آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 04:56 م

كتابات واقلام


حين تختل المعايير تسقط القيم و تنتهي الأمم

الأحد - 22 يناير 2017 - الساعة 07:00 م

نزار أنور
بقلم: نزار أنور - ارشيف الكاتب


كيف للمعايير أن تختل ؟ و كيف لاختلالها أن يسقط القيم ؟ و ما علاقتهما بانتهاء الأمم؟ يقول أمير الشعراء أحمد شوقي : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت. ..... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا....... إن الإرتباط الوثيق بين بقاء حضارة الأمم و انتهائها أو زوالها هو في الحفاظ على قيمها سواء الأخلاقية أو الإنسانية أو الوطنية التي تغرسها في شعوبها و تحرص على أن تتوارثها الأجيال القادمة من بعدها و بمجرد سقوط تلك القيم أو ضياعها فإن تلك الأمم تنتهي و تسقط و تختفي مع سقوط تلك القيم و اختفائها لتبقى فيما بعد مجرد أساطير أو قصص من قصص التاريخ السحيق . و نحن هنا لا نتحدث عن نظرية علمية أو سياسية بل هي حقائق أكدت صدقها و وقوعها تلك التجارب و الوقائع التاريخية التي شهدتها الأمم و الإمبراطوريات التي سبقتنا لتزول و تتلاشى فيما بعد بزوال و سقوط قيمها قبل أنظمتها أو حكوماتها . و هنا تأتي الإجابة على السؤال الأهم كيف للقيم أن تنتهي و تسقط؟ و للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف ما هي القيم ؟ القيم : هي جمع كلمة قيمة و تعرف أنّها معاييرٌ، وأسسٌ متعارفٌ عليها ضمن المجتمع الواحد، وتُشير إلى طرق تعامل الأفراد معاً، والموافقة على السلوك المقبول، ورفض غير المقبول . إذا من خلال هذا التعريف للقيم ندرك بأنها مرتبطة ارتباط و ثيق بالمعايير المحددة لها لذلك متى ما حدث أي خلل لتلك المعايير فإن تلك القيمة تفقد هويتها فتنتهي . و لكي نوضح أكثر ما قلناه فإننا سنتناول هذا الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و الذي يتحدث عن قيمة إنسانية مهمة و هي (المسؤولية) : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) [أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر] وأصح الأحاديث ما رواه الشيخان البخاري ومسلم . المسؤولية :( تعنِيُ كون الفرد مكلفاً بأن يقوم ببعض الأشياء ويقدم عنها حساباً إلى غيره ، وينتج عن هذا التحديد أن فكرة المسؤولية تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول بأعماله ، وعلاقته بمن يحكمون على هذه الأعمال ، والمسؤولية قبل كل شيء هي استعداد فطري ؛ إنما هذه المقدرة على أن يلزم الإنسان نفسه أولا ً ، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بواسطة جهوده الخاصة ) و في العودة و النظر إلى تعريف هذه القيمة الإنسانية (المسؤولية) فإننا سنتمكن و بساطة تحديد معاييرها المرتبطة بها و المحددة لها و هي : 1 - أن يكون المسؤول مكلفا . 2 - أن يكون قادرا على القيام بما كلف به. 3 - أن يكون ملزما بالوفاء بالتزاماته . 4 - أن يكون محاسبا من غيره في كل ما يقوم به. و عند اختلال أي معيار من تلك المعايير فإن تلك القيمة تفقد صفتها و تسقط عن صاحبها . لنفرض جدلا عدم قدرة المسؤول على القيام بما كلف به حينها لا يمكن أن نطلق عليه صفة المسؤول سواء كان رئيسا أو وزيرا أو مديرا أو إماماً في المسجد أو معلما أو مديرا في المدرسة أو الأب والأم في بيتهما أو حتى الخادم الحارس لمال سيده أو الإبن المسؤول عن تجارة و مال والده . هكذا يخبرنا عليه السلام معنى المسؤولية و أن جميعنا مسؤول و راع فقال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : ((و كلكم راع و مسؤول عن رعيته)). صدق رسولنا الكريم. و من خلال ما تطرقنا له فإننا نرى اليوم سقوط أمم و تداعيها و نرى أيضا في المقابل نهضة أمم و تطورها كل ذلك سببه ما أشرنا إليه في بداية مقالنا ((حين تختل المعايير تسقط القيم و تنتهي الأمم )) . بقلم / نزار أنور