آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 09:35 م

كتابات واقلام


ما زلنا في قاع جهنم !

الأحد - 01 مايو 2016 - الساعة 11:51 م

حبيب سروري
بقلم: حبيب سروري - ارشيف الكاتب


جدل مفاجئ وكثيف حول كلمة « العلمانية » في كثير من الصفحات في هذه الأيام الأخيرة. يتضح منه كم شوّه الفقهاء والإسلاميون مدلول هذه الكلمة، لدرجة أثّرت حتّى على بعض من لم نتصوره أن يتأثر بهم. أحدهم قال لي: = كلهم سواء: داعش، والأنظمة العلمانية العربية! رددتُ له: = عجيب، فين لاقيت أنظمة علمانية عربية؟ كل أنظمتنا العربية هي العكس الكامل للنظام العلماني، باستثناء تونس من قبل سنة تقريبا فقط لا غير، عندما غيّرت دستورها باتفاق جميع قواها السياسية باتجاه العلمانية، وأقرّت مبدأ « حرية الضمير ». تعرف أنت نظام عربي علماني موجود في الخارطة، ولم أسمع عنه؟ = مصر، وسوريا؛ ردّ علي! = كله إلا هذين النظامين، يا صديقي. هما الطرف النقيض للعلمانية. بس، يبدو أنك لا تعرف معنى هذه الكلمة إلا كما يقدمها السلفيون لك. استرسلت: = في الدول العلمانية تُحترم الأديان جميعها بدون تمييز، ويحترم عدم التدين أيضاً. ممارسة الأديان، أو عدم ممارستها مرتبط بالفضاء الشخصي الخاص، ولا علاقة له بالفضاء العام، فضاء التعليم والسياسة. الدين والإلحاد مفصولان فيه عن السياسة. أنت حر فيها تؤمن، لا تؤمن، تغيّر إيمانك... فيما في مصر وسوويا، كل السلطات الدينية تدعم الرئيس، تخضع له، إذا سقط تدعم خليفته، وإذا عاد للحكم تدعمه من جديد… في الدول العلمانية، اختفت منذ قرون كلمات مثل: هذا كاثوليكي، بروتستانت، مؤمن، ملحد، من عرق كذا أو كذا… فيما في كل دولنا العربية، التمييز الديني والطائفي والمناطقي يفقأ العين. كلمات مثل: سني، شيعي، علوي، زيدي، شافعي… شديدة الحضور، مقرفة. في سوريا حافظ الأسد وابنه، كان ممكن تسب الله، لكن لا يحق لك تسب الأسد. في الدول العلمانية، العكس تماما: ممكن تسب رئيس الجمهورية بسهولة، لكن الجميع يحترم الأديان، وممارستها روحية فقط، مش سياسية. في الدول العلمانية، اختفت الحروب الأهلية داخل كل دولة، والنزاعات الطائفية والدينية، وارتفعت الديمقراطية باضطراد. في دولنا العربية، العكس صحيح. مجازر الأنظمة لسحق الأقليات، لاسيما في سوريا والعراق والسعودية والبحرين واليمن… لا تتوقف. = تقصد أن الدول العلمانية هي الجنة على الأرض؟؛ سألني صديقي الغالي! = لا، العلمانية نظام رائع للحياة الداخلية فقط. لا يتدخل في العلاقات الدولية والحياة خارج الدول. البشرية اكتشفت العلمانية كنظام للحياة الداخلية، بعد قرون من الحروب والتضحيات، وتحتاج ربما إلى قرون لصناعة مبدأ مثل العلمانية خاص بالحياة الدولية. حاليا، ممكن تجد أكثر من دولة علمانية حياتها الداخلية كما يلزم، لكنها على الصعيد الخارجي « كلبة بنت كلب »: قذرة في سياستها الخارجية، استعمارية، تؤيد من أجل مصالحها الماليةأ بشع الأنظمة وأكثرها ديكتاتورية… عندما يستطيع الإنسان أن يصنع مبدأ عبقري كالعلمانية ينظم حياة الشعوب على الصعيد الخارجي، فيمكنك الحديث عن الجنة. حاليا، ما زلنا في قاع جهنم!