آخر تحديث :الثلاثاء - 23 أبريل 2024 - 10:32 م

كتابات واقلام


المجلس الانتقالي وهندسة مشروع التسوية والسلام

الخميس - 28 مارس 2019 - الساعة 11:53 م

قاسم داؤود
بقلم: قاسم داؤود - ارشيف الكاتب


سبق أن تناول العديد من الكتاب والمحللين والمهتمين وبقدر من الاهتمام والتفصيل أبعاد ودلالات زيارات قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى كل من لندن وموسكو، تلبية لدعوات رسمية من مجلس العموم البريطاني (البرلمان) والخارجية الروسية، كما تناولوا أهمية هاتين الزيارتين، وبما تمثله وتعكسه أكان بالنسبة للجنوب أو للعملية السياسية والجهود الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى ما رشح من نتائج للزيارتين، وما سوف يتبعها ويبنى على أساسها. 


وهي أمور أعتقد أن كل الأطراف قد استوعبتها وأدركتها بغض النظر عن مدى اتفاقها أو اختلافها مع الانتقالي، ومع توجهات القيادتين في البلدين (بريطانيا وروسيا)، وهي قضايا مستجدات هامة تناولها غيري، ولا أكرر ما سبقوني إليه، كما لا أود الخوض في أمور هامشية وتفاصيل لا معنى ولا أهمية لها، وإنما الإشارة ولفت الانتباه لمسألة أعتبرها جوهرية وذا معنى، وتعبر عن مصالح وتطلعات الكل، وتستهدف نجاح العملية السياسية التفاوضية وبلوغ أهدافها العامة، وتتمثل في الرؤية التي حملها معه وفد الانتقالي إلى العاصمتين (لندن وموسكو)، والتي جرى الإشارة لمضمونها وخطوطها العامة وعناصرها في تصريح سابق للناطق الرسمي باسم الانتقالي، وفي أحاديث وتصريحات رئيس المجلس، اللواء عيدروس الزُبيدي خلال الزيارتين..


يعتبر الانتقالي أول طرف يتقدم بمشروع متكامل للتسوية، وهذا ما يحسب له، كما أن رؤيته، ومن خلال ما قيل حولها بلسان قادة المجلس، تعتبر أول رؤية متكاملة، التي استهدفت تحقيق تسوية شاملة وحلول لكل القضايا والأزمات وفي مقدمتها القضية الجنوبية، وبمشاركة كل الأطراف الرئيسة، كما اتسمت بالواقعية والمرونة والشمول، واشتملت على تحديد للخطوات والإجراءات والتوقيتات والضمانات وغيرها.


تشكل رؤية الانتقالي أساساً لعملية سياسية تفاوضية متكافئة ومتوازنة في مرجعياتها وأسسها، وما يعد ضرورياً لنجاحها من  رؤية للحلول والعلاقات المستقبلية، تتبنى الرؤية الدعوة إلى وقف الحرب، وتنفيذ الاتفاقات الموقعة، والتوجه لمعالجة القضايا والأزمات الإنسانية، والنهوض بالخدمات العامة، وتحسين معيشة الناس، وذلك بعدل وإنصاف، ووفقاً لأولويات، ودون انتقاء أو تمييز، وتعزيز دور الإدارات المحلية، والإقرار بحق الجنوب في إدارة شؤونه كاملة اعتماداً على قواه ومؤسساته، وبدعم الأشقاء والمجتمع الدولي، وكذلك الحال بالنسبة للشمال، ووجود إدارة عليا مشتركة في المرحلة الانتقالية التي يمكن البحث فيها والتوافق على إجراءاتها وترتيباتها ومهامها، التي يجب أن تكون قصيرة، ومحددة زمنياً، وأن تتأسس على إجراءات وترتيبات استثنائية ومؤقتة يتم اعتمادها على قاعدة التوافق، ولا تكتسب أو تضطلع بأي من قضايا وإجراءات الوضع الدائم، ومن مهامها تهيئة ظروف مواتية للمفاوضات.


في ذات الوضع تدخل الأطراف في عملية المفاوضات بعد التوافق على مرجعياتها وأسسها وضماناتها وغيرها. 

ومن الطبيعي أن تكون رؤية الانتقالي قد تطرقت للحلول والتسويات التي يتبناها، وتعكس تطلعات شعب الجنوب في استعادة حريته وسيادته وحقه في قيام دولته المستقلة على حدود مايو 1990، وتصورات للعلاقات المستقبلية بين الدولتين، والقضايا المشتركة التي تحتاج للبحث والتسوية، وهي تصورات مبتكرة وعصرية، تستجيب لأهداف عامة ينشدها الجميع، وفي مقدمتها إنهاء الحرب وإحلال السلام، والتعايش والتعاون والتفرق للتنمية ومتطلبات المستقبل، كما تعتبر خالية من أي تأثير للأيديولوجيات الشعران والمشاريع الشمولية والمتطرفة، التي سقطت وباتت من الماضي، ومن النزعات المحلقة فوق الواقع، والتي لا تمتلك أية حظوظ أو فرص للنجاح، ولن تجلب غير حروب لا أول لها ولا آخر.


كما تكمن أهمية الرؤية في أنها تجنب الكل من الوقوع في أخطاء الماضي بما نتج عنها من كوارث، لا يمكن لها أن تحدث ثانية، بما فيها سياسيات التجريب، وإرضاء بعض مراكز القوى والخضوع لمطالبها وابتزازها، أو تبني منهج الحلول الجزئية والصفقات الفوقية بين أطراف وقوى بعينها، كالذي يطرح بتلميح من توجه لإعادة بناء السلطة المركزية، ومن أي قوى باعتبارها أولوية، وترك بقية القضايا للزمن، أو فرض أمر واقع بالقفز إلى قضايا الوضع الدائم مثل الاستفتاء على الدستور، أو تشكيل حكومة مركزية، أو إجراء انتخابات، وذلك قبل التفاوض والتوصل إلى حل للقضية الجنوبية، أن مثل هذا التوجه إن قدر له وحصل، كما كان حال مشروع الستة الأقاليم في مؤتمر الحوار، سوف يتعامل معها الجنوب على أنها تمهيد لحرب ثالثة عليه. الواقع يبرهن على أن القضية الجنوبية هي الأساس، والجوهرية، والتي ينبغي أن تتصدر جدول المفاوضات الثنائية، والكل يدرك أن انقلاب سبتمبر 2014 ما كان له أن يحصل إلا لكونه ضرورة لإعلان وشن الحرب على الجنوب، حيث استهدف القادة الجنوبيون في الدولة، وفعلاً فقد تم، مساء 21 فبراير 2015 وبلسان عبدالملك الحوثي، إعلان الحرب الشاملة على الجنوب، وهي حقيقة يتجاهلها الجميع..


إن من واجب كل الأطراف تأييد ودعم رؤية الانتقالي والحوار الموضوعي حولها، باعتبارها أساساً يتضمن مشتركات عدة وأساسية، وكون البديل لها هو الفراق والفشل وضياع الوقت والفرص السانحة، وفي الأول والأخير ستظل رؤية المجلس الانتقالي الجنوبي..