آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 04:40 ص

كتابات واقلام


ملثمو المكلا و «طوارق» إبراهيم الكوني

الخميس - 31 مارس 2016 - الساعة 12:24 م

عمار باطويل
بقلم: عمار باطويل - ارشيف الكاتب


تسلل الملثمون إلى تلك المدينة القابعة على أحضان البحر العربي، التي أستقبلتهم ببيوتها البيضاء التي تشبة وجة القمر. فبياض مبانيها يرمز إلى النقاء، السلام، والطهارة. لم يخلد في بال الناس البسطاء أصحاب النكتة الساحرة والوجوه الوديعة في تلك المدينة أن مدينتهم الهادئة والساكنة بالقرب من أمواج البحر العربي، سيتسلل إليها ذات ليلة أشخاص مجهولين الهوية وسيمارسون كل أنواع التخلف، والسقوط الأخلاقي في مدينة الأخلاق. أعمالهم وتصرفاتهم تشبه لصوص المافيا العالمية الذين يعيشون بأسماء مزورة غير أسمائهم التي أعطيت لهم أثناء ولادتهم. كان تسللهم لتلك المدينة في ليلة حالكة، لم يرصدهم أحد إلا الجنود الذين سلموهم مفتاح المدينة وأسرارها وانسحبوا خارج أسوارها لتصبح المدينة تحت سيطرة الملثمين الجدد. أعتقد البعض من سكان المدينة بأنهم الطوارق الذين يعيشون في القارة المجاورة للجزيرة العربية والذين يطرقون الصحراء بجمالهم وقوافلهم سعياً لحياة كريمة، مشرقة، وناصعة كتاريخهم. وذهب التخمين لدى البعض في بداية الأمر أن عادات هؤلاء القادمين الجدد تشبه عادات قبائل الطوارق الأمازيغية الأصيلة التي تتقارب عاداتهم من عادات أخوانهم العرب، ولكن العكس هو الذي كان، فاللثام كان مشابهاً للطوارق، ولكن الأفعال لا تمت بأي صلة لرجال الصحراء النبلاء. يرصد الإنسان المعتاد على الحياة الطبيعية بأن تحركات الملثمين الجدد يشوبها الريبة والشك، وهم يجيبون شوارع مدينة المكلا حاملين على أكتافهم بنادقهم يدعون الناس إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مدينة مسلمة شهدت موانئها هجرات متعددة إلى أصقاع الأرض سعياً للرزق ولله في إندونيسيا وشرق أفريقيا وكانوا دعاة إلى دين الهدى بالموعظة الحسنة، ولم تكن دعواتهم بصوت الكلاشنكوف، أو الضرب بالهراوت، ولم يحجبوا وجوههم بتلاثيم، بل كانوا أصحاب هوية معروفة، ولذلك الوضوح والنقاء لبى دعائهم الكثير من الناس ودخلوا في دين الله أفواجا. مسرحية هزلية ما يقوم به الملثمون الجدد في مدينة السلام ، يدعون الناس إلى الإسلام في النهار وفي الليل يقومون بنهب كل ما يقع في أيديهم من سيارات، بيوت، وأموال الناس المودعة في البنوك تحت مبررات سخيفة لا يقتنع به الإنسان الواعي . يزداد عدد هؤلاء الملثمون الجدد في شوارع المكلا ولهم أتباع ممن قل عقلهم ووعيهم، وممن يحمل سيرة ذاتية غير أخلاقية، والبعض أتبعهم ليس حباً لهم بل يريد أن يكمل مشروعة غير الأخلاقي في ممارسة النصب مع هؤلاء الذين يمارسون اللصوصية بأشكال مختلفة. أفعال الملثمون الجدد في مدينة المكلا لا تشبه أفعال الطوارق المثلمين الذين يجيبون الصحراء بقوافلهم، وصبرهم على قسوة الحياة. لن يجد القارئ في أعمال إبراهيم الكوني الأدبية شبه بين الطوارق، والملثمين الجدد في مدينة المكلا، وسوف يجد فوارق كبيرة جدا، وسيجد أن الملثمين الطوارق في رواية "التبر" و"المجوس" يسعون إلى الحياة، والحكمة المرافقة لهم يتعلمون أسرار الصحراء ولغتها في التعامل مع الكون وإيقاعات الحياة المختلفة. يرفضون الوقوع في العار، وأن وقع أحدهم وخرج عن عاداتهم الأصيلة يجد صوت من تلك الأصوات الحرة التي لا تريد أن يستمر العار والخطأ وهذا الصوت شبيه للصوت المتجلي بحكمته في رواية "المجوس". الذي يرفض العار والوقوع فيه "لست أنا من فعل العار. أنت من أرتكب العار ثلاث مرات: أمام الله، وأمام عصفور النور، وأمام القبيلة. أنت مجلل بالعار إلى الأبد". واستنكار الوقوع في العار هو صوت الفطرة لكل البشر، ومن هؤلاء رجال الطوارق. أما الملثمون الجدد أي عار ارتكبوه في حق تلك المدينة وأهلها؟!. فقد أكتشف الناس أمرهم في مدينة المكلا فوجدوا أن لا حكمة ترافقهم، فهم يتخفون عن أنظار الناس وملامح وجوهم غير معروفة ولا يعلم أحد من أي أرض أتوا. كاتب وروائي