آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 08:24 ص

كتابات واقلام


استعجلت الرحيل أيها الحبيب

الإثنين - 19 نوفمبر 2018 - الساعة 07:41 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


أعرف أنه حين وقع عليك الاختيار لتكون وزيرا للعدل لم تجد امامك سوى خيارين، إما أن تبقى خارج الوطن وتأخذ في مباشرة عملك عبر الهاتف متنقلا بين العواصم حاملا صفة وعوائد وزير العدل في وطن ليس فيه مبنى للعدل ولا مكاتب أو دوام ولا محاكم أو نيابات، والقضاة والموظفون في المنازل بلا رواتب ودرجات التقاضي معطلة، والواقع يعج بالجرائم والمخالفات والمظالم، ولم يطلب منك أحد العودة وفعل شيء لتغيير ولو جزء من تلك الاوضاع لأن وضعك هذا لا يختلف عن وضع أي وزير أو وزارة.
وإذا كان هناك ما يستدعي عودتك إلى الوطن فإنها لن تخرج عن كونها زيارات عابرة خاطفة لا تكلفك أكثر من الظهور في اجتماع أو تقديم تصريح مصور تغادر بعدها من حيث أتيت.
والخيار الثاني هو أن تتخذ قرارا مغايرا غير مسبوق في فهم وترجمة معنى أن تحوز على ثقة تولي منصب وزاري وما المطلوب منك القيام به.
فكنت انت صاحب الخيار الثاني والصحيح، وكنت لا أول وزير يعود إلى أرض الوطن ليظهر فيه وقت الطلب ووفق ما تسمح به الظروف من حولك، وإنما كنت الوزير الذي عاد ليمارس دوره كوزير للعدل فكنت أول وزير يوجد وزارة على الأرض ممثلة في مبنى ومكاتب وموظفين ودوام.
وفي عهدك لأول مرة تعود المحاكم والنيابات إلى العمل . وبدأ الموظفون والقضاة يعودون إلى ممارسة واجباتهم متحدين ومحطمين حواجز الخوف والتردد من مباشرة وترسيخ دعائم العدل من خلال تلقي المظالم وعقد جلسات الاستماع والنطق بالأحكام.
كما أنك بعثت بدوامك اليومي المرهق وفوق طاقة تحملك لمعالجة أوضاع القضاة في عموم الوطن ودونما تمييز، أو تقديم، او تفضيل، وحل كافة مشاكلهم من رواتب ومستحقات وتعيينات. لتصبح وزارة العدل أول وزارة تثبت وجودها وتمارس حضورها شكلا ومضمونا، وأول وزارة تلعب دورا حقيقيا لرسم مسار بناء الدولة وتعبيد طريق الأمن والأمان والاستقرار من خلال عودة العمل المؤسسي إلى نصابه.
لقد كنت تدرك، ونحن معك أبا محمد قاضينا الفاضل وزير العدل، انك بقبولك هذا التكليف وبتلك القناعة وروح والمسؤولية إنما كنت قد آثرت ارتياد طريق الأحمال الثقيلة سبيلا ومسلكا لتجعل المستحيل ممكنا، والصعب هينا. في وقت شحت وتراجعت فيه كثيرا تجليات روح الإقدام والثبات والمواجهة.
وقت كان يعد فيه إبداء الرغبة والعمل للنهوض بالواجبات ومحاولة السير عكس سير المعيقات ضربا من الحمق والمغامرات.
وقت طبعت فيه نيل المناصب الرفيعة بطابع الهبات والمنح الجارية، وجوازات ارتحال وسفر إلى مدن وعواصم ثانية.
وقت جئت معه بما يخالف طبائعه، مسترخصا ما تدفعه من صحتك وعافيتك لقاء ذلك.
وكما كانت عدن فقدك الذي تفانيت من أجل استعادته.. فها هي عدن تنتظر استعادتك لتعود إليها وتواصل مشوار التحامك بها رافضة فقدانك.
عد أيها الأخ والحبيب والقاضي الشهيد جمال محمد عمر.
عد فإننا نكره والله أن نلتحق بك بمدينة ووطن لا يضم بين جنباته رفاتك الطاهر.