آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 07:19 م

كتابات واقلام


سبتمبر الثورة وشاعرها البردوني

الأربعاء - 26 سبتمبر 2018 - الساعة 11:53 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


((أيها الآتي بلا وجه إلينا لم تعد منا ولا ضيفاً لدينا غير أنا .. يا لتزييف الهوى نلتقي اليوم برغمي رغبتينا)) هكذا استقبل مبصرنا وضميرنا الحي فينا أبداً الذكرى العاشرة، فيما أظن، لثورة الـ(26) من سبتمبر وباستلهام عميق الادراك والمعرفة راح كعادته يأخذ بأيدينا ليضعنا أمام تفاصيل وحقائق تعيشها الثورة السبتمبرية اليمنية الأم، سابقاً بذلك رؤى وأحلام وتصورات القوى الوطنية التي انخرطت تهلل وتكبر باسم سبتمبر الثورة محلقة في فضاءات التوهمات والخيالات الثورية، منزوعة العلاقة بالواقع لتجد نفسها بوعي وبغيره ضمن جوقة السلطات المتعاقبة التي انصرفت في وقت مبكر من عمر الثورة إلى تقليم وتقليص أي دور لها في الحياة والتغيير، مجردة إياها من أي ملامح انتساب حقيقي لمبادئها وقيمها وبرامجها التي انطلقت من أجلها صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ومحولة الثورة من فعل يمشي على الأرض إلى ظلالات هشة دائبة الانسحاب خلف شعارات وأغان وأناشيد وعروض وزينات موسمية قابلة - هي الاخرى رغم سطحيتها وتدني فعلها- للتقويض والبهوت والانطماس. أحزاب وقوى وطنية أجبرت وقبلت بما اجبرت عليه لأن تتحول إلى فصل من فصول السلطات المتكرسة لمواصلة استفراغ سبتمبر الثورة من أهدافه وقيمه وتطلعاته وتحوله إلى مجرد شكل ومسمى وشعار. هكذا خرج البردوني الفيلسوف الملهم والضمير الحي غير القابل للمساومة والانحياز أو الصمت تجاه كل ما يتعلق بالانسان والوطن. فشرع منذ وقت مبكر من عمر الثورة والالتفاف عليها ومحاصرتها ومصادرة مضامينها، يشير وبأكثر من صبع إلى مصاب هذه الثورة ومكامن الفتك بها وإلى ما ينتظرها من مواعيد للسقوط والتجريف والطمس. غير مدخر ما تقف عليه نبواءته وتنبؤاته واستخلاصها لما يجرى ويعتمل في الجهر والخفاء من دسائس ومؤامرات وتحالفات.. وبوحه المترع بالصدق والوضوح والدقة كشاعر وكاتب ومؤرخ يسمي الأشياء بمسمياتها، محذراً من حلول اليوم الذي تخرج القوى الامامية الرجعية المتخلفة التي تربت على الثأر والانتقام وحب التسلط والتفرد بالحكم من جحورها غير مكتفية بمواصلة امساكها بمفاصل الحكم، وانما طامعة ومحضرة لليوم الذي تقول فيه انها هي بشحمها ولحمها تعود لتمارس دورها علناً تحت أجندتها التي لا ترتضي بمواصلة الاختفاء والتستر وراء ستار الثورة (26) سبتمبر، معيدة كل شيء إلى الصفر شكلاً ومضموناً. ولنا هنا أن لا نتوقف فقط عند مواصلة شاعرنا وفيلسوفنا عبدالله البردوني تحمل فجيعة الوصول إلى ذلك اليوم المدعو الحادي والعشرين من سبتمبر، يوم النهاية المحتومة الذي اشتركت في الوصول إليه كل القوى الوطنية بقصد أو دون قصد والتي كفت عن السمع والفعل، والانتهاء إلى هذه النتيجة التي نعيشها اليوم بأرواحنا ودمائنا المهدورة، ومصالحنا المغيبة، وتطلعاتنا الموءودة. ولي ولكم أن نتخيل إذا كان مبصرنا العظيم قد امتد به العمر إلى اليوم وبعد أربع وأربعين سنة من قوله الذي استفتحنا به كلماتنا هذه، ماذا كان سيقول؟ وإلى أين ستتجه اشارات اصابعه محددة أسباب ومقدمات خلوصنا إلى هذا اليوم الفاجعة؟!!