آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 01:32 ص

كتابات واقلام


محافظ الغفلة

الأحد - 30 سبتمبر 2018 - الساعة 12:54 ص

محمد علي محسن
بقلم: محمد علي محسن - ارشيف الكاتب


محافظ الغفلة ، يغادر مسكنه في منطقة زبيد مرتدياً بزة لواء في الجيش اليمني ،اما كوفيته وجزمته فكلاهما ينتميان لحقب ودول مختلفتين ..وبهيئة عجوز كالح منهك ووجه غريب يذكرك بقصة اصحاب الكهف بعيد استفاقتهم من نومة طويلة ،يخرج المحافظ للناس وكأنه من زمن اخر لا يدري ماذا يريد ولا اين يسير ولا ماذا يقول او يفعل ؟؟؟. محافظ وقائد محور وقائد لواء مدرع قوامه يضاهي ثمانية الف جندي وضابط ،ومع هذه القوة والترسانة والهيلمة ،لم يقدر على اخضاع جماعة مسلحة عدد افرادها لا يزيد عن عشرة او عشرين ،بل ومازالت سلطة الرجل الأول خائرة عاجزة عن السيطرة على مقاليد مدينة الضالع ،وهي ليست مدينة مثل عدن او تعز او المكلا ، وانما يمكن اعتبارها قرية كبيرة .. تعيين الرجل السبعيني علي مقبل صالح محافظاً للضالع، كان في اول الأمر صدمة ، ومن ثم وبمضي الوقت تحولت الصدمة الى مأساة وكارثة يعيشها الانسان البسيط والموظف والعسكري.. اذا ما قدر للمحافظ الكهل الوصول لمكتبه ،فانه لا يفعل شيئاً ،واذا ما اتته الشجاعة وفعل او وجه أمراً فذاك ان الصبيان الجهال المقربين منه، هم من اوعز له بالتوقيع او التوجيه . واذا ما ابتلاك الله بمصيبة ،فحتماً ستجد نفسك ازاء كائن هلامي متقلب خائف مذعور يجلس على كرسي المحافظ ،ومحاط بوجوه عتيقة تماثل موميات المتحف الحربي ،يخيل لك انك في دنيا الفناء . وانت تتابع المحافظ لأجل مذكرة او قضية ،ستبكي حرقة على نفسك وبلدك ،وستلعن السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي والحرب والانتصار المزعوم ، فأغلب من حول القائد الهمام يذكرونك بقصة الثلاثة العميان والفيل ،فكل واحد من العميان الثلاثة يرغي ويفتي ويتفلسف اتساقاً مع موضع يده في كيان الفيل الضخم . تحاول جاهداً اقناع أحد العميان الثلاثة ، المدعو " م . ف " بان الفيل كائناً ضخماً ووديعاً ،فيأبى ويصر بانه أكبر وارفع من أي فيل هندي او افريقي ،وبلهجة الواثق يؤكد متباهياً بنفسه بقدرته على حمل الحيوان الضخم ، ومعه كل الحق ،فجل الصورة الراسبة في ذهنه عن الفيل لا تزيد عن ملامسة يديه لذيل المؤخرة ،ومن وقتها وموظف الأرشيف سابقاً ،لا يعرف غير ذيل الفيل .. وعندما تعجز تماماً من اقناعه ،تستنجد بشخص ثان مقرب من المحافظ ، فتجد ذاتك تحدث اعمى اخر ، ترهق نفسك في شرح وتفسير مقصدك ،فلا تعثر لديه ان لكلامك قيمة او وزن ، تتوسل إليه ، تحذره من ركوب الفيل وفي زمن الطائرة والسيارة ومركبة الفضاء ،فيهزأ منك قائلاً : اعلم أكثر منك " . احد الخبثاء لم يتمالك نفسه فهمس في أذني : انه لا يعرف من الفيل غير خرطومه الطويل ،وطبعاً الخرطوم فوائده كثيرة ، فشفطة واحدة تنهي عذابات الشفط والتوزيع لأطنان البنزين في المحطات او صهاريج القاطرات . لا اود الكلام عن الاعمى الثالث ،لأنه كائن غريب وعجيب ،ولا يماثله غرابة وعمى غير المحافظ الذي اضاع لواء عسكري قوامه نحو ثمانية الف جندي وضابط، ومع هذا الانجاز العظيم اعطي محافظة مهمة منهكة ومتعبة للغاية . الواقع انني لا اريد اخباركم بتفاصيل ما دار بيني وبين من يعد ذاته مخزناً لإسرار وقرارات الرجل الاول ،فيكفي الاشارة هنا ،لأن الشخص المقرب جداً بالكاد اهتدى لمواضع حساسة في الفيل ،لهذا احجمت فاعذروني .. محافظة يستلزمها محافظ مدني وتكنوقراط وذو عقلية متفتحة منفتحة على جميع اطياف السياسة والواقع ، وقبل ذا وذاك ،عقلية قريبة من السلطة الشرعية ومن صناع القرار السياسي والعسكري ومن الناس ومعاناتهم الحياتية اليومية .. الحقيقة المرة ان محافظ الضالع لا يصلح مطلقاً ولأي من الوظيفتين العسكرية او المدنية ، ما يعني ان الكارثة كارثتين والمصيبة مصيبتين ،وعلى السلطة الشرعية ،رئاسة وحكومة ، سرعة انقاذ المحافظة واللواء العسكري الذي بات اشبه بخرابة مهجورة طوال شهور السنة ،باستثناء ايام دفع المرتبات . للأسف المحافظ الكهل لا يفقه غير لغة واحدة ابدع الرئيس المخلوع في جعلها لغة واحدة شمالاً وجنوباً ، فلأجل ذلك يخصم القائد مقبل ملايين الريالات شهرياً من مرتبات الضباط والجنود ، كما ويجني اضعاف هذه الملايين من بيع البنزين والغذاء والدواء والفراش والملبس ، ناهيك عن ملايين الريالات الملطوشة من نفقات ومكافئات الموازنة التشغيلية المقررة للمحافظة ، ضف لذلك مئات الحالات الوهمية التي يستلمها المحافظ ومقربوه بينما اصحابها تم تجنيدهم في الوية ومحافظات اخرى . يظن العجوز انه ادهى واذكى من الجميع ، بينما الحقيقة انه اغبى واسخف وافسد محافظ عرفته المحافظة وعلى مدى تاريخها القصير ،ففي الصباح وامام مرؤسيه المتضررين من استقطاعاته الجائرة يقدم ذاته كحامي حمى الشرعية ،وفي العصر يجد نفسه اقرب للمجلس الانتقالي ، وفي المساء لهو شرعية ولا انتقالي ،انه يعكف على ربحه وخسارته ،يجلس يحسب مثل محصل اتاوات في نقطة في طريق عام . وللعلم انني كنت متحمساً لقيادة الرجل ،بل واعتبرت الاقلام القادحة مجرد فقاعات صادرة عن اناس فقدوا منافعهم او مناصبهم ،لكنني اكتشفت خطأي الفادح ،واردت الان تصحيحه ، فهل تتوقعون من قائد عسكري يلطش وينهب الملايين والسيارات والمرتبات وبشكل فج وسافر كي يكون منقذاً للمحافظة ؟ وهل تعولون على مسؤول لم يكلف نفسه دعم او زيارة عقيد يرقد في العناية الفائقة منذ ما قبل رمضان وحتى اللحظة التي اضطرت عائلته لنقله للبيت رغم انه مازال في غيبوبة ؟ . اسألوا من الضابط الذي قاد الدبابة الوحيدة من زبيد الى جبل الدريب وفي ساعات الوغى ،سيقولون لكم انه العقيد عبد الحكيم هروول ،الضابط الذي يرقد الان في مسكنه ،اثر جلطة دماغية ،فلو ان المحافظ يحترم ذاته لكنا رأيناه يقف بجوار العقيد وعائلته ،باعتباره مسؤولا عنه مدنياً وعسكرياً واخلاقياً وانسانياً ، ولكن الضمير والاحترام مات والاخلاق والشهامة والمسؤولية ماتت .. اما اخر انجازات المحافظ الفلتة ،فيحسب له وحده ودون سواه اصدار قرارات تجاوزت سلطته وصلاحيته، فهذا يوهب له مدير عام وذاك وكيل للشؤون المديريات وثالث للشؤون الثقافية ،فلم يبق الا اسطوانة الغاز وقرص الرغيف والدجاج وسلة الاغاثة ، ولو انه كلف مدراء ووكلاء لهذه الاشياء لكان افضل واجدى له وللناس من قراراته السخيفة .. لو كنت في مكان الرئيس هادي ،لما انتظرت كل هذه المدة الزمنية ،ولقمت بتصحيح الخطأ الجسيم ، فأول شيء افعله هو محاسبة الشخص او الجهة المتبنية لقرار التعيين ،ويتزامن الاجراء مع تعيين قائد عسكري محترف ومجرب ووثيق لقيادة اللواء ،وكذا تعيين شخص سياسي واداري محنك ومؤهل لقيادة دفة السلطة في المحافظة .. الحقيقة المرة التي ينبغي للسلطة الشرعية فهمها وادراكها ، هي ان الضالع ليست حضرموت ،كما واللواء فرج سالمين البحسني لم ولن يكون مقبلاً، فنجاح البحسني ،وهو بالمناسبة رفيق مقبل في سلاح المدفعية والصواريخ سابقاً ؛ ليس مقياساً لتعميم الجمع بين القوة العسكرية والسلطة المدنية ، وهذا بالضبط ما حدث في الضالع ونأمل ألا يطول الاخفاق ، فيكفي المحافظة انها مازالت خارج التغطية والخدمة .. محمد علي محسن