آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 09:52 ص

كتابات واقلام


هل سأغذوا يوما متطرفا أم خائنا أم مواطنا صالحا ؟

السبت - 25 أغسطس 2018 - الساعة 04:24 م

نزار أنور
بقلم: نزار أنور - ارشيف الكاتب


قبل عشرة أعوام تقريبا كنت مازلت شابا في الثلاثين من عمره تقريبا ، كان ذلك الشاب مازال في سنته الأولى من حياته الأسرية الخاصة به و كنت أبا لطفلة صغيرة شارفت على بلوغ سنتها الأولى، لكم أن تتخيلوا يا سادة ما معنى أن يقف الأب عاجزا أمام إبنته الصغيرة تلك و زوجته في أن يمنحهما الإثنتان معا شعورا أن هناك رجل مسؤول عن قضاء حاجتهما أو حتى تقديم شيء بسيط كهدية في الذكرى الأولى لمولد أغلى شيء لديه على الإطلاق ، لا يتعلق الأمر بالترف لأن جل ما كان يتمناه ذلك الوالد لإبنته مجرد ثوب بسيط يقدمه لها حينها ،كما لا يتعلق الموضوع بمشروعية تلكم الذكرى أهي حلال أم حرام بل كان حينها مرتبطا بمفهوم الإلتزام إتجاه من تعهدت برعايتهم أبد الدهر أمام الله أولا ثم أمام الناس جميعا ، أتذكر أنني قبل موعد هذه المناسبة بيوم واحد طلبت من أخي الأوسط أن يشعرني ما إذا كان هناك فرصة للمجيء و العمل معه في عمل مرهق و شاق جدا و كنت حينها قد هجرت مثل هذه الأعمال الشاقة و المضنية منذ سنوات قليلة بعد أن حصلت على وظيفة حكومية في مكتب المالية بعدن ، كما أتذكر أن ذلك حدث في تاريخ 28 من أغسطس في العام 2009 م ، المهم أنني ذهبت و عملت لساعات حتى حصلت على مبلغ يمكنني من الإيفاء بذلك الإلتزام إتجاه من أعوله و أحبه لا أخفيكم كان شعوري حينها رغم المشقة و التعب و العناء لا يمكن للمرء أن يدركه إلا من يفهم معنى أن تتجاوز معنى ذلك الشعور بالعجز ، أتذكر أيضا أنني نمت على فراشي مطمئنا و سعيدا و فرحا بأنني أدخلت السعادة إلى قلوب من أحب ، صحيح كان الثمن باهضا و مرهقا و مكلفا بعض الشيء لكن المقابل الذي حصلت عليه كان يفوق ذلك كله . الشاهد أيها الأعزاء من قصتي القصيرة تلك التي مضت على ذكرها عشرة أعوام ، أنني مررت بأسئلة عديدة قبل أن أتجاوز ذلك الشعور بالعجز حين وقفت حائرا و أنا أنظر إلى وجه تلك الصغيرة و هي تضحك في وجهي و أنظر في عين زوجتي الحبيبة و هي تحاول أن تبسط لي الأمور حتى لا أغضب من نفسي ، فيا ترى ما هي تلك الأسئلة ؟ سأخبركم بها : سألت نفسي و أنا أنظر إلى سقف المنزل مالذي يجبرني أن أفكر كثيرا في أمر هو من الطبيعي أن لا يستدعي المرء منا التفكير فيه كثيرا ليس لأنه غير مهم بل لأنه من المفروض أن يكون متاحا لنا جميعا متى ما كنا نحيا حياة كريمة ؟ الجواب الذي طرأ حينها : إذا نحن لسنا نحيا حياة كريمة . مالذي يجبرنا أيضا أن نقبل بتلك الحياة الغير كريمة أهو خوفنا أم قلة حيلتنا أم أننا لا نستحقها ؟ الجواب حينها : الخوف ، فلسنا قليلون حيلة أو لا نستحق هذه الحياة لأننا تعلمنا و درسنا و أنهينا دراستنا الجامعية و بحثنا عن وظائف عدة حتى وفقنا بوظيفة. الخوف من ماذا ؟ من هذا النظام البائس أم من خسارة من نحب أم من الذهاب إلى المجهول ؟ الجواب حينها : ربما من كل شيء، لكن ليس هناك أسواء مما أعيشه و أشعر به الآن ، إذا لم يعد هناك شيء أخسره أكثر من خسارتي لتعهدي برعاية أسرتي و قضاء حوائجها . ما العمل إذا ؟ هل أقود عصابة مسلحة و أناهض ذلك النظام و أصبح في عيون الضعفاء ثائرا و مقاوما و في عيون آخرين خارجا عن القانون و متطرفا، أم أصبر و أحتسب و أكون مواطنا صالحا خانعا حتى يعصف بي ذلك الشعور و ينقضي أجلي ، أم أخون كل ما تعلمته و تربيت عليه و أصبح أما لصا فاسدا أو مجرما قاتلا ؟ الجواب حينها : ربما أفكر جديا في حمل السلاح و مناهضة ذلك الظلم . لماذا هؤلاء المسؤولين ليس لديهم هذا الشعور إتجاهنا كما نشعر به نحن إتجاه أسرنا أليست العلاقة متطابقة بين كلا الأمرين ؟ الجواب حينها : إذا لا يستحقون أن نمنحهم ذلك الامتياز و تلك المسؤولية و يجب أن يذهبوا و يرحلوا و يأتي آخرون لديهم ذلك الشعور بالإلتزام و المسؤولية إتجاهنا. تحسنت ظروفي كثيرا بعدها بفضل الله و توفيقه ثم بفضل الجهد المضاعف الذي كنت أبدله في مجال عملي لكن أصدقكم القول بأن ذلك الشعور لم يغادرني أبدا لذلك حين جاء العام 2011م و خرج الناس لم يكن لي أن أحيد إلى وضعي الحالي أو أنسى أو أتناسى ذلك الشعور الذي مررت به، ربما كثيرون قد يفعلون ذلك و فعلوا أما أنا فلم أتمكن من ذلك ، فتخيلوا أيها السادة شاب متعلم و موظف و حديث عهد بالزواج و ذلك كله قبل عشرة أعوام من الآن قاده ذلك الشعور بالعجز إلى التفكير في ذلك في وقت لم يكن فيه السلاح في متناول الجميع، فكم هم أعداد اللذين يمرون اليوم بذلك الشعور البائس في وقتنا الراهن و في هذه المدينة بالذات . كتب / نزار أنور عبدالكريم