آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 11:25 ص

كتابات واقلام


غيبوبة «الشرعية» اليمنية

الأربعاء - 04 مارس 2020 - الساعة 11:41 ص

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله - ارشيف الكاتب


لم يعد سرّاً انّ الحوثيين باتوا يسيطرون على محافظة الجوف بعدما تمددوا في كلّ انحائها على مراحل. احتاجوا من اجل تحقيق هدفهم الى اشهر عدّة وصولا الى تطويق منازل محافظ الجوف، وهو من شيوخ المنطقة، ومنازل القريبين منه.
تقرّر في ضوء الوساطات التي جرت عدم المس بهذه المنازل، على ان يكون هناك انتقال للسلطة في الجوف من التجمع اليمني للإصلاح الى الحوثيين الذي يسمّون انفسهم «انصار الله».
هذا التطور المهمّ المتمثّل في استيلاء الحوثيين على الجوف، لا يعني انّ مأرب، التي على حدود الجوف، ستسقط غداً.
مثل هذا الاحتمال بات وارداً في غضون شهر او شهرين او اكثر قليلاً في حال بقيت الامور على حالها. أي في حال بقيت «الشرعية» التي على رأسها الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي في غيبوبة.
يكشف ما شهدته الأشهر القليلة الماضية من تطورات، شملت تقدّم الحوثيين على جبهة نهم، ثمّ الى الجوف، عجزاً تعاني منه «الشرعية» منذ فترة طويلة.
لا يدّل على هذا العجز اكثر من التساؤلات القائمة في شأن العلاقات التي تربط، من تحت الطاولة، الحوثيين بالاخوان المسلمين الممثلين بحزب التجمّع اليمني للاصلاح.
من اجل السعي الى معرفة ماذا بعد الجوف، المحافظة التي لديها اهمّية استراتيجية بسبب الحدود المشتركة مع المملكة العربية السعودية وما يتردّد عن ثروات كبيرة في باطن ارضها، لا بدّ من العودة قليلا الى خلف.
لم يتوقف تمدّد الحوثيين منذ اجتاحوا محافظة عمران، معقل آل الأحمر زعماء حاشد، الّا بعد «عاصفة الحزم» التي انطلقت في مثل هذا الشهر من العام 2015.
فبعد عمران التي سيطر عليها «انصار الله» صيف 2014، تقدّم هؤلاء في اتجاه صنعاء التي سقطت في يدهم يوم 21 سبتمبر - سبتمبر 2014.
تابعوا بعد ذلك تحرّكهم في اتجاه الوسط وبلغوا عدن. لولا «التحالف العربي» الذي هبّ من اجل منع الحوثيين من السيطرة على كلّ اليمن، بما في ذلك باب المندب، لكانت ايران حققت حلمها في تطويق شبه الجزيرة العربية من كلّ الجهات وعلى طول الحدود اليمنية - السعودية.
في كلّ مرحلة من المراحل الممتدة منذ خلافة عبد ربّه منصور لعلي عبدالله صالح في فبراير - فبراير 2012، أظهرت «الشرعية» ضعفا ليس بعده ضعف في كلّ المجالات السياسية والعسكرية وإدارة شؤون الدولة.
لم تستطع ان تجد لنفسها موطئ قدم في أي مدينة يمنية كبيرة على الرغم من كلّ الامكانات التي توافرت لها. خسرت صنعاء ثم عدن، التي بات معروفا كيف استعيدت من الحوثيين ومن استعادها. لم تحاول «الشرعية» يوما ان تكون في تعز عاصمة الوسط الشافعي والمدينة اليمنية الاكبر.
في كلّ مرحلة من المراحل، غاب العقل السياسي عن تصرّفات «الشرعية» التي ارادت تقليد عهد علي عبدالله صالح، بما في ذلك بعض خصاله السيّئة، انّما في ظروف مختلفة كلّيا.
كانت كل خطوة أقدمت عليها بمثابة كارثة بحدّ ذاتها. كيف يمكن وصف إعادة هيكلة القوات المسلّحة، بما في ذلك الحرس الجمهوري، بهدف واحد هو التخلّص من ايّ نفوذ لعلي عبدالله صالح او لنجله العميد احمد داخل الجيش؟
هل يكفي الحقد على علي عبدالله صالح لتبرير فقدان ايّ فعالية للقوات المسلّحة اليمنية في مواجهة الحوثيين؟
اعتقد عبد ربّه منصور، الذي لا يستطيع حتّى زيارة المنطقة التي ولد فيها (الوضيع) في محافظة ابين الجنوبية، ان الانتقام من علي عبدالله صالح يمكن ان يكون أساسا لسياسة من نوع ما توفّر له طابع الشخصية المتميّزة.
لم يدر ان الانتقام من شخص ما، بحسناته وسيئاته، لا يمكن ان يشكّل أساسا لسياسة، خصوصا لدى تبدل الظروف الداخلية والإقليمية بشكل جذري وفي ضوء نجاح ايران في وضع يدها على صنعاء وعلى جزء من اليمن.
تتحمّل «الشرعية» جزءا كبيرا من مسؤولية وصول اليمن الى ما وصل اليه بعد استكمال الحوثيين سيطرتهم على الجوف وتركيزهم المستقبلي على كيفية دخول مأرب.
تبيّن بكل بساطة ان لا مجال للاتكال على هذه «الشرعية» في أي مجال من المجالات.
ليس بعيداً اليوم الذي يمكن ان تتواطأ فيه «الشرعية» مع الحوثيين بغية ابعاد القوات التي يقودها العميد طارق محمد عبدالله صالح عن مشارف ميناء الحديدة المطل على البحر الاحمر.
حسنا، ارتكب علي عبدالله صالح أخطاء كثيرة. لا يزال عبد ربّه منصور هادي حاقدا عليه، على الرغم من انّه بقي 15 عاما في موقع نائب رئيس الجمهورية.
امّا حقد اللواء علي محسن صالح الاحمر، نائب رئيس الجمهورية، فهو مفهوم نظرا الى ارتباطه بمعركة خلافة علي عبدالله صالح في السنوات العشر الأخيرة من عهده.
هناك اعتبارات اخرى جعلت علي محسن صالح، القريب من الاخوان المسلمين، ينقلب على قريبه في السنة 2011 وينضمّ الى مجموعة من الشخصيات، من بينها حميد عبدالله بن حسين الأحمر.
لعبت هذه الشخصيّات دورها في تحريك الشارع من اجل التخلّص من عهد الرئيس اليمني الذي استمرّ 33 عاماً.
من بين هذه الاعتبارات ما له بعد إقليمي. في أساس هذا البعد الاعتقاد انّ الاخوان يمتلكون ما يكفي من القوة كي يحكموا اليمن!
في كلّ الأحوال، يظلّ استيلاء الحوثيين على الجوف بداية مرحلة جديدة في اليمن من دون ان يعني ذلك انّهم في طريقهم الى استعادة المبادرة على صعيد البلد كلّه.
ما لا بدّ من الاعتراف به انّهم يمتلكون قوّة عسكرية كبيرة وفعالة في غياب من هو على استعداد للتصدّي لهم. ما لا بدّ من الاعتراف به أيضا انّ هناك تغييرا كبيرا طرأ على المجتمع اليمني، خصوصا في الشمال.
ما يميّز هذا التغيير الضعف الذي أصاب تركيبة القبيلة. لم تعد القبائل مستعدّة للدفاع عن شيوخها كما كانت عليه الحال في الماضي. لم يعد من نفوذ يذكر لآل الأحمر، شيوخ حاشد، على سبيل المثال وليس الحصر.
بكلام أوضح، استطاعت ايران التي يدين لها الحوثيون بالولاء الكامل لها تغيير طبيعة المجتمع اليمني في الشمال. هذا يطرح أسئلة كبيرة بالنسبة الى المستقبل اليمني والصيغة التي يمكن ان يستقر عليها البلد، يوما ما، في مرحلة سيأخذ فيها الحوثيون حجمهم الطبيعي.
سيحصل ذلك لسبب في غاية البساطة يعود الى ان المشروع التوسّعي الايراني كلّه في حال تراجع من جهة ولأن الحوثيين لا يمتلكون أي مشروع سياسي او اقتصادي من جهة أخرى. يمتلكون الشعارات الفارغة التي لا تطعم اليمنيين خبزاً ولا تحميهم من الامراض لا اكثر.