آخر تحديث :السبت - 27 أبريل 2024 - 03:46 ص

كتابات واقلام


التعليم مسؤولية الجميع

الجمعة - 15 مارس 2019 - الساعة 12:04 ص

د.توفيق سريع باسردة
بقلم: د.توفيق سريع باسردة - ارشيف الكاتب


أتخذت وزارة التربية والتعليم في حكومة الشرعية قرارا ألغت بموجبه الإمتحان الوزاري للصف التاسع من التعليم الأساسي وجعلته إمتحانا داخليا لكل مدرسة على حده كباقي السنوات الأخرى .. وهذا الإمتحان (الوزاري) مهم من الناحية النفسية للتلاميذ كون الأسئلة تأتي من خارج البيئة التي تعودوا عليها خلال 9 سنوات، كما أنه يعد مؤشرا هاما على فاعلية العملية التعليمة من مدرسة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، والأمر الآخر أن التلميذ يشعر بأهمية الإنتقال من مرحلة دراسية إلى آخرى.
جاء قرار الوزارة فيما يتم تداوله من مبررات ليصب في منع تكرار ظاهرة الغش ولكون الإمتحان الوزاري ليس تقييما حقيقيا للمرحلة الأساسية.
ولكن لم ينظر عند إتخاذ هكذا قرار يمس الأجيال إلى الآثار السلبية التي سيحدثها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: إن تقسيم العملية التعليمية إلى مراحل دراسية لم يكن أعتباطا أو مزاجية بل جاء لمراعاة الجانب النفسي والسيكلوجي وتعزيز التنافس الإبداعي لدى التلاميذ، فكان الخطأ في الجنوب سابقا بدمج التعليم الابتدائي والإعدادي في مرحلة واحدة من ثمان سنوات تسمى المرحلة الموحدة وإضافة سنة للتعليم الثانوي، ثم تحول بعد الوحدة إلى المرحلة الأساسية من تسع سنوات وهي طويلة على التلاميذ كمرحلة واحدة. وأخيرا جاء قرار الوزارة بإلغاء الإمتحان الوزاري للصف التاسع اعتبارا من العام الحالي 2018/2019 ليزيد الطين بلة وينمي الشعور لدى التلاميذ أن لافرق بين مرحلة التعليم الأساسي والثانوي عداء في المسمى، فيصبح الصف الأول ثانوي بدلا من الصف العاشر وهكذا، وسينظر له كمرحلة واحدة طويلة جدا ومملة تتكون من أثني عشر سنة وهذا له آثاره النفسية والسيكلوجية في تلقي المعارف وبناء القدرات الإبداعية لدى التلاميذ.. وسيرى التلميذ أن شهادة الصف التاسع هي تحصيل حاصل لعملية حسابية تقوم بها الوزارة ولا تعني له الكثير، فيما يرى أن دوره هو نفس الدور الذي مارسه في السنوات الثمان السابقة.
ثانيا: إن القول بأن هذا القرار سوف يساعد على إلغاء ظاهرة الغش أو التقليل منها على الأقل، ربما هو قولا غير واقعيا،
فهو قد يقلل من تكاليف إعداد أسئلة الوزاري وطباعتها وتوزيعها ومراقبة الإمتحانات وتصحيحها ورصد الدرجات.. لكن ربما تكون نتائجه أكثر خطرا على العملية التعليمية بتوسع ظاهرة الغش والتغشيش والتعديل للدرجات وربما التزوير في الثلاث السنوات الأخيرة (السابع والثامن والتاسع) بحجة رفع معدل تلاميذ المدرسة في شهادة التعليم الأساسي، وخصوصا في ظل دور للوزارة أقل مايطلق عليه غير فعال. فعند العجز عن القضاء على تسريب أسئلة الإمتحانات الوزارية في حلقة مغلقة تمتد من معدي الأسئلة إلى موزعيها على التلاميذ يوم الإمتحان، وعند العجز عن مكافحة ظاهرة الغش في مراكز إمتحانية محدودة وفترة زمنية محدودة.. لا يكمن القول بأنه سيتم السيطرة على سنوات دراسية متعددة في مدارس متعددة.
ثالثا: الإمتحان الوزاري الموحد المنضبط والمسيطر عليه، يعد موشرا هاما ومرشدا يحدد الإتجاه العام للعملية التعليمية من المدرسة مرورا بالمديرية والمحافظة وصولا للعملية التعليمية على مستوى البلد بشكل عام، بما يكشف لمتخذي القرار نقاط القوة والضعف عند تقييم إستراتيجية التعليم على مستوى المناطق الجغرافية. وكلما كانت مركزية الإمتحان أعلى كلما كان التقييم أشمل، ولكن قرار الوزارة الأخير يجعل الامتحانات داخلية لكل مدرسة وليس لكل محافظة أو حتى مديرية. وهنا لانستطيع أن نحكم أيها الأفضل هل التعليم مثلا في مدرسة أساسية في كريتر عدن؟ أم في حديبو سقطرى؟ أم في حوف المهرة؟ خصوصا إذا كان معدل التلاميذ واحدا.
رابعا: إذا كان الإمتحان الوزاري للصف التاسع لم يعد موشرا حقيقا للمرحلة الأساسية -وهذا يبدو صحيحا- فتصحيح هذا الأمر ليس بإلغاء الإمتحان الوزاري، بل للبحث عن حلول أخرى ناجعة لا تمس سلامة العملية التعليمية ولا تحدث آثارا سلبية على المدى القريب والبعيد.. فلماذا لم تعطى مثلا نسبة 50% أو 40% للإمتحان الوزاري في شهادة التعليم الأساسي وباقي النسبة تستخرج من محصلة التلاميذ في الصف الثامن والسابع؟ وحتى هذا الحل يكون مجرد رأيا شخصيا أو رأي خبير أو رأي شخص مسؤول أو غيره.. والذي لا ينبغي اعتماده إلا وفقا لدراسات موثوقة لأن الأمر يمس مستقبل الأجيال القادمة صناع المستقبل للبلد.
وهنا ندعو لإقامة مؤتمرا علميا شاملا للتعليم يحدد معالم واضحة لإستراتيجية وهيكل التعلم في البلد يتضمن تحديد المراحل الدراسية وكيفية الإنتقال بينها، وتحديث المناهج الدراسية التي تواكب التطورات المتسارعة وتنمي وتصون قيم التلاميذ عقائديا ومعرفيا وسلوكيا وبيئيا.. كما ينبغي من خلال هذه التظاهرة العلمية الوقوف على إيجابيات وسلبيات الفترات السابقة وتجارب الآخرين الناجحة، وكذا تحديد الثوابت التي لا ينبغي المساس بها إلا بدراسات ومبررات علمية ومنطقية وأن التغيير يجب أن يكون للأفضل على المدى القريب والبعيد.
فالتعليم مسؤولية الجميع فنجاحه نجاة للجميع وفشله غرق للجميع.

*د. توفيق سريع باسردة
أستاذ إدارة الأعمال المشارك - جامعة عدن وعميد كلية العلوم الإدارية الأسبق.
14 مارس 2019م.