آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 07:11 م

كتابات واقلام


القدس... مفتاح السلام العالمي

الأربعاء - 13 ديسمبر 2017 - الساعة 05:42 م

عبدالكريم سالم السعدي
بقلم: عبدالكريم سالم السعدي - ارشيف الكاتب


في كتابه الأخير، «النظام العالمي: أفكار حول طبيعة الأمم ومسار التاريخ»، تحدث هنري كيسنجر، وزير خارجية أمريكا الأسبق، فيما يخص القضية الفلسطينية، عن ثلاث وجهات نظر على الأقل يمكن تمييزها في التعامل العربي مع هذه القضية. يقول كيسنجر إن هناك مجموعة «مخلصة» لكنها ليست بارزة، تقبل تعايشاً حقيقياً مع إسرائيل، ومستعدة لأن تعمل من أجل ذلك. ومجموعة أكبر بكثير تسعى للقضاء على إسرائيل من خلال المواجهة الدائمة. وهناك المستعدون للتفاوض مع إسرائيل لكنهم يبررون المفاوضات، داخلياً على الأقل، كوسيلة للتغلب على الدولة اليهودية على مراحل. ويشير كيسنجر إلى أن المشاركين الرئيسين في عملية السلام حولوا قدراً من طاقاتهم وتفكيرهم للتعامل مع احتمال ظهور إيران كقوة نووية وتوابعها الإقليميين، وإلى أثر ذلك على عملية السلام. ولفت إلى أن الدول العربية الرئيسة إما أنها ممزقة بحرب أهلية أو مشغولة بـ«الصراع السني - الشيعي» وبإيران. في يوليو 2017م، كتبت موضوعاً بعنوان «القدس هدف البيعة»، قلت فيه نصاً: «إن حالة الذل المخجل والمهين الذي تعيشه الأكثرية المطلقة من قيادات الأمة تتطلب وقفات ومعالجات إيجابية من قبل شعوب هذه الأمة، ترفض من خلالها مسخ الأمة وجعلها مجرد مجموعة من المأجورين يقومون على حراسة ثروات ومساحات جغرافية وبحار ومحيطات ومنافذ دولية بحرية وبرية، ليحكمها ويمتص خيراتها سادة وحماة حكام غرف النوم العربية. وإن على شعوب الأمة أن تدرك أن البيعة قد تمت، وأن القدس العربية الإسلامية هي البضاعة المباعة التي سيسلمها فعلياً قادة أنظمة الذل العربي للصهاينة غداً، وأن الأزمات المفتعلة في إطار تلك الغرف العفنة ليست سوى ذر للرماد في أعين أبناء الأمة، تعميهم عن رؤية الكارثة الكبرى، وتهدف إلى استمرار فكفكة معاقل الممانعة العربية والتخلي عنها واتهامها بالإرهاب وغيره من مسميات أعداء الأمة، والتي صنعوها وصدّروها لاسطبلات الحكم في غرف نوم حكام الأمة اليوم، ليحولوها بجهلهم إلى دساتير تقوم عليها خطواتهم القادمة». واليوم، في ديسمبر 2017م، يأتي قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ليؤكد حقيقة مخاوفنا وتوقعاتنا معاً، ويلمح إلى انتصار المجموعة التي أشار إليها كيسنجر، والتي سماها المجموعة المستعدة للتفاوض مع إسرائيل، والتي تبرر ذلك التفاوض، داخلياً، بأنه الوسيلة للقضاء على الدولة اليهودية مرحلياً. تلك المجموعة التي تلتقي في مبررها هذا مع المجموعة الأولى التي أشار إليها الوزير الأمريكي الأسبق بمسمى «المجموعة المخلصة»! فاللعبة تمر في أولى مراحل تحقيقها، بعدما اقتنعت الأغلبية الساحقة من سجاني الأمة بهذه الخطوة، التي لن يستطيع أحد، كائناً من كان، أن يعلنها إلا إذا تأكد من انبطاح أولئك السجانين. لقد نجح من نطلق عليهم مجازاً «زعماء العرب» في تسويق إيران بأنها العدو الأخطر والوحيد على الأمة، واستطاعوا ممارسة التدليس على الأمة وجرها بعيداً عن العدو الحقيقي، إسرائيل، كخطوة أولى للأسف استجابت لها الشعوب، وهاهم اليوم يلجون في الخطوة التالية، وهي التنازل عن الحق العربي المتمثل بالقدس الشريف، وغداً سيُطرح مشروع توطين أبناء فلسطين في وطن بديل. إن حركة الشعوب العربية التي جاءت كرد فعل على ترامب، وإن كانت ليست بالمستوى المطلوب، إلا أنها كانت أكبر وأقوى وأصدق من ردة الفعل لدى حكام هذه الأمة تجاه هذا الحدث، الذين ظهرت ردود فعلهم عليه، خطاباً وفعلاً، لتؤكد أن هؤلاء الحكام ما زالوا يحتاجون إلى مساندة أمريكا في مواجهة شعوبهم. تحية نسجلها للتاريخ لكل أبطال الشعب الفلسطيني الذين أوصلوا الرسالة إلى ترامب وجنوده من حكام العرب، بأن الأمة ما زالت حية. والتحية موصولة للشعوب العربية التي ثارت في وجه الدعوة هذه، وكذلك لشعوب الدول الإسلامية. وختاماً، يُطرح على بساط البحث تساؤل عن المجموعة التي أشار إليها كيسنجر بأنها تبرر تعاطيها مع الصهاينة في أوساط شعوبها بأنه يأتي في إطار العمل للتغلب على إسرائيل مرحلياً؟! أما المجموعة التي وصفها كيسنجر بأنها تسعى للقضاء على إسرائيل بالمواجهة الدائمة فأعتقد أن الجميع يعرفها. عبدالكريم سالم السعدي 12 ديسمبر 2017م