آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 09:52 ص

كتابات واقلام


بإمكاننا الفعل والتأثير !!

الخميس - 21 ديسمبر 2017 - الساعة 05:32 م

محمد علي محسن
بقلم: محمد علي محسن - ارشيف الكاتب


لا يكفي ان نثور ونغضب لساعات او ايام ، ومن ثم نكتشف ان فعلنا لم يسقط حكومة او يبدل وضعية ، فمثل هذه الاحتجاجات الشعبية العفوية ينبغي ان تفضي لنتائج ، والَّا تظل مجرد فورة غضب سرعان ما تتبدد وتخفت وتزول بمضي الوقت . قرار الرئيس الامريكي الارعن ، دونالد ترامب ،بشأن مدينة القدس ، التي اعتبرها عاصمة لدولة اسرائيل ، بكل تأكيد مثَّل القرار صدمة واستفزازاً ليس للعرب والمسلمين وانما للكثير من شعوب ودول وحكومات وهيئات العالم ، ولا اغالي اذا ما قلت ان الخارجية الامريكية ايضا وضعها سيد البيت الابيض في موضع لم تكن تتوقعه او تتمناه . لسنوات مضت ونحن نحرق الاطارات ، وندوس أو نمزق اعلام امريكا واسرائيل وحتى الدنمارك ، فماذا كانت النتيجة ؟ هتفنا مراراً وتكراراً ضد امريكا واسرائيل ودعونا الى مقاطعة اقتصادية ، فماذا كانت النتيجة ؟ الاجابة عن السؤالين : المزيد من الخنوع والاستسلام والاساءة والاستفزاز المهين للكرامة ، والمزيد من الاحتقار للحق والوجود الانساني . نعم ،هذه المظاهر الحماسية العاطفية يجب ان تتلازم مع افعال سياسية واقتصادية عقلانية ، فدونما اجراءات عملية واقعية مصاحبة لسخط المجتمعات العربية والاسلامية ، فلا قيمة أو معنى لهذه الاحتجاجات الغاضبة ، بل وعلى العكس باتت افعالاً مألوفة لدى صناع القرار في امريكا او اسرائيل او سواها من الدول . لا نريد ان نكون اشبه بقطيع ثيران اسبانية ثائرة في شوارع وساحات مدريد ، كتقليد عنيف اعتادت الشعوب رؤيته ،وانما يتوجب علينا كمجتمعات عربية واسلامية مزاولة الاحتجاجات ، ولكن بأسلوب يفضي لنتائج مفيدة وايجابية ، ولا ضير هنا اذا ما استفدنا وعملنا بتجارب الاخرين الذين يحسب لهم اخضاع ساسات الدول وحكوماتها وبرلماناتها . لنسأل انفسنا : لماذا وكيف صارت جماعة " إيباك " اليهودية متغلغلة في البيت الابيض وفي الكونجرس ومجلس الشيوخ ؟ وهل مرد هذا النفوذ ، المال ، أو الاعلام ، أو كثافة الاصوات اليهودية في صناديق الاقتراع ؟ . أم ان المسألة اعمق واعقد ، وتتعلق بناحية ايمانية مذهبية لدى صقور البيت الأبيض وخلفياتهم العقائدية كطائفة أنغليكانية تدبيرية بروتستانتية شديدة التزمت والتنطع بانحيازها الى شعب الله المختار واحقيتهم بفلسطين ارض الميعاد ، ما يستوجب مساعدتهم لتحقيق النبوءة في عودة المسيح الثانية ؟ . أياً يكن الامر صحيحاً ، فلدينا ما هو أهم واكثر من كل ما ذكر ، فمن جهة المال والاصوات لدى العرب والمسلمين اضعاف الاموال والاستثمارات والودائع وحتى الناخبين ، فلا مقارنة بين الحالتين ، فيكفي الاشارة الى ان عدد المهاجرين العرب والمسلمين في امريكا تجاوز نحو ستة اضعاف اليهود البالغ عددهم قرابة ربع مليون فقط ، ومن هؤلاء اليهود ملحدون أو انهم لا يؤمنون بالصهيونية المسيحية . الامر الاخر ان الشعب الامريكي ليس غالبيته يؤيد سياسات الصهيونية المسيحية او من اتباع الكنيسة الأنغليكانية وقساوستها المنافحين عن دولة اسرائيل ، اذ ان هنالك غالبية كاثوليكية وهناك أرثوذكس وهناك طوائف واقليات واعراق متعددة ، بينها المتدين وغير المؤمن مطلقاً ، وفي الاغلب اتباع المذاهب الاخرى لا يؤمنون بتعاليم الطائفة التدبيرية المهيمنة زمنا على قرار البيت الابيض . بل وعلى العكس ، فهؤلاء يحمَّلُون اليهود وزر صلب المسيح ،كما ومن اليهود من يعد الدولة الاسرائيلية كفراً بالرب ومعصية لأوامره القاضية بالنفي كعقاب لأوائل العبرانيين ، ما يتوجب من اتباع اليهودية الحقة الالتزام وطاعة الرب الى قيام الساعة . اما اذا تحدثنا عن ما لدينا من اوراق ضغط ، فبكل تأكيد الحديث يطول ويتشعب ولا يقتصر على ناحية ، طبعا اقصد ما نملكه من خيارات كمجتمعات وليس كأنظمة مستبدة عتيقة اثبتت الازمات المتتالية انها لا تملك غير الشجب والاستنكار والاسف والقلق . وعندما نقول ان مجتمعاتنا لديها خياراتها الضاغطة على امريكا او غيرها ، فذاك اننا ننتمي لعالم مفتوح وقواه الفاعلة والمؤثرة ليس هناك من وسيلة لإخضاعها واجبارها افضل من التهديد لمصالحها الاقتصادية . وهذا التهديد لا يكون بالإرهاب او الفوضى ، وانما بأساليب سلمية حضارية ، وباستخدام ادوات وتقنيات تتمثل روح العصر القائم على المصالح والمنافع ، فاذا كانت اسرائيل البلد الصغير قدر لها استخدام لغة المصالح الاقتصادية ،ووصل تأثيرها الى دول هي عبارة عن جزر صغيرة في البحر الكاريبي ولا يزيد سكانها عن عشرات الالاف . فلماذا المعتوه ترامب يبرر قراره الاحمق بمصلحة امريكا في إسرائيل وليس في اوطاننا الغنية بثروتها الطبيعية والبشرية ؟ ولماذا ترامب يحسب مليون حساب لجماعة داعمة له في الاعلام او الانتخابات بينما لا يعير اهمية لدول تمنحه مليارات الدولارات نظير صفقات سلاح يمكن شرائها من الصين او روسيا ، ومليارات كاثرة على بضائعه التجارية التي يمكن استيرادها من اليابان او تركيا او ماليزيا او إندونيسيا . شيء محزن ان بلجيكا اغلقت سفارة اسرائيل اثناء الحرب على غزة ، ومع هذا الموقف العرب خذلوها ، فلم يتعاطفون معها ولو بشراء علبة كبريت ، ولو من باب رد الجميل ، للأسف لدينا اوراق ضغط ويمكننا اجبار امريكا او سواها ، فهل فكر احدكم معنى ان يبادر كل منا بحيث لا يشتري أي منتجات امريكية ؟ الشعب الالماني وحين قررت حكومته ولا اقول امريكا او اوروبا رفع قيمة البنزين ، كان الالمان ان امتنعوا عن تعبئة سياراتهم في محطات الوقود وحيثما توقفت سياراتهم تركوها مركونة ، في النهاية رضخت الحكومة واعادت العمل بالتسعيرة السابقة . دعكم من الركون على حكومات ضعيفة فاسدة ، وليكن تعويلنا على ما لدينا من ادوات ، ولنحرص ان تكون ادواتنا ضاغطة ومؤثرة على الحكومات العربية ، وعلى اوروبا وامريكا ، فلدينا وسائل اعلام متاحة وبإمكاننا مخاطبة المجنون ترامب شخصيا ، وبإمكاننا تنظيم حملات ومن خلال هواتف وحواسيب ، وبإمكاننا نصرة الشعب الفلسطيني ، بل وهز عروش الطغيان ومن اماكننا وحتى غرف نومنا .. محمد علي محسن