آخر تحديث :الثلاثاء - 23 أبريل 2024 - 09:37 م

كتابات واقلام


لقاح السلام

الثلاثاء - 14 أبريل 2020 - الساعة 09:26 م

مدين مقباس
بقلم: مدين مقباس - ارشيف الكاتب


صدم اليمنيون، صباح الجمعة الماضية، بتلقيهم خبر الإعلان عن حالة مصابة بفيروس كورونا في مديرية الشحر بحضرموت، في وقت كانوا ينتظرون سماع خبر امتثال أطراف الصراع والحرب في بلدهم لدعوات ومبادرات السلام لوقف الحرب، وكان لخبر اكتشاف الحالة المصابة وقعها المؤلم على نفوسهم، الذي يخبرهم بوصول الموت الجماعي المنتظر لهم، لإدراكهم خطورة أنتقال فيروس كورونا إلى بلدهم الفقير، الذي تمزقه الحرب ويفتقر لإمكانيات مجابهة، ومحاصرة انتشار وباء عجزت عن مواجهته بلدان عظمى تمتلك قدرات وإمكانيات وتقنيات صحية هائلة، الذي لا يقارن حجم هلاكه البشري، مع أي كارثة أخرى او حتى مع اعداد القتلى والضحايا التي تتسبب الحرب في إزهاق أرواحها، فالكل يتساءل: ما عسى بوسع اليمن الفقير أن يفعله، وهل سيفاجئ العالم بلقاح يخفف خطره؟.
اجتاحت اليمن أمراض وفيروسات قاتلة كالجذري والطاعون والكوليرا والملاريا في القرن الماضي، ففي الجنوب لم تتساهل السلطات البريطانية في تنفيذ إجراءات وقائية صحية شديدة، لحماية السكان، منها: رش وتعقيم وتطهير البيئة وإخضاع الوافدين لمدينة عدن في المنافذ البرية والبحرية والجوية لإجراءات صحية وقائية، و نتذكر جميعا تلك الحماية الوقائية في نقطة رقم ( 6) في دار سعد، وانشاء المحجر الصحي في جزيرة وسط البحر، قبالة التواهي، للحالات المصابة بالأمراض المعدية، كالجذري وغيرها، وورثت سلطات عدن، فيما بعد هذا النظام الصحي، واستمر العمل بجزء منه، إلى وقت قريب من ثمانينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى عمل البعثات الطبية الكوبية ما أوجد ظروفا ساعدت على محاصرة تلك الأوبئة والأمراض، رغم آلاف الضحايا التي خلفتها، وربما كان لحالة شبه الاستقرار المجتمعي وعدم اشتعال الحروب لفترات طويلة عامل مساعد في تخفيف خطورة تلك الأوبئة.
يختلف الوضع الذي تعيشه البلد اليوم عما كان عليه سابقا، بعد أن اعتادت السلطات فيه على استثمار الأزمات لجني المساعدات والمنح، وانحراف المساعدات عن مساراتها في ظل تفشي وباء الفساد في اجهزتها، الذي اعمى بصيرة كثير من مسؤوليها، حتى أصيبوا بمرض التساهل في كل شيء، نتيجة غياب الرقابة والشفافية والمحاسبة، وزاد هذا التساهل والاستثمار للأزمات في زمن الحرب بصورة مرعبة، واستغلت المساعدات والمنح المخصصة لمواجهة الأزمة الإنسانية والأوبئة، كحمى الضنك والكلوليرا، وسلكت طريقا آخر يخدم أهداف الأطراف المتصارعة، لتستمر في تساهلها واستغلالها المعتاد للأزمات، ما يفسر ضعف الخطوات المتخذة التي لم ترتق إلى المستوى المطلوب، لتحقيق الغايات لحماية المواطن من أنتقال الفيروس إلى البلد ومحاصرة انتشار الوباء، بالإضافة إلى صعوبة قدرة اليمن على مواجهته بشكل عام، كما أكدت الأمم المتحدة في تعليقها حول تسجيل اليمن أول حالة إصابة بالقول: "ان مواجهة اليمن لانتشار كورونا شديدة الصعوبة".
لم يعد توجيه اللوم للسلطات نافعا، كمحاولات ترقيع قربة ماء مثقوبة، بات يصعب ترقيعها، لمواجهة أي خطر في بلد يبالغ أبناؤها كثيرا في اتخاذ إجراءات وقائية كفيلة، بمنع دخول وانتقال حاملي فيروس كورونا إليه، وتستمر فيه أطراف الحرب مغالطتها للشعب وللعالم أجمع، بإنها تسعى للسلام، حتى صار يواجه العسرين معا، (الحرب) التي لن يداويها إلا سلام الشجعان، و(كرونا) الذي لا زال العالم يبحث عن لقاح لمواجهته، فلا يملك اليمنيون إي خيار يخفف خطورة الوضع، وهم ينتظرون الموت الجماعي، إلا اختيار لقاح السلام كسلاح لمواجهة كورونا.