آخر تحديث :الجمعة - 26 أبريل 2024 - 12:08 ص

كتابات واقلام


محنة الأقلية الجنوبية

الجمعة - 21 يونيو 2019 - الساعة 04:05 م

د. عيدروس نصر ناصر
بقلم: د. عيدروس نصر ناصر - ارشيف الكاتب


منذ العام ١٩٩٠م وبمجرد إعلان بيان ٢٢ مايو الذي نص على دمج الدولتين (اليمن الديمقراطية) و(العربية اليمنية) في دولة واحدة جرى إعلانها عن طريق الكلفتة المستعجلة، وجد الجنوبيون أنفسهم وبصورةٍ مفاجئة أقلية هامشية لا تستطيع الإسهام الإيجابي في اي حدث ذي شأن يتعلق بالمستقبل مهما صغر شأنه.
لن أتحدث عن التفاوت بين الدولتين في مستوى المعيشة ومستوى الخدمات ومستوى التعاطي مع النظام والقانون ومستوى الحياة المؤسسية ولا عن التباين بين الثقافتين والعادات والتقاليد، لكنني سأتطرق فقط ألى جوانب تصنع المعضلة التاريخية للجنوب والجنوبيين وهي معضلة الأقلية الجنوبية، من خلال المؤشرات التالية
* دخل الجنوبيون مشروع العام 1990م بدولة متكاملة الأركان، جيشاً وجهازا إداريا، وقضائيا وبرلمانا يتكون من 111 عضوا (منهم 11 إمرأة) وجرت إضافة 30 عضوا إلى حصة الجنوب من البرلمانيين المعينين بقرار من مجلس الرئاسة لاستكمال العدد الذي نص عليه الدستور، وكان لدى الجنوب نصف مجلس الوزراء، وحظي الجنوب بعضوين في مجلس الرئاسة منهما نائب رئيس الجمهورية وبرئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب .
وبسبب الأقلية السكانية انخفظت حصة الجنوب من النصف عام ١٩٩٠م إلى 56 عضواً (السدس) في انتخابات ١٩٩٣م، مقابل 245 للأشقاء في الشمال، وكانت هذه واحدة من المنتجات القاتلة للشراكة الجنوبية، فالجنوب أقلية ولا يحق له مناقشة لماذا تضاءل دوره في المساهمة في صناعة القرار.
* وتبعا لهذا المتغير تغيرت حصة الجنوب في مجلس الوزراء وفي الوظيفة الحكومية وفي السلك القضائي والدبلوماسي، وتلى ذلك تقلص حصة الجنوب في الكليات العسكرية والأمنية والمعاهد المتخصصة، وما شابه ذلك، وطبعا جاء هذا في ظل الإعداد والتحضير للجريمة الأكبر وهي حرب الغزو والاحتلال في العام التالي لتلك الانتخابات.
* وهكذا لم تكن هذه المتغيرات القاتلة هي الوحيدة التي نتجت عن ثنائية الأقلية الجنوبية والأغلبية الشمالية، بل تبعتها المتغيرات الأكثر تدميرا.
فعندما نشبت حرب 1994م على الجنوب كان التحريض يقوم على حرب المسلمين الوحدويين (الأكثرية) على الكفار الانفصاليين (الأقلية) ، ولأن "الكثرة غلبت الشجاعة" كما يقول المثل العربي، فقد سخرت قصة الأغلبية لسحق الجنوب واجتياحه واستباحة كل ما فيه، ونتج كلّما نتج عن هذه الاستباحة من الحجر إلى البشر مما لا يحتاج إلى شرح وتفصيل.
* أما ما بعد الحرب فهذه قصة يعلمها كل جنوبي ممن قاسوا من الازدراء والتحقير والمعاملة الدونية وفقدان كل أسباب ومقومات الحياة، حيث حاول الأشقاء المنتصرون تطويع الجنوب للعادات والتقاليد والثقافة والسلوك والأخلاقيات التي اصطحبوها معهم، وتمت إعادة الجنوب مئات السنين إلى الوراء، وأصبح ما بناه الجنوبيون على مدى ما يقارب قرنين من الزمان محل حرب ونهب وسلب وتدمير وتهميش واستئصال.
ولأن القيم الأصيلة المزروعة في أعماق النفوس كالمخلوقات الحية تقاوم الاندثار وتتمسك بأسباب الوجود، فقد بقيت مقومات الهوية الجنوبية كامنة في الوجدان، وصحيح أن استعادة بعثها وتحويلها إلى حالة يومية تحتاج إلى زمن طويل لكنها لم تندثر ولن تندثر مهما بذل المحاولون، وهي التي أبت الاندثار في ذروة الانكسار وعز تشامخ واستعلاء هؤلاء المحاولين.
* ما تم التعرض له في هذا المنشور ليس استنقاصا للشعب الشمالي الشقيق ولا استعداءً لأبنائه، بيد أنه حتى عند ما تتصارع النخب السياسية فأن النخبة ذات الكثرة تجر معها أنصارها من البسطاء الذين هم أيضاً كثرة بالمقارنة مع أنصار النخبة الأصغر الذين هم أقلية، مع كل التفهم لمعاناة الغالبية من سكان الشمال، الذين هم ضحايا لكن أغلبهم يدافعون عن جلاديهم اكثر من دفاعهم عن أنفسهم.

محنة الأقلية الجنوبية 2
_______________
من تجربة اجتماع مجلس النواب في سيئون، وانتخاب هيئة الرئاسة،حيث كان الكل يعلم أن الزميل محمد الشدادي هو من ساهم في مواجهة الانقلاب، وتعرض للإصابة أثناء المواجهات، وهو من حافظ على كيانية المجلس (طويل العمر) وأعاد له الحياة بجهوده ومتابعته وحرصه على تمثيل المجلس في الملتقيات البرلمانية الإقليمية والدولية، وقام بتجميع الأعضاء من كل الأقطار التي تناثروا فيها، وحرص على حشد الأغلبية لتأييد شرعية الرئيس هادي، وكان هناك ما يشبه الاتفاق على أن يتولى رئاسة المجلس ، لكن ماذا جرى؟؟
جاء الزميل سلطان البركاني المعروف بمبادرته "اقتلاع العداد" التي أشعلت غضب الشعب في الشمال وأدت إلى ثورة ٢٠١١م ضد نظام الرئيس السابق، جاء إلى الرياض وأعلن تأييده للشرعية، وأحضر معه عددا من النواب الذين رجحوا كفة الأغلبية، وعندما لاحظ أن هناك ما يشبه الإجماع على انتخاب الزميل الشدادي رئيسا للمجلس ، سحب عشرين عضواً إلى القاهرة، ورافق ذلك حملة إعلامية تلمح إلى تراجعه عن تأييده للشرعية، ولم يرجع بهم إلا بعد أن ضمن رئاسة المجلس، بفضل الدور الذي لعبته الأغلبية الشمالية، . . . . لم يفعل الزميل الشدادي ما فعل الزميل البركاني مع أن مؤيديه يزيدون عن أربعين عضوا، (وكان يمكنه ان يفعلها) لكنه قبل بالابتزاز حرصاً على إعادة الروح للبرلمان منتهي الولاية والأهلية، وسحب البساط على الجماعة الانقلابية.
وهكذا!! جريح الحرب في الدفاع عن الشرعية يزاح من رئاسة المجلس إلى الموقع الرابع في هيئة الرئاسة، ونصير الانقلاب والمدافع عنه حتى ٤ ديسيمبر ٢٠١٧م يتبوأ الموقع الثاني في تركيبة السلطة الشرعية، بفضل ثنائية الأغلبية والأقلية.
* * *
ستظل لعنة الأقلية الجنوبية ذريعة يتحجج بها المبتزون والانقلابيون و(الشنقلابيون) وكل المتفيدين من استباحة الجنوب والعبث بمصيره تحت شعار " الأقلية تخضع للأغلبية" والأشقاء هم أغلبية سواء كانوا (شرعيين) أو (انقلابيين) او (شنقلابيين) ، وهو ما يحتاج إلى تصويب الوضع من خلال الإنصات لصوت الشعب الجنوبي واحترام حقه في تقرير مصيره واختيار طريقه المستقبلي الحر والمستقل بعيدا عن التبهية والوصاية.