آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 03:18 ص

كتابات واقلام


جدتي زعفران

الجمعة - 18 أغسطس 2017 - الساعة 11:39 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


ردمان أحمد سيف شاب لم يكمل العشرين عاماً من عمره، غادر قريته في القبيطة مع أبيه أحمد سيف إلى تعز ليعمل معه هناك في أحد المطاعم. وفي إحدى الليالي وفيما هو مستغرق في النوم على سطح المطعم بجوار أبيه وعدد من عمال المطعم، انفجر صاروخ على أحد المنازل القريبة ليجد نفسه في لمح البصر قد حُمل جواً ليستقر على أحد المفارش في الشارع. وبعد أن قطع جرياً مسافة لا بأس بها تذكر والده، فاستدار راكضاً إلى مكان المطعم، وبنفس الوتيرة واصل الصعود إلى السقف وهو يصرخ أين أبي؟ أين أحمد سيف؟، وما ان رأى جثة أبيه المهشمة أمامه حتى خر مغشياً عليه، ولم يصْحُ إلا امام المحقق وقد شُدت يده إلى عنقه. وبعد أن قضى ثلاثة أيام بلياليها أمام المحققين تم الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة في الوقوف وراء تقديم الاحداثيات. غادر تعز إلى قريته، حاملاً خبر موت أبيه، ودفنه هناك في مكان ما في تعز. كانت حالته قد صعبت على جدته زعفران، التي نسيت أن تحزن كفاية على موت ابنها بسبب زوجته التي تخرج من غيبوبة لتدخل في أخرى، ووجوم وصمت وانزواء ردمان وعدم مخالطته أحداً منذ عودته. وبسبب خوفها عليه دفعت إليه ما معها من مال ادخرته قائلة: (اذهب من بكرة إلى عدن)، معددة على مسمعه قائمة طويلة من الأسماء التي لم يسمع بها من قبل، ومرددة في وجهه (انهم يعيشون في عدن اسأل عليهم فلجدك سيف ناشر أفضال عليهم كثيرة، فقد عاش هناك، وهناك في مقبرة العيدروس دفن .. قل لهم جدتي زعفران تسلم عليكم). لم تكن تسهيلات جدته زعفران هي التي شجعته على التوجه صوب عدن، بل رغبته في نسيان متاعبه وآلامه. ومع منتصف اليوم التالي كان قد وصل إلى الشيخ عثمان ولم يتبق معه غير خمسة آلاف ريال، وصادف أن كانت هناك حملة ترحيل سيق بسببها مع كثيرين غيره إلى حوش التحقيق، ووجهت له الكثير من التهم بسبب العطب الذي في يده، وبأعجوبة وجد نفسه عائداً إلى تعز مع من تم ترحيلهم من عدن. وفيما هو يبحث عن سيارة للعودة إلى قريته، وقع في يد أحد أفراد الحرس الثوري الذي اقتاده للتحقيق. ـ من أين جئت؟ ـ من عدن. ـ آه.. وما هو الذي في يدك؟ ـ طرت من فوق السطح واكتسرت يدي. ـ أين؟ ـ هنا في تعز في الباب الكبير. ـ متى .. متى؟ ـ قبل عشرة أيام تقريباً. صرخ المحقق خذوه، شلوه، طلعوه صنعاء .. اليوم .. لا .. لا الآن خذوه ويطلع معه طقم حراسة، هذا الولد خطير وعنده معلومات مهمة خذوه الآن .. الآن.