آخر تحديث :الجمعة - 26 أبريل 2024 - 12:49 ص

كتابات واقلام


للنضال ثمن غالي .. لا يستطيعه إلاّ الصابرون عليه

الجمعة - 30 نوفمبر 2018 - الساعة 01:13 ص

جسار مكاوي المحامي
بقلم: جسار مكاوي المحامي - ارشيف الكاتب


اليوم تكون مرّت على أبي ( فاروق مكاوي) خمسة أيام منذ لحظة وفاته في يوم الأحد الموافق 25 نوفمبر 2018 في مدينة عدن ، موطنه ونشأته وحياته ونضاله الذي ظل شعلةً متوّهجةً ومضيئة عاشها بيننا أنا وأمي ومن ثمّ زوجتي وأولادي الخمسة . وحتى لمن كانوا رفاق دربه ونضاله وسجنه . لحظة عصيبةً جدا عشتها ووقت محزن ومؤلم ان ارى أبي بدون حراك امامي وامام رفيقة دربه ونضاله الام الرؤوم والمعطاءة (فتحية سالمين باسنيد) ، وكل اهل بيته ومحاولة انعاشه من الدكتورة الفاضلة .. لكنّ إرادة الله أقوى وامره قد نفذ. رحمه الله الإيمان بالله قضائه وقدره لا راد له ، ولكنه كان بالنسبة لي ولأمي صدمة حقيقية من ضمن صدمات كانت تلاحقنا .. ولدت لأبوين مناضلين .. مناضلان حقيقيان تمرسّو بالعمل النضالي والفدائي والسياسي لمناهضة الإحتلال والاستعمار البريطاني لعدن .. كانا ضمن نفس التنظيم وهو الجبهة القومية واستمّر ابي فيه حتى آخر لحظة من حياته . والدان لهما تاريخهما المشرّف لي كإبنٍ وحيدٍ لهما بعد ان فقدا ابنتهما في حادث سيارة الرئاسة الشهير عام 1978 في الشارع الرئيسي بالمعلا وقد كنت انا بمعية أختي (ثناء) رحمها الله وتقبلها في عليين .. لا اتذكرها ابدا فقد كنت في عمر السنتان وهي تكبرني بخمس سنوات .. وساتوقف عن بقية الحادثة .
لقد ، عرفت من ابي وامي معانٍ عظيمة عن النضال والشرف وحملت ذلك في مراحل عمري وحتى اللحظة واجتهد لغرسها في نفوس اطفالي الخمسة .. تعلمت منهما في حياته ولو كانت تصاحبها القسوة والألم الا ان ذلك جعل مني انسان له شخصيته وكيانه ورأيه ، تعلّمت منهما الصدق في المشاعر وعفويتها وايمان صادق بالمصير . حب الناس وعدم الكره والبحث عن المعرفة الحقيقية .. هكذا هما والداي (أمي وأبي رحمه الله) ، وانا سعيد بذلك .. واحمد الله على ابوتهما لي .
اخترت طريقا ومسلكا لحياتي ، تعثرت فيه اكثر من مرة ولكنّي استطعت ان اتجاوز كل عثرة .. لم يحاول ابي ذات يوم التوسّط لي لدى احد من ( المسؤولين) وان كان هو (فاروق مكاوي) ، امي اختارت المنزل لانها ادركت انها قد قدمت لوطنها نضالا حقيقيا وليس مزيفا ، صبرت وجاهدت وتحملت .. وكذلك أبي ، لم يطلبا ثمناً لنضالهما امام المستعمر البريطاني وعشنا براتب ابي ( ك5) كما كان عهد الحزب الاشتراكي اليمني وقادته . كل شيء لديه لابد وان يكون نظاميا كان دقيقا في حياته وحياتنا .. لم تغريه الدنيا . وان كان من امر قد تم توجيهه له كمناضل كان يرفضه لانه كان يعتبره اغراء مادي لا شرف فيه .. رحمك الله يا أبي .
حقيقة ، يعزّ الفراق المفاجئ لك من بيننا ، واعلم انك كنت تتوهّج في ذكريات نضالك خصوصا مع قرب ذكرى 14 اكتوبر و30 نوفمبر .. لقد كنت انسانا نادرا بمعنى الكلمة ، لم تفارق مبادئك او اعتزازك بما ناضلت من اجله وهو الوطن وما تمثله عدن بالنسبة لك .
ليلة الجمعة وذكرى ال30 من نوفمبر ومن عدن التي كنت لها وفيا حتى لحظاتك الاخيرة ، فإني إبنك ارفع لك كل التحية والتقدير ، تشريفا واعتزازا بك كمناضل من ابناء عدن ومن اسرة عاصرت واعتصرت النضال والسياسة والحب بين الناس . والحمد لله رب العالمين .
لقد ، ابكيت الصادقين من رفاق الحزب وهم بعدد الاصابع نساءا ورجالا كانوا صادقين معك مثلما كنت انت صادقا وحقيقيا ، اتصل البعض وغفل الكثير عنك مثلما غفلوا عن غيرك ، وكان هناك الاقرب الى جانبك يوم ولحظة رحيلك لم تكن انت او امي او انا نتوقعهم .
موتك بصمت كسر حواجزهم ، وظهرت ملامح وجوههم التي طالما حاولوا اخفاءها عنك ، ولكنك كنت تعلم من هم واين مصيرهم .. قد نكون كاسرة لك قد دفعنا ثمن حقيقتنا ووجودنا وانت معنا دفعت ثمن ذلك مثلنا ، ولكن صلابتك امامهم هزمتهم شر هزيمة وهي ، التي يعبرون عنها تجاهنا ولكننا كنّا اقوى واصبر على افعالهم . هم تناسوك انت وامي سنينا وسينساهم التاريخ من صفحاته.
سنبقى امي وانا واهل بيتك كراما عفيفين مثلما اردت انت ، والحقوق سيأتي يوما وتنتزع مهما طال الزمن ولن نكون الا نحن .
لقد قلت يوما :
( يا حزبنا اليمني يا قائد زمانك
اترك التنظير تحرّك من مكانك) .
لم يتغيّر شيء ولم يتحرك الا في اتجاهك انت وعانيت منه ونحن معك منه .. عشت صلبا وانهزموا ناضلت بشرف واستثمروا ، مت رافع الرأس وهم كالنعام).
تحية لك مني يا ابي الحبيب فاروق مكاوي وليرحمك رب العزّة ويسكنك فسيح جنّاته ويوم البعث. آمين.
إبنك المحب / جسّارفاروق مكاوي.
30 نوفمبر2018( عدن).