آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 01:32 ص

كتابات واقلام


البيه من اليمن؟!!

الأربعاء - 25 يوليه 2018 - الساعة 05:35 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


عندما تغادر وطنك اليمن قادما من اي مكان فيه قاصدا ارض مصر.. فإن اول مايواجهك ويظل يلاحقك فيها هو سؤال واحد.. سؤال بقدر ما تحب ان تجيب عليه مفاخرا متباهيا، بقدر ما تشعر بالحزن والغبن، والخجل امام ما يقتضيه طرح هذا السؤال عليك من تلقي اسئلة اخرى تتبعه. من فين الباشا ؟ هكذا يأتي السؤال بداية، وما ان تجيب قائلا (من اليمن).. حتى يأتيك الرد تلقائيا (اجدع ناس)..وما ان تأخذ بالابتسام حتى تجد نفسك في مواجهة عدد من الاسئلة الصادمة التي عليك ان تتلقاها غير قادر على دحضها او بيان عدم صحتها أو حتى الخوض فيها. اسئلة ما عليك الا ان تسمعها، مؤكدا على صحتها ولو بأضعف الايمان وهو هز الرأس دلالة على المصادقة، لا لانك غير راغب في الحديث، وانما لان لسانك ينعقد، وخجلك يزداد، وسرعان ما تشعر بأن جسمك يأخذ بالنحول والانكماش والجنوح للتلاشي والاختفاء من المشهد ولو داخل فوهة (كتلي) كجني المصباح. اسئلة.. - ايه اخبار البلاد عندكو ؟ - لسه الحرب مولعة؟ - ده بيقولوا ان القتل عندكوا ماشي عمّال على بطال؟ - معقول بتضربوا بعضكم بالدبابات والصواريخ والبوازيك..؟؟؟ - ياه كل دول الجرحى جايين من عندكوا دا انتم بتحاربو اسرائيل ولا ايه؟؟ - ربنا يكون بعونكم ؟؟ وفي الوقت الذي تظن ان لحظة استعادة انفاسك قد حلت، يأتيك الصوت نفسه مناديا اياك من جديد رغم قربك الشديد منه. إلا قُلي يابيه.. تلتفت محاولا اخفاء ضيقك من استئناف طرح تساؤلاته واستفساراته التي يواصل جلدك بها تزجية للوقت المتبقي لموعد وصول الحافلة او القطار او المترو أو أي وسيلة مواصلات تستقلها معه. ( الا أولّي.. صحيح انكو عايشين من غير ميّه ولا كهرباء.. الله، طب بتشربوا منين وبتشوفوا ازاي). تحاول الكلام ولكن لا تجد ما تقول، فلسانك يتعطل، وذهنك يشل، وتتمنى وانت تواجه بكل تلك الحقائق المؤلمة ان تمشي مشي من يمشي لا جنب الحيط وانما جوّاه، حسب تعبير اخواننا المصريين. لا بل احيانا وانت تواجه هذه الاسئلة الموجعة، تفكر في ان تغير اسم مسقط رأسك واختيار وطن غير وطنك، قائلا انك سوداني مستغلا بشرتك اذا كانت داكنة او سمراء كلون بشرتي، او انك عراقي او سوري او فلسطيني، اذا كانت بشرتك صافية تميل الى البياض. بل يمكن ان تجد سهولة في ان تختار اسم اي دولة عربية او اجنبية، عدا دول الجوار لا لشيء سوى لانك سرعان ما ستفضحك هيئتك وسحنتك ومنطق لسانك. ولكي تريح نفسك من الشعور بالخجل والعيب عليك ان توطن نفسك على التظاهر بالخرس او الغباء حتى تفوز ببعض الوقت تنسى فيه من انت ولماذا أتيت ولمَ انت هنا؟.