الزمنية، فمثلا لدى تمعنا بالنظر في الكثير من الكتب التي تتناول المقارنات بين اللغات السامية لوجدنا ما يدهش العقل، فمثلا في النصوص القانونية للملك حمورابي المعروفة (بنصوص حمورابي) التي كتبت باللغة الاكادية المنقرضة، فسوف نلاحظ كلمات بارزة مستخدمه في تلك القوانين ".

يضيف: "ليس ببعيد عن تلك الحقبة الزمنية نشأت حضارة أخرى في بلاد الشام (الفينيقية والكنعانية) وتشابهت الكلمات بين هاتين اللغتين واللغة المهرية، وهناك مميزات نحوية وصرفية كثيرة لا تزال المهرية تحافظ عليها فقدتها باقي اللغات السامية".

انتشار المهرية

يقول نجادان إن الموطن الاصلي للمهرية هي محافظة المهرة، وإن اللسان المهري لا يمكن التعبير عنه بواسطة حدود دولية معينة، فهي منتشرة في جميع البلدان المجاورة وفي شرق أفريقيا بحسب وجود الانسان المهري هناك.

ويتابع: "توجد المهرية في سلطنة عمان محافظة ظفار تحديدا، وهي الموطن الثاني بعد المهرة بحسب الكثافة السكانية لهذه اللغة، وتوجد المهرية كذلك في مناطق الربع الخالي في السعودية كمنطقة شرورة والخرخير، و للمهرية كذلك أثر كبير في الكويت، حيث كان الانسان المهري ولا يزال يحظى باحترام حكومة والشعب وثقتهما، وفي الإمارات استوطنت القبائل المهرية، وفي قطر كذلك للمهرية أثر كبير وفي شرق أفريقيا - تنزانيا وكينيا - أصبحت المهرية من النسيج اللغوي لتلك البلدان ".

المعوقات والتحديات

يستعرض الباحث القميري عددا من المعوقات التي تواجه المهرية كلغة محكية غير مكتوبة، قائلا: "لا يوجد للمهرية نظام كتابي تدون اللغة بواسطته في مجلدات وكتب، فهي حفظها الاباء وتوارثها الأبناء، وهناك معضلات تواجه اللغة نظرا إلى عدم الاهتمام بها ، ومنها غياب تام لإقامة ورش عمل وموتمرات لغوية للحفاظ عليها، كما لا يوجد مختصين كثر في المجالات اللغوية، وافتقار المحافظة لمركز لغوي يعني بهذا الموروث، كما أن الجامعات اليمنية لم تطبق مادة اللغويات التطبيقية في كليات اللغات التابعة لها، وأخيرا عدم اهتمام وسائل الاعلام بهذه اللغة ".

آلاف في السعودية

أوضح الباحث أحمد التميمي أن للغة المهرية حضور بارز في الشارع السعودي، فهنالك نحو 20 ألفا من أبناء المملكة العربية السعودية يتحدثون اللغة "المهرية"، ينحدر أغلبهم من قبيلة المهرة اليمنية المنتشرة في المملكة، لاسيما في الجزء الجنوبي من صحراء الربع الخالي، حيث يسكن أغلبهم في محافظتي شرورة والخرخير.

وأوضح التميمي أن علاقة اللغة المهرية باللغة الحميرية - لغة مملكة حمير القديمة في اليمن- كعلاقة الأم بابنتها، وهذا ما تم اكتشافه خلال إجراء بحث سابق ورصد النقوش الحميرية في المناطق التي تتحدث المهرية.

أوضح التميمي أن هذه اللغة حظيت باهتمام عالمي كبير، حيث أرسل لها الباحثون من عدة دول أوروبية لمعرفة الجديد حولها، ففي عام 1983 أوفدت جامعة السوربون الفرنسية الباحث أنطوان لونيه والباحثة ماري جان سيمون لفك رموز هذه اللغة وإعداد قاموس كامل لها، إلا أن الباحثين اكتشفوا أن الحروف والصوتيات الموجودة فيها غريبة ومختلفة عن الحروف العربية وهي نادرة في لغات شعوب العالم.

عمق التاريخ المهري

يقول الصحافي المهري عيسى بن نهل القميري أن اللغة المهرية تمثل عمق التاريخ المهري الذي لا زال يحكى حتى الآن تاريخ المهرة المجيد، وهو الأمر الذي جعل المهريين يحافظون على لغتهم على الرغم من عدم اعتمادها في المناهج الدراسية.

يضيف الصحافي بن نهل في حديثه ل "ايلاف": "لم يحظ المجتمع المهري في ظل الحكومات المتعاقبة منذ استقلال الجنوب عام 1967 بالاهتمام، ومورست سياسة الاقصاء والتهميش على المهرة أرضا وتاريخا ولغة وإنسانا، والآن يتطلع ابناء المهرة إلى انصافهم في المرحلة القادمة، ومن خلال الانصاف يتم الاهتمام باللغة المهرية وإدراجها ضمن لغات العالم ووضعها في المنهج الدراسي ".

يتابع: "ما زالت نقوش بأحرف اللغة المهرية موجودة في جبال وكهوف المهرة، تعد خير شاهد ودليل على العمق اللغوي الذي تتمتع به اللغة والقصائد الادبية منذ قديم الزمان، ويتم تناقلها جيل عن جيل، والكثير من الاشياء التي تحتويه هذه اللغة يجعلها صخرة صماء في وجه كل من حاول أن يطمس الهوية المهرية ".

فخر واعتزاز

أردف قائلا: "لغتنا المهرية مصدر فخرنا واعتزازنا بين الشعوب والمجتمعات الاخرى، وهي الأم الحنون التي حافظت على ابنائها منذ قرون وبأذن الله يرد الابن البار جميل الأم وينصفها ويجعلها في العلى".

يشير بن نهل إلى أن اللغة المهرية لا تدرس في المدارس وغير موجودة في المناهج التعليمية، مؤكدا أن الجيل الحالي يتكلم المهرية لأنها فطرة للإنسان المهري، ولا يمكن أن يتخلى الانسان المهري عن لغته مهما تعلم وتعددت اللغات عنده، الا أن اللغة المهرية تبقى هي الأم والمرجع .

الموروث الثقافي

الاستاذ عامر سالام المهري، مدير عام المتاحف والآثار بالمحافظة، يؤكد أن المهرة لديها ثروة تاريخية كبيرة، تتمثل في موروثها الحضاري والثقافي العريق، الأمر الذي جعلها تزخر بعدد من العادات والتقاليد للفلكلور الشعبي، منوها بأن المهرة بقيت وما زالت حاضرة بثقافتها وتاريخها العريق من خلال محافظتها على لغتها المهرية الأصيلة التي حافظ عليها أبناؤها جيلا بعد جيل، محافظين بذلك على هويتها وأصالتها التاريخية العريقة.

ويقول سالام أن المجتمع المهري بأكمله - رجال ونساء - يتحدث المهرية كلغة قديمة ولكن بطريقة ارتجالية و يتوارثها ابا عن جد من دون دراسة منهجية.

أضاف: "تجاوز انتشارها محافظة المهرة حيث يتكلمها سكان محافظة ظفار في سلطنة عمان وكذلك سكان جزيرة سقطرى، كما رصدنا مخربشات وكتابات قديمة على شكل مربعات ومستطيلات وأحرف تعود للغات قديمة".

مناشدة

أبدى سالام أسفه الشديد لعدم وجود الاهتمام باللغة المهرية، سواء من المجتمع المهري نفسه أو من الجهات المسؤولة، من سلطة محلية أو جامعات، مشيرا إلى أن اللغة المهرية ما زالت ارتجالية، وهناك أخطاء في النطق من منطقة إلى أخرى لأنها يتعلمها المهري بالوراثة لا في مدارس او مراكز تعليمية.

وناشد سالام الحكومة اليمنية إيلاء اللغة المهرية الاهتمام باعتبارها من اللغات السامية القديمة، من خلال توجيه مراكز البحث العلمي والجامعات بالاهتمام بهذه اللغة ودراستها دراسة علمية، والحفاظ عليها كتراث انساني في المقام الاول.