آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 03:18 ص

كتابات واقلام


الجنوب: الأمر الواقع ومخرجات الحوار

الجمعة - 29 مارس 2019 - الساعة 11:36 م

خالد لقمان
بقلم: خالد لقمان - ارشيف الكاتب


بموجب إتفاقية الانتقال السياسي للسلطة التي توسط فيها مجلس التعاون الخليجي وأشرف عليها مجلس الأمن الدولي تحت إسم "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية"، تقرر أن تشرف الحكومة الانتقالية اليمنية، المكونة مناصفة من أعضاء في الحزب الحاكم السابق ومن أحزاب المعارضة، على الحوار الوطني، وعلى إعادة هيكلة الجيش اليمني، وعلى صياغة دستور جديد لليمن، وعلى العدالة الانتقالية، وعلى إصلاحات انتخابية تؤدي إلى انتخابات عامة في فبراير 2014.

وكما هو معلن في المبادرة الخليجية فأن من مبادئها الأساسية أن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الإنزلاق للفوضى والعنف ضمن توافق وطني. وأن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسياً وأمنياً. وأن يقر مجلس النواب، بما فيه المعارضة, القوانين التي تمنح الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس علي عبدالله صالح ومن عملوا معه خلال فترة حكمه. وأن يشكل الرئيس الجديد لجنة دستورية للإشراف على إعداد دستور جديد يعرض لاحقاً لإستفتاء شعبي.

يُفترض من هذه الخلفية أن الوضع السياسي القائم اليوم هو نتاج المبادرة الخليجية. لكن, بالنتيجة, وبعد مرور ثمان سنوات, ما تحقق من المبادرة, هو إنتقال (شباب) الحوار الوطني إلى وظائف قيادية في منظومة حكم الرئيس هادي دون توفر شروط الكفاءة والخبرة. ما تحقق هو إنتخابات رئاسية لم ينافس فيها أحد الرئيس هادي وتوقف الزمن بعدها. ما تحقق منها أن علي محسن الأحمر, الركن الأساسي في نظام صالح أصبح نائب الرئيس هادي ومتحكماً في إحدى الغرفتين التي تسيطران على قرارات هادي. وأنزلقت اليمن نحو حرب شاملة.

منذ البداية, وعلى مستوى القوى الأكثر تأثيراً على الساحة السياسية والعسكرية اليمنية فقد رفض الحوثيين المبادرة ونسفوها بإختطافهم أحمد بن مبارك وإيقاف عملية تسليم مسودة الدستور التي نصت المبادرة الخليجية على صياغته والإستفتاء عليه. وأما شظايا التجمع اليمني للإصلاح – الإخوان المسلمين- فهم بين رافض لمبدأ الحصانة كمجموعة تركيا وبين متمسك بالمبادرة تمسكاً بالبقاء كفرع مأرب. وبين رافض لمخرجات الحوار (الفيدرالية) كتيار الزنداني. وأحتفظ المؤتمر بموقف هلامي حتى اللحظة.

تغير الوضع على الأرض عام 2014, وبتغيير الوضع على الأرض وقع الحوثيين مع الرئيس هادي (إتفاقية السلم والشراكة) التي تجاوزت المبادرة الخليجية في العديد من النقاط, منها مثلأُ الإتفاق على تشكيل حكومة كفاءات لا حكومة شراكة - مناصفة. وأن يعين -هادي- مستشارين سياسيين من الحوثيين والحراك الجنوبي. ويحدد رئيس الجمهورية مهام مستشاريه السياسيين وصلاحياتهم. وأن يضع المستشارون السياسيون لرئيس الجمهورية معايير المرشحين للمناصب في الحكومة الجديدة.

اليوم, إلى جانب عدم تنفيذ معظم نقاط المبادرة الخليجية (المناصفة والدستور مثلاً) وإلى جانب عدم تحقيق هدفها الأهم والأكبر وهو منع العنف وإنزلاق اليمن نحو الحرب. وإلى جانب حدوث تغييرات تفقد المبادرة الخليجية جزء كبير من مسبباتها وأهميتها (قتل صالح الذي منحته المبادرة الحصانة من مجرد المحاكمة) فأن هناك تغييرات كبيرة على الوضع على الأرض, خصوصاً في الجنوب, الجنوب الذي كان من المواضيع الملتهبة في الحوار الوطني الناتج عن المبادرة الخليجية.

كانت فكرة الأقاليم الستة التي نتجت عن الحوار الوطني الذي نتج بدوره عن المبادرة الخليجية محاولة لأيقاف / للإلتفاف / للتخفيف من مطالب الجنوبيين التي تراوحت حينها بين الإنفصال وبين دولة من إقليمين. لم تتحق معظم نقاط المبادرة الخليجية, حصلت الحرب وقُتل صالح. لم تتحقق معظم مخرجات الحوار الوطني وتم تجاوزه في إتفاق السلم والشراكة. وتمكن الجنوبيين من السلاح والأرض وضمنوا للمرة الأولى منذ إنتهاء 1994 موقف إقليمي بين داعم ومتفهم.

هل المطلوب من الجنوبيين اليوم الإلتزام بالمبادرة الخليجية التي تم تعديلها تحت ضغط الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأصبحت تُعرف بالمبادرة الخليجية المعدلة؟ والتي تم تجاوزها مرة أخرى بإتفاقية السلم والشراكة تحت ضغط الحوثيين اللذين أمتنعوا هم أنفسهم عن توقيع الجانب الأمني من إتفاق السلم والشراكة المتجاوز أصلاً للمبادرة الخليجية؟ هل على الجنوبيين مثلاً الإلتزام بمنح الحصانة لعلي عبدالله صالح الذي أنقلب هو نفسه على المبادرة الخليجية ثم أعدمه الحوثيين؟

هل على الجنوبيين اليوم الإلتزام بالفيدرالية التي يرفضها رئيس شورى التجمع اليمني للإصلاح. ماذا تبقى من مخرجات الحوار الوطني غير مجموعة شباب قفزوا من صالات الحوار إلى وظائف قيادية في منظومة حكم الرئيس هادي في الرياض وعدن وعواصم العالم ؟ هل تمت هيكلة الجيش فعلاً أم أن علي محسن الأحمر – حسب السفير الأمريكي- رفض مجرد تسليم الرواتب بشكل إلكتروني؟ هل الأوضاع السياسية والعسكرية اليوم على خارطة اليمن تشبه تلك التي سبقت أوضاع ما قبل المبادرة الخليجية؟

جاءت المبادرة الخليجية كمحاولة محمودة من دول الخليج العربي وبمباركة أممية ومن القوى العظمى لمنع إندلاع الحرب في اليمن, لم تكن الحرب لصالح أحد, ليست لصالح اليمنيين ولا لصالح دول الخليج العربي, المملكة العربية السعودية خصوصاً. جاءت المبادرة لمنح الحصانة لعلي عبدالله صالح حتى لا يدخل في حرب جنونية إنتقامية كتلك التي دخلها بشار الأسد ومعمر القذافي. جاءت المبادرة الخليجية لمنع تقسيم اليمن, وهو اليوم مقسم بين الحوثيين والجنوبيين والإخوان المسلمين.

يتعامل العالم والأمم المتحدة, والقوى العظمى, مع الأمر الواقع لا مع الكلام والمجلدات والملفات الورقية. لم يعد هناك ما يلزم الجنوبيين بمخرجات الحوار الوطني التي رفضوها منذ البداية, مخرجات حاولت الإلتفاف على مطالبهم (راجع تسريب مكالمة بن مبارك مع الرئيس هادي). يسيطر الجنوبيين اليوم على معظم أراضيهم, ويتواجدون خارج أراضيهم أيضاً, يمتلكون قوة عسكرية لم تتوفر لهم منذ 1994, وحصلوا على دعم دولة إقليمية مؤثرة بعد أن كانوا لا يُذكرون حتى في شريط أخبار القنوات الفضائية.

ستتجاوز القضية الجنوبية كل الحبر والأوراق والمجلدات تحت تأثير الأمر الواقع. كما تجاوزت المبادرة الخليجية المعدلة المبادرة الخليجية الأصلية, وكما تجاوزت أتفاقية السلم والشراكة كلاً من المبادرة الخليجية المعدلة ومخرجات الحوار الوطني, وكما تجاوزت حوارات منظومة حكم الرئيس هادي مع الحوثيين (سلطات الأمر الواقع) في الكويت والسويد كل ماسبقها من مبادرات وإتفاقيات, وكما تعاملت مفاوضات وضع ميناء الحديدة مع أمر واقع على الأرض متجاوزة كل ما سبقها.