آخر تحديث :الخميس - 18 أبريل 2024 - 12:08 م

كتابات واقلام


نظريات الحرب في علم الاجتماع

الخميس - 22 مارس 2018 - الساعة 08:11 م

د.فضل الربيعي
بقلم: د.فضل الربيعي - ارشيف الكاتب


يُعد علم الاجتماع من أهم العلوم الاجتماعية الذي بيّن عدد من النظريات الاجتماعية التي تفسر انماط السلوك الانساني والظواهر الاجتماعية المختلفة .. و تمثل هذه النظريات الروئ الموجهة التي نسترشد بها في معرفة النظم الاجتماعية وتفسير الظواهر الاجتماعية وكيفية التحكم بها فالنظريات التي جاء بها علم الاجتماع العام بعامة وعلم الاجتماع العسكري بخاصة قد بينت تفسير الحرب وعلاقاتها واطرافها وكيفية السيطرة عليها واوضحت العلاقة بين السلطات المدنية والسلطات العسكرية .. وكثيراً من هذه النظريات كانت مبررا وسببا في اشعال كثيرا من الحروب والصراعات على المستوى العالمي ، وكان الاحترابيون يبررون افعالهم بالاستناد الى تلك النظريات كنظرية داروين التي بررت قيام الحرب العالمية الأولى. ونظرية مالتوس الذي تقول ان تزايد السكان يسير بمتوالية هندسية بينما تزايد الخيرات المادية تسير بمتوالية عدديّة . ونظرية جنوويتس التي تصف علاقة المجتمع والسلطة والجيش وطريقة اتخاذ القرار والتي كانت سببا لسيطرة الدول الاستعمارية على بعض الشعوب او نظرية هنتنغتون (صراع الحضارات ) التي تقف وراء كثير من الحروب الدائرة اليوم في اكثر من مكان بالعالم.. وتحمل هذه النظريات الافكار التي تفسر الحروب وهذه النظريات هي : 1- النظرية الداروينية (البقاء للاقوى): كانت نظرية داروين قد نصت على أن الكائنات الحية تتطور وفقاً لاستجابة البيئة وتتعتمد على عدد من الاسس مثل: الانتخاب الطبيعي، وهو يشير إلى أن الطبيعة تنتقي الفرد الذي يمتلك صفات أكثر تلاؤماً مع البيئة. والتغاير، ويقصد به أن الأفراد تختلف فيما بينها في الصفات حتى على مستوى النوم وتكون فرص البقاء للفرد الذي يحتوي على صفات أكثر ملاءمة للبيئة من غيره... و تقول نظرية التطور أن الإنسان حيوان تطور بالقتال من أجل البقاء. وقد تطور الصراع في العالم لتكون السيطرة والسيادة بيد الأقوى كالحيوانات، وسريان قانون الغاب الذي تتقوى كثير من الأفكار وتستند فكرته عليها كالعنصريّة أو الفاشيّة. وبذلك يرى كل شعب بأنه الأفضل على القيادة والسيطرة على بقية شعوب العالم، وقد بيٌن ، كثير من المفكرين في تحليلاتهم ان النظرية الداروينية كانت سبب قيام الحرب العالمية الأولى، حيث كانت فكرة النازية تعتمد اعتماداً أساسياً أو مشتقة من النظرية الداروينية. وتُستخدم بعض المفاهيم لتوظيفها سياسيا لتبرير بعض الافعال والحصول على مصالح سياسية لبعض القوى او الجهات وعليه نرى أن معظم الأفكار التي استُخدمت من أجل غاية سياسية لفرض سيطرة عرق معين أو قومية معينة أو شخصية ديكتاتورية أو أسست على أساس غير صحيح وغير علمي، انتهى بها الطريق إلى هذا المطاف. على سبيل المثال لا الحصر ، سيطرة الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا وإنهاؤها بثورة شعبية أدت إلى إنهاء دورها السياسي وفصل الدين عن السياسة في تلك الدول وهو الأمر الذي انعكس إيجابا على الحياة العملية والاجتماعية. 2- نظرية جنوويتس: البرفسور موريس جنوويتس، هو عالم اجتماع أميركي، يعد هو وهنتنغتون من مؤسسي علم الاجتماع الحربي الذي من خلاله يتم تنظيم عمل السلطات المدنية والعسكرية وعلاقتها بالمجتمع. نظريته في علم الاجتماع الحربي تشرح طبيعة العلاقة الواحدة بين السلطة المدنية والسلطة العسكرية، حيث يكون قادة الجيش جزءاً من الحكومة وجزءاً من القرار السياسي، إذ تسود سياسة الحزب الواحد والمنظومة الواحدة في اتخاذ القرارات في هاتين السلطتين. تعد هذه النظرية نظرية صراع وفجوة بين الشعب والحكومة المتضمنة الجيش والقادة العسكريين، وقد تؤدي هذه النظرية إلى فجوة كبيرة بين الجيش والمجتمع وقد تسبب مشاكل كبيرة بالدولة أو في المجتمع نفسه. فقادة الجيش يسيطرون على كل جزء وكل قرار، وهذا يؤدي في أغلب الأحيان إلى منافسات كبيرة بين القادة العسكريين تسبب انقلابات عسكرية بتأثيرات قوى خارجية كما نراها في كثير من الدول مثل ما حصل في تركيا والعراق وغيرها من الدول التي كان يسيطر عليها القادة العسكريون المدعومون من قوى خارجية والتي تدعمهم لتنفيذ آيديولوجيات هذه القوى في المنطقة. 3_ نظرية مالتوس . تتمحور نظرية مالتوس في السكان حيث يقول ان السكان يتزايد في متوالية هندسية . بينما الخيرات المادية تتزايد بمتوالية عددية ، وبهذا يشكل السكان زايد عن الخيرات ، لهذا فان الحروب تبرر التخلص من الفائض السكاني ، وقد اتخذ منها كثيرا من المفكرين تبريرا للحروب. 4- نظرية هنتنغتون: يُعد البروفيسور هنتنغتون أبرز عالما السياسة والاجتماع في جامعة هارفارد، إذ يعد كتابه “الجندي والدولة” من أهم الكتب التي تدرس العلاقة بين السلطة المدنية والعسكرية، ويعد كذلك مؤسساً لعلم الاجتماع الحربي. تتلخص نظرية هنتنغتون بانها تتحدث عن الانفصالية بين الجيش والحكومة وتقسيم العمل فيما بينهما، وعدم غض النظر عن الاحترافية في الجيش، وترى النظرية عن أن القرارات تؤخذ من قِبل السلطة المدنية ويقوم الجيش بتنفيذ هذه القرارات، في حين أن السلطة المدنية لا يحق لها تحديد عدد الجنود في هذه المهمة، حيث تعد جزءاً من مهام الجيش. نظرية هنتنغتون من أكثر النظريات نضجاً واستقراراً في عصرنا هذا، حيث تعتمد أغلب الأنظمة المتقدمة على هذا التقسيم في العمل، كما جرى في العراق على سبيل المثال فإن من قرر دخول الجيش الأميركي إلى العراق هو الكونغرس والرئيس، ومن بعدهما أعطيت المهمة للجيش لتنفيذها، حيث من قام بإعداد وتنفيذ الخطط وتحديد عدد الجنود هو الجيش كسلطة منفصلة، حيث تعد واحدة من صلاحياته.. وعليه فانه في كل حقبة من حقب التاريخ جاءت بالنظريات والافكار واوضحت صراعات ومحددات هذه الصراعات للسيطرة على العالم . فقد نرى أن من يسيطر على هذه القوى الجبارة هي الأفكار القابعة في العلوم الإنسانية، ومنها علم الاجتماع وعلم السياسة على وجه الخصوص ، وكذلك علم الأحياء. وقد رأينا ما أحدثته نظرية داروين من صراع عالمي اخذ على هذه النظرية ، وقد لا تكون المسبب المباشر، ولكنها كانت جزءً من الحرب التي راح ضحيتها ملايين البشر وكذلك بقية النظريات التي ما زالت تسيطر على العقول وعلى كثير من الحركات المجتمعية التي أشرنا إلى بعض منها في علم الاجتماع الحربي.. وكما اوضحت نظرية هنتنغتون إن من يصنع الحضارات هي الأديان وليس غيرها، فإذا نظرنا إلى تاريخ البشرية نراها تّوكد هذه الفكرة على سبيل المثال لا الحصر. ولو نظرنا إلى الدول المسيحية والإسلامية التي حكمت في التاريخ كدولة روما والقسطنطينية وكذلك دولة الخلافة الراشدة ومن بعدها الأموية والعباسية والعثمانية وحضارة الأندلس وغيرها الكثير فهى قائمة على البعد الحضاري والديني . أ.د. فضل الربيعي أستاذ علم الاجتماع رئيس مركز مدار للدراسات والبحوث .