آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 01:29 م

كتابات واقلام


حرب الأسعار

الأحد - 04 مارس 2018 - الساعة 10:02 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


حرب الأسعار هي الحرب الوحيدة التي سجلت أعلى الأرقام في الصمود والحضور والثبات، وهي الوحيدة التي احتفظت إلى الآن بسجل ناصع وخالٍ ونظيف من الهزائم رغم تعدد جبهاته وتوسع ميادينه. حرب لا تستثني أحداً من قنصها وقصفها اليومي، كوادرها ومحاربوها يتمتعون بقدرات عالية الدقة في الإصابة والتصويب القاتل والمميت. فهم يستهدفون مباشرة القلب وأوردة ضخ الدم وخلايا المخ ومفاصل العظام. حرب تمتلك أرقى غرف العمليات والاتصال وإدارة الحرب، على نحو يفوق أداء ونشاط إي غرف عملياتية حربية أخرى .. غرف عمليات، مزودة بمجسات ظاهرة ومخفية، ووحدات استشعار مبكرة واستباقية، ترصد وتترقب كل حركة، مهما كانت خفيفة وبسيطة.. مجسات ووحدات استشعار تغطي كل ركن وزاوية، تحدث وتتولد في المنزل أو الشارع أو خلف وفوق وتحت الأرض والمساحات والفراغات مهما كانت مظاهر الحياة فيها غزيرة أو شحيحة. حرب الأسعار .. هي الحرب التي لا تعرف التمييز بين الضعيف والقوي، البائس والمقتدر، المعتدي والمسالم، ولا تعتق العامل والعاطل، أو اللابس أو العاري. حربٌ سلطانها باتع، ومديرها آمن لا يلحقه نظام ولا قانون، ولا يتعدى على حركته معني أو مسؤول، رغم ظهورها السافر، وتماديها الفاجر، وفسقها المقامر .. يدها طائلة، وأوامرها نافذة. حربٌ كل شيء في عرفها جائز، القتل، والتشريد، وتخليف الخرائب، وفي مذهبها الضمير غائب، والصدق من الشوائب، والرحمة من أكبر النوائب، والبر والتقوى عندها مصيبة من المصائب. حرب الاسعار عندنا حرب غوغائية متخلفة تجهل مصالحها، تفرط بحياة ومصالح الناس بقصد الحصول على فتات المكاسب، حرب لا صلة لها بعلم الاقتصاد وقوانين السوق .. حرب همها تدمير كل شيء حتى نفسها، حرب طفيلية منزوعة الاخلاق والقيم ومفاهيم الوطنية. حرب مبدؤها أكون أو لا أكون، وغايتها أنا ومن بعدي الطوفان .. حرب لا تستطيع النظر إلى ابعد من أرنبة أنفها .. تلهث لتكون باقية على حساب غيرها، غافلة عن حقيقة وسبل ضمان بقائها السليم في واقع مستقر آمن وليس في واقع تكون فيه هي الزيت والوقود الذي سيحرق الجميع وفي المقدمة هي. حرب أعماها جشع الكسب السريع والمستمر وبمختلف الطرق والاساليب الممكنة وغير الممكنة وباعد بينها وبين حقيقة وجودها وما يترتب عليه بقاؤها واستمرارها من اعتدال وتوسط.