آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 05:37 م

كتابات واقلام


عن الجنوبي النبيل

الجمعة - 05 يونيو 2020 - الساعة 01:17 م

د.سعيد الجريري
بقلم: د.سعيد الجريري - ارشيف الكاتب


الإنسان موقف. هكذا فهم الصحفي المصور نبيل القعيطي هذا المعنى، فاختار بوعي أين يكون، وأين تكون عدسته الذكية، وماذا تلتقط من صور ، فلم يعرض موقفه لمن يدفع أكثر ، ليقول مثلاً كما يبرر آخرون لأنفسهم، بعد هزة نذلة للكتف: وأيش يعني؟ أنا مجرد مصور !

الإنسان موقف، لكنه ليس موقف باص أعمى، لذلك كان نبيل القعيطي في المكان المزدحم بالإنسانية، كان عدسة محارب ضد العدوان، فأرضه مستباحة معتدى عليها، وشعبه منتهكة حقوقه، منذ أن وعى، فلم يشأ إلا أن يكون منسجماً مع ذاته وما حوله. لم تغره الكاميرا بأن يدير ظهره للجرائم التي رأى منها ما رأى، فيذهب بعيداً، مثلاً، لالتقاط زوايا مذهلة لمناظر طبيعية خلابة في البحر والبر ، والمدينة والريف، ليحقق ذاته بنرجسية فنان تقام له المعارض، في الداخل والخارج، وينال الجوائز والتكريمات.

لقد اختار أن يوثق جرائم أعداء الإنسانية، وجبهات المعتدى عليهم في السلم والحرب. كان وحده جبهة إعلامية يثق فيها العالم، تخرس بلقطة منظومة إعلامية كبرى تشتغل على زيف وفبركة وخطاب ملغوم بكراهية، يسخر منها نبيل بابتسامته التي تقول أكثر مما تقوله الكلمات.

الإنسان موقف، لذلك لما ارتقى شهيداً، مغدوراً به، زغردت أمه فخورة به، ولم تندب وتلطم، لأن من أرضعته صغيراً لم يخن حليب الإباء والعزة كبيراً، فارتقى بارتقائه موقفه الذي تتقزم إزاءه مواقف صحفيين اختاروا أن يكونوا أبواقاً للفبركة، وبث
الإشاعات والفتن، و الاصطفاف الرخيص مع القتلة والفسدة، في أشد المواقف انحطاطاً وخسة.

إذ ارتقى نبيل بموقفه النبيل، نعاه أولئك المنحطون، خاسئين، كاذبين، مذبوحين ذلاً، بكلمات بلا ماء، كوجوههم البائسة، وضمائرهم اليابسة، ومواقفهم اليائسة وذواتهم الخائسة.

لنبيل القعيطي تمثال ابتسامة في كل ضمير حي، يلهم كل من حوله معنى أن يكون الإنسان موقفاً، وأن يكون الصحفي الحر إنساناً نبيلاً، كهذا الجنوبي النبيل، حياةً وارتقاءً.