آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 01:21 ص

كتابات واقلام


كيف سيقابل المفاوض الجنوبي مارتن جريفيث

الأحد - 22 أبريل 2018 - الساعة 11:26 م

د.علي محمد جارالله
بقلم: د.علي محمد جارالله - ارشيف الكاتب


#المفاوض الجنوبي و جريفيث (1) يبدو لي ان تصريحات المبعوث الأممي البريطاني الى اليمن السيد مارتن غريفيث واقعية جدا، و قد قالها صراحة انه خلال الشهرين القادمين سيقدم إطار عمل لإجراء مفاوضات بين الأطراف اليمنية، و هذا من وجهة نظري يعني انه سيبدأ من الصفر ، و ليس من حيث انتهى سلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد. كذلك تصريحه المثير و الذي اسعد الجنوبيون عندما قال: " فلن يكون هناك سلام في اليمن إذا لم نستمع أيضا إلى أصوات الجنوب و نتأكد من تضمينها في الترتيبات السياسية التي تنهي الحرب". انني احاول هنا إستشراف ماذا سيحدث لمحادثات المندوب الدولي مارتن جريفيث مع الأطراف اليمنية، و المقصود هنا انصار الله، و المؤتمر و الشرعية و الجنوبيين. كذلك علينا التركيز عن ما هي الاشكاليات الرئيسية التي ستبرز اثناء جهود المبعوث الدولي عند اطلاق المباحثات بين الانقلابيين و الشرعية. و انا اجزم ان المندوب الأممي لم يصر على سماع الصوت الجنوبي اعتباطا، او من باب المجاملة كما يروّج البعض، و لكنه يعرف تماما ان مخرجات مفاوضاته ستكون ايجابية ام سلبية على الشعب اليمني كله شمالا و جنوبا، لهذا طلب ان يسمع صوت الجنوب في هذه المفاوضات حتى يمكن للجميع شماليين و جنوبيين الاعتراف بكل المخرجات. #المفاوض الجنوبي و جريفيث (2) فمن سيحضر المفاوضات هم الشرعية، و الجنوبيون، و المؤتمر الشعبي، و أنصار الله، و عندما نركز على هذه المكونات الأربعة فنستطيع ان نقرأ نقاط ضعف كل وفد و كل مكون لكل وفد و عن صعوبة اتفاق مكونات كل وفد على موقف موحد من القضايا التي ستطرح على طاولة التفاوض و على المفاوضات عموماً. فمثلا وفد الشرعية نعرف من مواقفه السابقة انه دائما ضعيف، لان مكوناته غير متناسقة، فمكونات الوفد فيه من يقف مع المؤتمر، و فيه من يقف مع الإصلاح، و حتى يوجد بينهم من يتعاطف مع الحوثي. و كذلك وفد المؤتمر الشعبي الآن ايضا ضعيف لانقسامه الى عدة اقسام، و له قضايا مختلفة، و مكونات هذا الوفد متناقضة و هذا سبب ضعفها. و وفد الحوثي له قضية يعرفها جميع اعضاء وفده ، و لكنه ضعيف الآن لأن الحرب انهكته، و استنزفت قواه، و يتمنى ان تنتهي الحرب، لأنه يدرك ان ميزان القوى ليس في صالحه عسكريا، و كذلك الضغط الامريكي على ايران سيؤثر عليهم حتما، و فوق هذا و ذاك يعلمون جيدا ان حلمهم في ان يكونوا مثل حزب الله في بيروت قد انتهى. اما الوفد الجنوبي فالأمر بيده، إن اراد ان يكون قويا، او ان يكون مثل الوفود الأخرى ضعيفا، فالانتقالي لا يمثل كل مكونات الحراك الجنوبي، و ادناه نصيحي له. #المفاوض الجنوبي و جريفيث (3) على المجلس الإنتقالي ان لا يخسر الرهان الحالي، و لا يحاولون المكابرة، فيجب عليهم الدعوة فورا لإخوانهم في الحراك الجنوبي، و يدعون الى لقاء رسمي بينهم من أجل إعلان قيادة واحدة تمثلهم جميعا، و تمثل الجنوب في التفاوض القادم و يشهرون تكتلا جديدا اسمه "المجلس الانتقالي للحراك الجنوبي السلمي"، و ان يكون رئيسه عدنياً، و نائبة من حضرموت، و ذلك ليعزز من حظوظ المحافظتين في الحصول على تمثيل مهم في الوفد،و لاشك أن ذلك ينسجم مع رغبة كل من السعودية و الامارات و بريطانيا في وجود عدد من أبناء حضرموت و عدن في الوفد ليس لمجرد انتمائهم للمحافظتين و إنما ليكونوا ممثلين و معبرين عن قضيتي حضرموت و عدن في المفاوضات.، و هما محور القضية الجنوبية. و عليهم الاتفاق على تحديد ما هي القضية الذي سيذهبون لنقاشها، و أن يكونوا قاعدة صلبة لمعرفتهم بقضيتهم، و مطالبهم لاقناع المندوب الأممي، ان يبتعدوا عن شعبوية الطرح، و يركزون على التاريخ و القانون و المنطق في مفاوضاتهم، و بهذا سيكون الوفد الجنوبي أقوى الوفود من حيث الطرح و من حيث الحجة في الإقناع، و لن ينسى التاريخ هذا للجنوبيين. #المفاوض الجنوبي و جريفيث (4) ان يكون للجنوبيين صوتا واحدا يمثل شعب الجنوب اسمه المجلس الانتقالي للحراك الجنوبي السلمي، و يعلن هذا المفاوض الجنوبي في المفاضات موقفا ذكيا هادئا معلنا بأننا نساند القيادة الشرعية للرئيس هادي، و نقف الي جانبها في تنفيذ مهام هذه المرحلة الانتقالية المفصلية و المعقدة. و بناء على هذا تكون محددات الوفد الجنوبي هي: 1) الاعتراف بالشرعية السياسية ممثلة بفخامة رئيس الدولة عبدربه منصور هادي، و الوقوف الي جانبه و مساعدته و تاييده، و بالمثل يكون موقف الشرعية من ممثل الجنوب، المجلس الانتقالي للحراك الجنوبي السلمي. 2) تاييد "عاصفة الحزم" و"اعادة الأمل" و أعتبارهما ضرورة وطنية و قومية . 3) اعتبار تحالف الحوثي – صالح في 2014، تمردا و انقلابا مسلحا علي الشرعية و الشعب في الشمال و الجنوب و يجب مقاومته و دحره. 4) إعتبار إجتياح الجنوب في 1994 و 2015 اعتداء على الوحدة اليمنية و سببا رئيسيا في قتلها و إنهائها. 5) الاستعداد عبر الحوار للتفاوض حول صيغة شراكة جديدة بين الشمال و الجنوب تضمن انسياب المصالح بين الشعبين بما يوفر التنمية و يضمن الامن و الاستقرار المحلي و الاقليمي و الدولي. #المفاوض الجنوبي و جريفيث (5) اما القضية الذي سيذهب لنقاشها وفد الجنوب ممثلا بالمجلس الانتقالي للحراك الجنوبي السلمي ، فالأساس دون شك هو استعادة دولتنا، و لكن على الوفد الجنوبي الانتباه الى الخداع اثناء المباحثات و عليه التمييز بين مفهومي سيادة الامة (الشعب) و سيادة الدولة. كذلك على المفاوض الجنوبي ان يكون متمكنا من تاريخنا إن كان شمالا او جنوبا، و يجعل التاريخ دليلا يتسلح به لحقنا في إستعادة دولتنا، و على المفاوض إدراك ان فكرة الوحدة اليمنية بدأت بعد الحرب العالمية الاولى عندما نشر الاخوان المسلون دعوة لإمام اليمن يحيى حميد الدين لتنصيبه خليفة للمسلمين، و نصحوه بتغيير اسم مملكته من "الهاشمية" الى "اليمنية"، و ذلك بهدف تأهيله لغزو جنوب الجزيرة و إعلان الخلافة، و لكن ذلك لم يتم و الحمدلله. #المفاوض الجنوبي و جريفيث (6) من أخطاء الجبهة القومية التي حكمت الجنوب بعد الاستقلال هو تبنيها الوحدة اليمنية كهدف استراتيجي واجب النضال من أجله على طريق الوحدة العربية، و انعكس هذا في الدستور، و في كل البرامج بصفة الجبهة القومية حاكما للبلاد. و قامت الحروب بين الشمال و الجنوب في 1972م، و اعقبتها حرب أخرى في 1979م و انتهت باتفاق بين قيادتي الدولتين على وضع دستور لدولة الوحدة و الاستفتاء عليه، و كثرت الزيارات بين البلدين، و في 1981 تم تأسيس المجلس اليمني الأعلى و ذلك من أجل تنسيق العلاقة المشتركة بين البلدين، وكان هذا المجلس ناجحا و قد عمل قاعدة قوية و حقيقية للشراكة بين الدولتين، و تم التوافق على ذلك، و كان الطرفان على وشك التوقيع، الا ان علي عبدالله صالح تراجع في اللحظات الأخيرة لانه و مستشاريه انتبهوا ان وحدة بهذا الشكل لن تمنحهم حق الاستيلاء على الجنوب. و بعدها جاء اتفاق 30 نوفمبر المرتجل و المفاجئ، و الذي ارتكب فيه الاستاذ علي سالم البيض بإندفاعه و حماسه أكبر خطأ في تاريخه السياسي، اعتقد انه ندم عليه كثيرا فيما بعد، كما حقق علي عبدالله صالح اكبر نجاحا سياسيا في تاريخه ظل يتبجح به حتى تم إغتياله. و هذه الوحدة في 22 مايو 1990 لم تقم على اي حق قانوني او سند تاريخي، و لا حتى استفتاء شعبي، و بعد ذلك ابتدأ نظام صنعاء يروج لمصطلح "عودة الفرع للأصل"، و هو امر يجافي الحقيقة التاريخية للمنطقة عبر التاريخ. هكذا و نتيجة هذه الوحدة الاندماجية رأينا جملة من التراكمات السلبية و كانت محصلتها زرع بذور الخلافات و الاختلافات و الاخفاقات و الفشل و حتى الكُره بين شعبي الشمال و الجنوب، و اصبح الشعبان لا يطيقان بعض. هذه الوحدة الاندماجية الارتجالية اصبحت حجر عثرة في طريق وحدة تقوم على اسس صحيحة تبني للشعب اليمني دولة المؤسسات و القانون بدلا من نظام قبلي ديني معقد يجر كل اليمن الى التراجع على ايدي قوى الهيمنة و الفساد في نظام صنعاء، فتم السطو على الاملاك المؤممة و العامة و خاصة بعد اجتياحهم للجنوب في 1994م، و كانت نتيجة هذا الاجتياح تحول الجنوب الى غنيمة حرب طالت الاقتصاد و السياسة و الثقافة و التاريخ و الدولة و القانون و النظام، و انعدم الأمن و الاستقرار في الجنوب، و هكذا اقتنع شعب الجنوب انه فقد الدولة المدنية التي ترسخت منذ عهد الادارة البريطانية. #المفاوض الجنوبي و جريفيث (7) و جاء إجتياح الجنوب بل و إحتلاله من قبل الحوثي/صالح في 2015م تأكيدا جديدا على جدية الشماليون في الإستيلاء على الجنوب كغنيمة، و أزداد العداء بين الشعبين للأسف، و لكنها باتت حقيقة على الأرض يراها الجميع. هذا مدخل تاريخي يعطي للمفاوض الجنوبي السيطرة على إثبات اننا نحن الجنوبيون وحدويون، و ان الشماليون لا يريدون الوحدة الا للسيطرة و فرض افكار قبلية فاسدة عافها الزمن من زمان. #المفاوض الجنوبي و جريفيث (8) و الحل الذي سيقترحه المفاوض الجنوبي لانهاء الحرب و ما سبقها من حروب على الجنوب، هي التي تتحدث عن اسباب المشاكل التي أدت الى الحروب و يجب إجتثاثها من جذورها ، و يجب استيعاب المتغيرات التي افرزتها الحرب الأخيرة، لهذا يمكن للمفاوض الجنوبي ان يضع الحلول التي ستحل المشكلات التي افرزتها حروب الشمال على الجنوب، و اوجدت هذا الواقع الأليم بين الشمال و الجنوب و ايضا تأثيره على الأقليم، فمن اجل ايجاد الحل نعتقد ما يلي: 1) سحب الاسلحة الثقيلة و المتوسطة من الجميع و تسليمها لمؤسسات الدولة. 2) دولة اتحادية يكون فيها الجنوب إقليما واحدا. للشعب في الجنوب الحق في تقرير خياره السياسي فيما يخص الوحدة.. و كذا الحال فيما يخص الشعب في الشمال.. 3) يعتمد النظام الفيدرالي لكل اقليم. #المفاوض الجنوبي و جريفيث (9) الخلاصة: يقع اليمن الشمالي بكثافته البشرية و بموروث خلافاته القديمة و الجديدة التي تمتد الى اكثر من عشرة قرون في الخاصرة الجنوبية الغربية للملكة العربية السعودية، و يقع الجنوب في الخاصرة الجنوبية للمملكة و يعتبر الجنوب المنفذ الاستراتيجي إقتصاديا و أمنيا للمملكة و للجزيرة العربية، و الفشل في حل القضية الجنوبية هو نفسه ما يفسر أزمة الوحدة، و هو السبب الذي أدى لتنامي دور "الحوثي"، و الذي خاض معهم المغدور صالح حروب صعدة. و عندما اصبحت وثيقة مخرجات الحوار الوطني هي الحل للمشكلة، انقلب عليها صالح و الحوثي و حلفاء الانقلاب الايرانيين، و بدأ العسكر حوثي/صالح حكم اليمن بعقلية جديدة استمدوها من ايران و هي ولاية الفقيه. كان هدفهم الحقيقي لاسقاط مخرجات الحوار الوطني هو العودة لحكم اليمن من جديد بالعقلية الكهنوتي، و حكم البطنين و تدعمهم ايران صراحة، وذلك للسيطرة على الوسط السني الشافعي، و على الجنوب السني الشافعي الذي دخل في وحدة دون ان يدرك ان هناك مخططات تحاك ضده، و ضد الإقليم و كل دول الجزيرة العربية. لهذا يطالب الجنوبيون بإستعادة دولتهم و ذلك من خلال دولة يمنية إتحادية من إقليمين او ثلاثة يكون الجنوب إقليما و ذلك لفترة مزمنة لا تتجاوز خمس سنين.