آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 10:28 ص

كتابات واقلام


الرقصة الأخيرة للبشير

الجمعة - 12 أبريل 2019 - الساعة 01:34 م

محمد علي محسن
بقلم: محمد علي محسن - ارشيف الكاتب


في كل مرة اعتاد الرئيس السوداني المشير عمر البشير أن يرقص بعصاه أمام أنصاره ، فكلما زادت اصوات مناوئيه أخذ عصاه وبدأ برقصته التي برع بها زمناً .
الاسبوع الفائت كان الرجل ادى رقصته دونما يعلم أنها الأخيرة ، فها هو رهن الاعتقال ومن اقرب رجاله المخلصين الذي أتقن فن الخداع والتضليل معلناً للجماهير الثائرة الإطاحة برئيسه والتحفظ عليه في مكان آمن ..

إنَّه ذات السيناريو الذي شاهدناه في كافة الحالات العربية السابقة ، بدءاً بإعلان رئيس الحكومة التونسية القصيرة الأجل والذي حاول جاهداً تقديم نفسه كوريث شرعي لحاكم قصر قرطاج الفار لتوه ، مروراً بالمجلس العسكري المصري المطيح برئيسه استجابة لضغط وتطور الشارع المصري ، لكنه ظل مراوغاً ومخاتلاً لتطلعات الثورة الشعبية العارمة ، فلم يكن في حقيقة الأمر جسراً يفضي لدولة مدنية ديمقراطية ..
والحال ينطبق على ثورتي اليمن وليبيا ، فبرغم أن ثورة ١٧ فبراير في ليبيا حسمت المسألة عسكريا ، إذ قدر لها الوصول لرأس النظام واغتياله وبشكل دراماتيكي مهين ؛ لكنها اصطدمت بإرث مثقل بالتبعية والعصبية وبالتدخلات الإقليمية والخارجية ، فهذه مجتمعه أدخلت الثورة الليبية في صراعات داخلية وائدة لأحلام وتطلعات ونضالات الشعب الليبي ..
ولا يخفى عليكم هنا في هذه البلاد " اليمن " فبرغم أن الثورة الشعبية خلقت ظروفا موضوعية وذاتية مختلفة كلياً عن أي مرحلة تاريخية ؛ كانت الكلمة الفصل في المنتهى للقوى العسكرية والقبلية المهيمنة على مجريات الأحداث .
ما يعني أن رجال نظام صالح ، وبما لديهم من إمكانيات وامكانيات وعلاقات ، نجحوا في تحويل مسار الثورة الشعبية ، فمن اسقاط النظام ورموزه الفاسدين إلى عزل رئيسه شكلياً والاحتفاظ بكل أدواته وقوته ، بل والاسوأ أنه حصل وأتباعه على حصانة من اي مساءلة أو محاسبة ..
في المحصلة النهائية كانت الحرب نتيجة طبيعية لهذا الانحراف الخطير في مسار الثورة اليمنية ، ولعل ما حدث خلال الأعوام الماضية لهو دليل قاطع على الخطأ الفادح الذي أفضى لتغيير شكلي في اسم الحاكم الانتقالي ، بينما بقي النظام السابق حاضرا وفاعلا ومؤثراً في الحالة اليمنية المتعثرة .
فمنذ الإعلان عن التسوية السياسية في الرياض ، وما تلاها من خطوات أجرائية ، فكل هذه الأشياء يحسب لها أعادت النظام ورموزه وبشكل فج وفاضح ، ولعل الحديث اليوم عن برلمان ورئيسه لخير شاهد ودليل على معضلة الحالة اليمنية ، وكيف أن التغيير الثوري تم الالتفاف عليه وافراغه من مضامينه الوطنية الجمعية .
الجزائر وثورتها في خضم نظري واحتجاجي رغم تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقه وإعلان المجلس الدستوري بشغور منصب رئيس الجمهورية ، فما هو معروف للقاصي والداني أن الرئيس بات معاقاً بدنيا وربما ذهنيا ، ومع ذلك ابى الضباط الكبار المسيطرون على جمهورية الجزائر في الوقت الحاضر الَّا ان يستمروا في السلطة ولو بشخص مقعد ومعاق كلياً ، انها ذات اللعبة التي اتقنها جنرالات الجزائر ومنذ تحرير البلاد من الفرنسيين مطلع الستينات .

وعندما خاب رجائهم بولاية خامسة ، أراد هؤلاء الانتقال إلى صف مناوئي الحكم الذي كانوا هم رموزه ومازالوا يستحكمون به ، وهذه لعمري مفارقة عجيبة وغريبة ولا تقتصر على الجزائر لوحدها وانما رأيناه في مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا والسودان ..

وما يحدث الان في الجزائر يكاد نسخة طبق الأصل من حالات عربية مماثلة ، فبرغم تسمية المجلس الدستوري للواء عبد القادر بن صالح رئيساً مؤقتاً للبلاد ولحين انتخاب رئيس جديد ؛ مازال الجزائريون في الساحات الاحتجاجية ، فهم لا يثقون بكافة رموز النظام ، خشية من سرقة ثورتهم مثلما حصل لثورات عربية مماثلة .
والأمر يتكرر في السودان ، فبعد قرابة أربعة أشهر على انتفاضتهم السلمية ، وبعد اسبوع فقط على اعتصامهم المفتوح ؛ تم الإعلان عصر أمس الخميس ١١ ابريل عن الإطاحة برئيس النظام المشير عمر البشير والتحفظ عليه في مكان آمن ، وحل البرلمان والحكومات المركزية والمحلية ، وكذا تعليق العمل بدستور ٢٠٠٥م وإطلاق كافة المعتقلين السياسيين ، وفرض حالة الطوارئ ، وبتشكيل مجلس عسكري يتولى السلطة لفترة عامين قادمين لحين إقرار دستور رئيس جديدين .

لكن المشكلة أن الحاكم العسكري الجديد هو وزير الدفاع الفريق عوض بن عوف ،نائب البشير المخلص وأحد أبرز رموزه المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية ، وهذا هو جوهر ازمة الثورة السودانية .
ما يعني أن الشعب السوداني خلص من البشير الذي حكمه دام ثلاثة عقود كاملة ليأتي بنائبه .
ومثلما يقال بلهجة اليمنيين : ديمة وقلبنا بابها " وهذا بالضبط ما لا يرضاه الشعب السوداني الشقيق المطالب بدولة مدنية حديثة يسودها الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية ..

محمد علي محسن