آخر تحديث :الخميس - 18 أبريل 2024 - 09:01 ص

كتابات واقلام


الحق في تقرير المصير والانفصال وتطورهما في الوثائق الدولية(3)

الأحد - 02 ديسمبر 2018 - الساعة 02:36 م

د. محمد جعفر قاسم
بقلم: د. محمد جعفر قاسم - ارشيف الكاتب


 حق الشعوب في تقرير المصير والانفصال
ومبدأ احترام السلامة الاقليمية للدولة 


القسم الثالث: الحق في تقرير المصير والانفصال وتطورهما في الوثائق الدولية

يرتبط حق قرير المصير بالحق في الانفصال ارتباطاً وثيقاُ، إلا أن هذا لا يعني أنهما يدلان على مفهوم واحد. ففي الحقيقة إن كان حق تقرير المصير يؤدي غالياً الى الانفصال، إلا أنه مفهوم مستقل عن مفهوم الانفصال يتميز ببروزه في الوثائق الدولية.
أ‌-مفهوم الحق في تقرير المصير: شهدت الساحة الدولية خلافاً في تحديد مفهوم حق تقرير المصيىر تبلور في ثلاثة اتجاهات. الأول مادى ويجد بأنه مجرد حق سياسي يخلو من أي طابع قانوني، والثاني على الرغم من اقراره بالطابع القانوني لتقرير المصير ويعتبره مبدأ أو قاعدة قانونية إلا أنه مع ذلك لا يعتبره حقا قانونيا بل كما قلنا مجرد مبدأ قانوني. والاتجاه الثالث وهو السائد حاليا يراه حقاً قانونيا مكتمل الاركان والصفات وقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي حسب التفصيل التالي لتطور هذا المفهوم، ولكن قبل ولوجنا الى تطوره يجد بنا تعريف حق تقرير المصير.
-تعريف حق تقرير المصير
يمكننا أن نعرف حق تقرير المصيرعلى ضوء الوثائق الدولية على أنه "حق أساسي يمنح كافة شعوب العالم تقرير مصيرها ومستقبلها السياسي وأن تتابع بحرية تطورها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي."
ويرتبط مفهوم حق تقرير المصير ارتباطاً واضحا بمفهوم العدالة الذي ينبع من الاقرار بمبدأ المساوة بين الشعوب كما يرتبط بحقوق الانسان ارتباطاً وثيقاً وبمبدأ حرية التعبير لأن مطالبة الشعوب به تتجسد من خلال أدوات التعبير التي تمتلكها كما أنه يرتبط بحرية التجمع التي تجسد المظهر الجماعي للشعب بالمطالبة به.

سير تطور حق تقرير المصير في الوثائق الدولية
1-في مؤتمر فرساي للسلام
ظهر مبدأ تقرير المصير في ساحة التجمعات الدولية بعد خمود نيران الحرب العالمية الأولى في مؤتمر فرساي للسلام المنعقد في 1919 والذي أولى قضية تقرير المصير اهتماما ملحوظاً . وكان الرئيس الامريكي وودرو ويلسن ًWoodrow Wilson يتمسك تمسكاً شديدً بهذا المبدأ ويصر على ادخاله في ميثاق عصبة الأمم وإن كان لينين الزعيم السوفيتي قد سبقه في التطرق الى هذا الحق منذ عام 1905.
إلا أنه لسوء الحظ لم يحالف النجاح الرئيس ويلسن بسبب معارضة الدول الاستعمارية الأوربية، لذلك خلى ميثاق عصبة الأمم التي انبثق عن مؤتمر قرساي من أي ذكر له ،وإن كان الرئيس ويلسون قد اعتبره مقياساً لعمل عصبة الأمم باعتبارة مبدأ الزامياً. وهكذا لم يحظ مبدأ تقرير المصير بالصفة العالمية وخلت منه نصوص التسويات التي تمت بعد تلك الحرب.


2-في ميثاق الأمم المتحدة
اقترح الاتحاد السوقيتي أثناء المشاورات التي جرت في سان فرانسيسكو للتحضر للأمم المتحدة ادخال تعديل جوهري على المسودة الأصلية للفقرة الثانية من المادة الاولى تتضمن العبارة التالية "على اساس احترام مبدأ الحقوق المتساوية لجميع الشعوب وتقرير المصير. وهكذا نصت عليه المادة 1-2 والمادة 55 بحيث تشير الى أن مبدأ تقرير المصير هو الذي يرمي اليه الميثاق من اجل بناء علاقات ودية بين الأمم. وبالفعل تمت الموافقة على التعديل السوفيتي وعلى هذا النحو تمت صياغة تلك المادتين.
وبالمقابل ولادراك الدول الاستعمارية بالأهمية البالغة للآثار تالقانونية لادخال مبداء حق تقرير المصير على مستعمراتها، فقد اصرت ونجحت في ادخال نص يقضي بالسلامة الاقليمية للدول، وعلى هذا النحو تم النص على المادة 2-4 من ميثاق الأمم المتحدة.
ولكن الفقهاء والقضاء الوطني اختلفوا اختلافاً كبيرا في تفسير مدلول هاتين المادتين وان كان غالبيتهم آنذاك اعتبرته مجرد مبدأ سياسي جاء به المبثاق المذكور لا يتمتع بالصفة القانونية.
3-في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 في سنة 1960
اتخذت الحمعية العامة للأمم المتحدة قراراً تاريخيا هاما في عام 1960 يحمل الرقم 1514حول منح الاستقلال للشعوب المستعمرة. وقد صوتت 98 دولة على هذا القرار وامتنعت 9 دول فقط عن التصويت عليه ولم تصوت ضده أي دولة من االدول الاعضاء في الأمم المتحدة.
ولكن هذا التصويت البالغ الأهمية لم يمنع البعض من الادعاء بأنه يقتصر على حالة الشعوب المستعمرة و بأنه ذو مضمون قانوني ضعيف بالنسبة لشعوب الدول المستقلة وإن كان يعتبر خطوة هامة في أخذ العهدين الدوليين لحقوق الانسان به لاحقاً بل وتصدرة لكافة موادهما.
4-في العهدين الدوليين لحقوق الانسان
صدر هذان العهدان في عام 1966 وتصدر حق تقرير المصير كافة موادهما. وبعد المصادقة على العهدين اصبح ينظر الى هذا الحق بأنه يشمل كافة شعوب الأرض ولا يقتصر فقط على الشعوب المستعمرة وحسب. ولكن ثار الخلاف بين الفقهاء حول المقصود بكلمة الشعب في العهدين، وبهذا الصدد يقول Jennings ان تحديد ما هومعنى ومحتوى كلمة "الشعب" قد أثارت خلافات مستمرة عند تطبيق المبدأ.
ولكن هذا القول لم يمنع H. Wilson من أن يشير الى أن تقرير المصير قد اصبح بصدور هذين العهدين حقاً قانوني بالاضاقى الى كونه مبدأ سياسياً.
ومن ناحية أخرى فإن صدورهما لم يمنع بعض البلدان من إعطاء تفسير ضيق لمبدأ تقرير المصير فأدلت الهند مثلاً بالتفسير التالي عند مصادقها على العهدين " أن عبارة حق تقرير المصير الواردة في مواد العهدين تنطبق فقط على حالة الشعوب التي تكون تحت السيطرة الأجنبية ولا تنطبق على الدول المستقلة ذات السيادة. ولكن هذا التفسير الضيق لم يمنع الهند من اتخاذ موقف معارض له بل ويتنافض معه في قضية بنجلاديش التي دخلت الحرب بسبب تأييدها لانفصال بنجلاديش عن باكستان وهي دولة مستقلة,
وامام الغالبية الكبرى التي نظرت الى تقرير المصير على أنه حق ضروري للتمتع بحقوق الانسان ووجوب أن يتصدر مواد العهدين، تم في الأخير تبنيه فيهما وعلى هذا النحو تمت صياغته كحق مرتبط بحقوق الانسان.
5-في اعلان 1970 (القرار رقم 2625)
كان القصد من اتخاذ القرار الشهير رقم 2625 في 1970 الذي عنون ب "إعلان مبادىء القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة"، وقد عرف هذا لاعلان ب"إعلان 1970" إيضاح الإرادة والمبادىء التي تسعى الأمم المتحدة لتحقيقها.
ويعني النص الوارد في هذا الاعلان القائل "انه بموجب مبدأ الحقوق المتساوية وحق تقرير المصير للشعوب التي وردت في مبيثاق الأمم المتحدة فإن لجميع الشعوب ان تقرر بحرية وضعيتها ومركزها السياسي وفي الوقت ذاته فرض على جميع الدول التزاماً باحترام حق تقرير المصير طبقاً لميثاق الأمم المتحدة.
ويرى البعض من الفقهاء أن إعلان 1970 بسبب حصوله على الاجماع الدولي فإنه بهذا يكتسب صفة القاعدة الآمرة نطراً لكونه يعكس وجود قاعدة دولية أو ممارسة دولية وبالتالي يعد دليلاً على وجود عرف في الممارسة الدولية في هذا الشأن.
ونلاحظ أن تجارب معظم دول العالم عبر التاريخ تدل على تمسكها الشديد بوحدة أراضيها وبرفضها مبدأ حق تقرير المصير والانفصال بغض النظر عن كونها دول ديموقراطية أو غير ديموقراطية . ولكن كيف يمكننا أن ننكر أرادة الشعوب التي تمثل الأقلية في دولها، التي يمارس عليها الظلم والقهر من حقها في الحصول على مركز قانوني يحقق آمانيها أي المركز القانوني للدولة.
فالوضعية القانونية للدولة تسمح لتلك الأقليات بحماية هويتها الوطنية بصورة فعالة مبنية على تاريخها المشترك وثقافتها الوطنية ، اللذان يثيران فيها شعوراً جماعياً قوياً بالتضامن الوطني. فمركز الدولة هذا يوفر لهويتها الوطنية حماية فعالة جداُ من سياسة الدمج الثقافي الذي تمارسه بقسوة بالغة الاغلبية في تلك البلدان، بهدف القضاء على تلك الهوية .
وعادة تدعي الأغلبية في تلك البلدان ان الدعوة الى الاستقلال الوطني الذي تنشده الاقلية تنطوي على عدوان عليها، وهو الأمر الذي يستدعي التمييز والتفريق بين الوطنية التي تسعى الى تحرير شعبها من هيمنة الغير والوطنية التي تسعى الى السيطرة على شعوب الغير.
ففي الحقيقة فإن الوطنية التحررية تعكس إرادة شعب الأقلية بالاعتراف له بمركز الدولة الذي يوفر له حماية هويته الوطنية من تعدي الغير عليها، فهذه الوطنية تجسد حقاً إذن مبدأ المساوة بين الشعوب.
أما الوطنية العدوانية فتعكس إرادة الأغلبية في تلك الدول بتوسيع هويتها الذاتية بفرضها قهراًعلى شعوب الاقليات بقمع هويتها الوطنية المستقلة.
ويرى اورسكا مارفيك في "بيان لنطرية ديموقراطية عن إعادة التفكير في حق الانفصال" في رسالتة لنيل الدكتوراة التي قدمت في الجامعة الأوروبية المركزية قسم الفلسفة – بودابست، المجر في عام 2012.
Urska MARVIC “Rethinking the Right of Secession: A Democratic Theory Account" These de Doctorate Submitted to “Central European University”, Department of Philosophy, Budapest – Hungary, 2012
أنه منذ عدة قرون وجدت ظاهرة الانفصال في دول عديدة وأنها لا تبدو في سبيلها للتلاشي بدليل بروزها بشكل كبيرة تمثل بحدوث حوالي ستين نزاعاً انفصاليا في الفترة الممتدة من ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى 2012 وان نصفها لا يزال قيد الاستمرار ولم يجد بعد طريقه للحل.
ويخطأ مارفيك في رأينا بقولة أنه لم يجر قبل رسالته تلك التطرق للظاهرة الانفصالية بشكل مستقل لأن بحثها كان يتداخل مع بحث مواضيع أخرى، كبحث نظريات التاريخ الطبيعي في القرنين السادس عشر و السابع عشر الميلاديين التي تؤكد وجود نظرية سياسية مشتقة من الفئانون الطبيعي مبنية على فرضية وجود اتفاقيات بين الحكام والمحكوميين تنظم علاقاتهم التعاقدية المتبادلة.
ووجه الخطأ الذي وقع فيه مارفريك أن باحث جاد آخرهو الكسيس أهلاس سبقه في تطرقه لظاهرة الانفصال التي درسها بعمق ملحوظ في رسالته لنيل الدكتوراة من جامعة بانثيون - أساس (أي جامعة باريس الثانية) المعروفة باسم جامعة السوربون بعنوان " انفصال الدول" 2000 : منظمة الأمم المتحدة وانفصال الشعوب ( أي حق تقرير المصير) ووحدة الدول (أي مبدأ السلامة الإقليمية) بتاريخ 13 يناير 2000.
Etats”’ Alexis AHLAS ( � la separation d$ Etats � 2000 : Organisation des These de droit pr�sent�e et soutenue devant le Jury de l’universite Pantheon-Assas (Paris II) le 13 Janvier 2000.


وكيل وزارة العدل صنعاء سابقا 
كالجري – كندا