آخر تحديث :الثلاثاء - 23 أبريل 2024 - 06:22 م

كتابات واقلام


الخوارج نموذج تاريخي للتطرف

الثلاثاء - 03 مارس 2020 - الساعة 10:54 م

د. عبده يحي الدباني
بقلم: د. عبده يحي الدباني - ارشيف الكاتب


في تاريخنا الإسلامي يوجد لدينا نموذج للتطرف؛ بل نماذج له على المستوى السياسي والمستوى الديني وحتى على المستوى الاجتماعي- مع ان الإسلام هو دين التوسط والاعتدال واليسر،- وإن ( الصراط المستقيم) يعني فيما يعني الاستواء والتوسط وعدم الانحراف والتطرف.
وسنحاول في هذه المقالة أن نلم المامة سريعة بظاهرة ( الخوارج) في تاريخنا العربي الإسلامي بوصفها نموذجا او مثالا للتطرف والعنف وعلى الرغم من اختلاف الزمن واسباب التطرف فإن هناك خصائص مشتركة تجمع المتطرفين في كل عصر ٠
أول ظهور للخوارج تحت هذا الاسم كان في عهد الإمام علي رضي الله عنه ؛ حيث انشق من انصاره وجيشه عدد من المسلمين، وخرجوا عن طاعته وولايته بحجة أنه حكم في دين الله تعالى أي قبل التحكيم بينه وبين معاوية رضي الله عنه ؛ فرفع الخوارج شعار( لا حكم إلا لله) فقال الإمام علي في ذلك الشعار : هذه كلمة حق اريد بها باطل) فالحكم لله حقا ولكن لابد للناس من امام اوحاكم
او رئيس سواء عدل ام ظلم فهو مسؤول امام الله ولا باس في التحكيم بين المتحاربين او المتخالفين ؛فالله تعالى قد امر بالإصلاح والتحكيم حتى بين الرجل وزوجته فما بالك في شؤون يترتب عليها استقرار الأمة وازدهار دينها ودولتها.ولكن الخوارج تصلبوا في فهم هذا النص واخطؤوا في تاويله
واخذوا بحرفيته ٠
وهكذا سار الخوارج مخالفين لسائر الأمة وللدولة الإسلامية والخليفة الراشد الرابع ؛ وقد كفروا الخليفة نفسه وهو اول صبي يدخل في الإسلام ومن المبشرين بالجنه وقد نشأ في كنف النبي صلى الله عليه وسلم. ومن قبل كان رموز هذا التطرف هم الذين قتلوا عثمان بن
عفان رضي الله عنه في داره مظلوما.
بعث إليهم الإمام من ينصحهم ويحاججهم فعاد البعض منهم الى صفوف جيش الخليفة وظل اخرون مشردين يرفعون السيف في وجه الدولة الإسلامية، وكل من يخالفهم في رؤيتهم ؛ ويكفرون من سواهم من الأمة، ويستحلون اموالهم واعراضهم .لقد ضعضعوا الدولة بكثرة حروبهم وغزواتهم وبراعتهم في القتال خاصة في العصر الأموي ولكنهم لم يصلوا إلى الحكم يوما بسبب تطرفهم واهتمامهم بالحرب فقط على حساب السياسة فلم تكن عندهم رؤية واضحة وعملية للحكم وسياسة الدولة وقيادتها وانشغلوا بالحرب وكانها غايه بحد ذاتها وسجنوا انفسهم داخل شعارات نظرية مثالية لم تلائم طبيعة الواقع ولا روح الدين الإسلامي الحنيف ومرونته وتسامحه .
كان الخوارج يكثرون من الصلاة والصيام وقراءة القرآن وينشدون الشهادة في سبيل الله تعالى ويبكون من خوف الله ؛ وقد فاضت اشعارهم بالحماسة والزهد في الدنيا ورثاء شهدائهم مفتخرين بهم ؛ ولكن الخوارج أخطأوا طريق الرشاد والسداد والجهاد ؛ واسنتفدوا كل طاقتهم في قتال ابناء جلدتهم من المسلمين في جيش الدولة ، وغيرهم وقد اثر ذلك على حركة الفتوحات الإسلامية تاثيرا سلبيا بعيدا .

ومن مظاهر تطرفهم انهم كانوا فرقا مختلفة فهناك الازارقة والنجدات والاباضية والصفرية ؛ لأنهم كانوا يختلفون في اتفه الأمور فيترتب على هذا الاختلاف ظهور فرق جديدة واتباع لهذا وذاك ؛ لقد كانوا يخوضون في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل فيختلفون، واذا ما اختلفو انقسموا وتعددت فرقهم ؛ وقد قال الله تعالى( يا ايها الذين امنوا لا تسالوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم) ولكن الخوارج كانوا يسالون عن هذه الاشياء فيختلفون ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم( ان الله كره لكم قيل وقال و اضاعة المال وكثرة السؤال ) فمن حق المرء ان يسال عن دينه وفي دينه وهذا امر مرغوب، ولكن التمحل في السؤال والامعان في امور غيبية ليس مرغوبا خاصة لدى عامة الناس، مثل ذلك الذي سأل احد العلماء عن معنى قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى) اذ سأل كيف استوى الله على العرش؟ فقيل له : الاستواء معروف في اللغة والسؤال عن كيفيته بدعة ٠
بمعنى انه لاحاجة لمثل هذه الأسئلة ولا طائل من ورائها لاسيما حين يترتب على الإجابة الخاطئة او الناقصة سلوك ما يضر بالآخرين فقد قيل: إن نصف الطبيب امرض الناس ونصف العالم كفر الناس .
ومما يلاحظ في جماعة الخوارج حين ظهروا على مسرح الأحداث لأول مرة انه لم يكن احد منهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اكثر الخوارج اعرابا من سكان البادية ولم يكونوا ممن سكن الحواضر في الغالب. فهذا الأمر له دلالة نفسية واجتماعية وثقافية.

وللحديث بقية إن مد الله لنا في العمر.

د عبده يحيى الدباني