آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 01:25 ص

كتابات واقلام


اليمن شعب الله المختار!

الجمعة - 01 مايو 2020 - الساعة 01:10 ص

وليد التميمي
بقلم: وليد التميمي - ارشيف الكاتب


كم من صحافي وطبيب ومثقف كتب عن مخاطر انتشار فيروس كورونا في اليمن، ولكن للأسف كأنهم كانوا ينفخون في الهواء، في قربة ماء مثقوبة، أو يتحدثون مع أناس أذن من طين وأذن من عجين.
في اليمن شعب غريب الأطوار، يعتقد بأنه شعب الله المختار، شعب من الملائكة طاهر نقي زاهد متعبد، لن يمسه سوء ولا يخشى من لفحة النار، حتى لو خسفت السماء بمن حوله من الأمم.
شعب مارس أبشع أنواع الكذب مع نفسه وبحق نفسه وصدقها، يدعي بكرة وعشيا بأنه لا وجود لدولة ولا نظام ولا قانون في اليمن، الفوضى هي التي تحكم واللامبالاة تمشي بينهم على الأرض ترافقهم كظلهم والاستهتار والسخرية بلغ حده حتى مع التحذيرات التي أطلقت مع ظهور إصابات كورونا في اليمن.
تناقض رهيب أرسى مداميكه المواطن اليمني، يعترف بواقعه المر ولا يحاول تغييره، يقر بأن النظام الصحي في اليمن منهار وطواقمه تفتقر لأبسط الإمكانيات، ومع ذلك يستخف بأي مرض أو وباء قد يصبح فريسته، يسترخص حياته بعد إصابته بعدوى "الشرعية" التي تحسبه فقط رقم في معادلة الربح لا الخسارة، رقم تتاجر بأسمه وهو يمضي في طريق قصير للموت والانتحار.
صرخنا بأعلى صوتنا كورونا ياناس، تباعدوا ياناس، تجنبوا الازدحام ياناس، الوباء لا يرحم ولا يميز ياناس، وهم كأنهم يتحدون الفيروس، يبحثون عنه، زنقه زنقه دار دار، يخرجون إلى الشارع، يتكدسون في الأسواق، يفترشون الطرقات في المناطق الحارة كعدن وحضرموت يشكون بأن انقطاع الكهرباء هو الذي يجبرهم على مغادرة بيوتهم. نزوحهم إجباري برعاية سلطات محلية الفشل قوتها اليومي، والفساد كعكة يتقاسمونها.
في كل اليمن القاسم المشترك بين المجتمعات هو التنقيب عن لقمة العيش، في زمن "كورونا"، في أيام الخير فيها تضاءل وحتى هو بات يصرف للبعض بالمحسوبيات. لكن أبسط قواعد السلامة والوقاية تنسف شعبياً، أصبح من يحاول حتى حماية نفسه يستحي من أن تطارده وصمة العار، وعند اقتراح بدائل يطل البعض بترديد أسطوانة أو نغمة "المناعة" التي يتمتع بها اليمني دون سواه... لكن حتى هذه المناعة بحاجة إلى صيانة، إلى تعزيز خطوطها الدفاعية بالغذاء و الراحة و الابتعاد عن الإرهاق، إلى عدم إقحامها في دوامة صراعات تؤدي به إلى التهلكة.
يفترض على المواطن اليمني الذي يعد من أكثر مواطني الدول العربية هزالة في الجسد، وضعف في التكوين الجسماني، وشحوب في الوجه وهشاشة في العظام على ما اعتقد، بأن يوفر على نفسه عناء مواجهة أي صدام قد يفرغه من طاقاته وإذا سلم منه فأنه قد ينهش في جسد من هو الأفقر مناعة أو يعاني من الأمراض خصوصا المزمنة، ومادامت جبهتنا الداخلية مهلهلة، لماذا نضغط عليها حتى تنفجر بقلق يقتل ببطئ أسوأ من "كورونا"؟ لماذا ندعي بأننا لسنا كسائر الخليقة نتعب نمرض نشفى، نموت، نحيا؟!، بدلا من أن نجرب حظنا في خوض حرب أنهكت العالم وتهدد بانهيار دول كبرى وتفكيكها.