آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 01:31 ص

كتابات واقلام


عدن والإدارة الذاتية

الخميس - 02 يوليو 2020 - الساعة 02:56 م

قاسم عبدالرب عفيف
بقلم: قاسم عبدالرب عفيف - ارشيف الكاتب


أعلن الانتقالي الاداره الذاتية في عدن وهي تعيش اوضاع مأساوية في كافة مناحي الحياة بفعل سياسة الشرعية التي أعلن عنها مسؤليها بانهم لن يسمحوا بمدها حتى بأدنى مقومات الحياة الطبيعية حتى لا يتم تقوية المشاعر الانفصالية عند الجنوبيين حسب قولهم ومورست هذه السياسة منذ اليوم الاول لتحريرها من الغزو الحوفاشي حتى اليوم وفي نفس الوقت صادف ان اجتاحت عدن منخفض جوي تسبب في خسائر مادية وبشرية وكذا انتشار الجائحة العالمية لفيروس الكرونا كلها مجتمعة شكلت عامل ضغط عَلى المجلس الانتقالي ليتحمل مسؤليته التاريخية تجاه شعب الجنوب في ادارة امره ذاتيًا حين تخلت الشرعية عن مسؤليتها الأخلاقية والرسمية عدى عدد من التصريحات الإعلامية الجوفاء والتي تستعطف العالم لتتسول المعونات والتي تذهب هذه المعونات في الثقب الأسود التابع لها.

عدن كانت ولا زالت مدينة مفتوحة يدخلها من هب ودب دون ضوابط تمكن الفساد من الانتشار في كل مناحي الحياة وكانت تلك سياسة متبعة منذ احتلالها في العام 94 م واستشرى فيها كل ما هو عشوائي وهنا العشوائية ليست في البناء في اي مكان يخطر على بال احد ( في وسط الشوارع او في المنتزهات او في الجبال او في مجاري السيول او على ممرات الصرف الصحي او على كيبلات التيار الكهربائي وغير ذلك) وَلَكِن العشوائية عشعشت في عقول الناس واستوطنت تفكيرهم واضحت المتحكم فيهم واصبح القانون والنظام من مخلفات الماضي واصبح المسؤل في اي مستوى في جهازها الاداري المدني والعسكري لا يحده او يردعه أي قانون او نظام يعمل ما يريد كما يحلو له واصبح الفساد ثقافة وعنصرًا مهمًا في حياتهم وحتى المواطن العادي متعايش مع هذا الوضع ولا احد يستنكر اي تصرف مخالف للقانون والنظام والعقل والمنطق وكل ذلك اصبح سمة من سمات العيش الذي تحول الى واقع والجميع يعتبرونه من سمات الحياه الجديده والواقعية في نظرهم حيث ينطلق المسؤل بسرعه الصاروخ دون ادنى عناء يبذله ليجد نفسه من الطبقة الراقيه التي تمتلك العقارات والشركات في غمرة عين ويأمر وينهي ولا يقف أمامه اي شيىء لا ضمير ولا وازع ديني ولا اخلاقي وأحيانًا اصبح الدين حصان طرواده ومن لوازم الانطلاقة السريعه نحو ( القمة !).

عدن في زمن مضى عاشت في ظل النظام والقانون هادئة ومستقرة كان الجميع ملتزم فيه وبالعيش المشترك فالجميع يعيش وينشط ويعمل ويتاجر ويستثمر وحتى يرتقي سلم الوظيفة تحت مظلة النظام والقانون لا احد لديه حصانه ولا احد فوق القانون ولا احد يستطيع ان يتجاوز النظام وحتى عام 90 على سبيل المثال لا احد يستطيع تجاوز الاشاره الضؤية الحمراء في تقاطع الطرق حتى وان كان الشارع خالي من السيارات في منتصف الليل.

اليوم بحجة ان عدن ملك للجميع رغم معرفتهم بسعتها وطاقتها الاستيعابية المحدودة يتسلل اليها الجميع ومن كل ارجاء اليمن واضيف لها سيل من النازحين من كل الأنحاء بحجة الحرب وتحت رعاية رسمية من حكومة الشرعية وكذا أفواج من اللاجئين الأفارقة بعشرات الآلاف اغرقوها بفيضان من البشر الذي لا لزمة لوجودهم فيها وتدخلت فيها السياسة لاهداف تغيير الوضع الديمغرافي وخربت كل ما كان نيُر من قيم واخلاق وثقافة وتعايش وانسجام وتجمع البلاطجه يسرحون ويمرحون في إرجائها ومن ضمن ذلك تسربت اليها الخلايا النائمة لتستوطنها التي تأتمر بأمر من يريد ان يفرض على عدن نمط عيش جديد يأتمر بأمر العصابات التي تريد ان تضع نفسها فوق القانون والنظام.
ونحب ان ننوه بان من كان يعيش في عدن قبل الطوفان كان من المستحيل ان لا يدفع ثمن فاتورة استهلاك الماء والكهرباء وفي عدن ايضا من المستحيل ادخال خدمات الكهرباء والماء لمبنى عشوائي بل من المستحيل ان يتجراء احد بالبناء العشوائي حتى في الضواحي وكان من المستحيل ان تمر فوق شرطي المرور او ان تمر بسيارتك في شارع ممنوع الدخول حتى لو كان الشارع داخلي كان النظام والقانون سيد الموقف.
فقد كانت عدن مليئة بالمعسكرات لكن من المستحيل ان تجد قائد عسكري او ضابط او حتى جندي يتدخل في شئون الاداره المحليه وكان من النادر ان تجد طقم عسكري يتجول في المدينه او ان تجد قائد عسكري يغلق الشارع بالمكعبات الإسمنتية حفاظًا على أمنه الشخصي او يجول بحراسة في المدينة.

القانون والنظام متأصل في عقول وقلوب سكان عدن وكان من المستحيل ان تجد موظف يرتشي او حتى يتجراء ان يمرر معاملة تخالف النظام والقانون الجميع كان ملتزم تلقائيا وهذه كانت اهم شروط العيش في عدن المدينة والتي كانت المنارة الوحيده في جنوب شبه الجزيرة العربيه التي عرفت النظام والقانون من بداية القرن التاسع عشر حتى تسعينات القرن العشرين الماضي وكان يتعايش فيها كل أجناس الارض ممن سكنوا فيها بأديانهم وثقافاتهم تعايشوا وتاجروا وتمازجت الثقافات ولم تتصارع لا الأديان ولا الثقافات وكان الجميع يعيش تحت مظلة القانون والنظام عيشا كريماً مشتركا كل واحد يعرف حدوده يسود الاحترام فيما بينهم والمودة.
بعد حرب 94 م وضعت عدن كغنيمة للمنتصرين وجردت من مدنيتها وأول اعتداء كان على النظام والقانون تمثل ذلك بالنهب والسلب للمؤسسات الحكومية والمصانع والمدارس والمستشفيات وكأن عدن مدينة معادية وبعد ذلك نقلوا كل انظمتهم التي جلبوها معهم من صنعاء وجيشهم وامنهم وقبائلهم واصبحت عدن فريسة للجهل والتخلف تعاقب عليها حكام ضعاف ينفذون رغبات حكام الهضبة وتم البسط على أراضيها وتوزيعها كغنائم حرب للمنتصرين مع مصانعها وشركاتها وأساطيلها البحرية والمدنية والجوية والبرية وفتحت أبواب عدن لمن هب ودب وتضاعف عدد السكان أضعاف كثيرة دون ان يرافق ذلك توسعت الخدمات الضرورية وتحولت الى مدينة عشوائية فقدت مدنيتها وتحضرها وسمحوا للبناء العشوائي في كل مكان بما في ذلك الجبال والشواطىء وغير ذلك وكان الهدف تعطيل وظيفتها كمدينة ساحليه وهبها الله ميناء طبيعي تخدم التجارة العالمية والاستثمار وكمحطة ترانزيت عالمية وتعمدت كل الإدارات المتعاقبة على عدن تعطيل هذا الدور وذلك بتوزيع للأراضي المخططة للمناطق الصناعية الحرة ثم تحويل وظيفتها الى شيىء اخر لا يمت بصلة بالميناء وايضا تم إلغاء المسارح ودور السينما وتعطيل التنوير والثقافة وكذلك دمروا البنية الاساسية بادواة الثقافة والعلم والتنوير وكل الهدف تحويل عدن كما خططوا لذلك الى قرية وهذا ما تم انجازه حتى الان.

بعد تحرير عدن لم يتغير الامر فقد واصلت الشرعية المتحكم فيها حزب الاخوان المسلمين سياستها التدميرية لعدن بل شنت حروب اخرى تتصل بمعيشة الناس من قطع المرتبات وتعطيل خدمات الكهرباء والمياه ونشر الفوضى والإخلال بالامن من خلال تبني خلايا القاعده وغيرها في مواصلة مسلسل اغتيال القيادات الجنوبية وإضافة الى تشجيع الهجرة لعشرات الآلاف من الافارقه من القرن الأفريقي ونزوح عشرات الآلاف من المدن اليمنية بحجة الهروب من الحرب وتوطينهم في عدن بعلم ورعاية حكومة الشرعية كل ذلك شكل عبىء كبير على قدرة عدن الاستيعابية ودون مرافقة ذلك زيادة في حجم القدرات الخدمية لمواجهة الطوفان البشري.
بإعلان الانتقالي الاداره الذاتية في عدن والجنوب تقع علية مسؤلية ازالة ركام الماضي وأول خطوة يتطلب القيام بها هو اعادة الاعتبار للنظام والقانون كقاعدة انطلاق لتصحيح كافة الأخطاء وانتشال اوضاع عدن من واقعها الأليم وان يكون النظام والقانون فوق الجميع كبيرهم قبل صغيرهم وعبر النظام والقانون تنطلق معالجة كافة الاختلالات الاخرى البنيوية والإدارية والثقافية والاجتماعية وتسير كلها في نسق واحد حتى استعادة اسس العيش المشترك والأمن والاستقرار فيها ومن الاولويات ان تضع خطط قصيرة المدى تعالج فيها الاختلالات الأمنية والإدارية والمالية وضبط عملية تسيير الخدمات بشكل منتظم وضبط آلية الأسعار وخاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية والمشتقات النفطية وعدم السماح بالتلاعب بها وتوفير مرتبات الموظفين والمتقاعدين بشكل منتظم ومن اهم الاولويات ان يتم تقوية اجهزة القضاء والادعاء العام واجهزة الشرطة باعتبار ذلك اهم ركائز حماية الشرعية القانونية وتنقية تلك الأجهزة من العناصر الفاسدة والغير مؤهلة ورفدها بعناصر نزيهة ومؤهلة تأهيلًا عاليًا واعادة بناءها على اسس علمية ووطنية وبعد ذلك ياتي دور محاربة الفساد عبر القانون ويتم كنس الفاسدين من اعلى الى أسفل لضمان اجتثاثه من مصدر القرار وبعدها يتم وضع خطط طويلة المدى لمعالجة بقية القضايا الاخرى التي تهم استقرار وامن وتنمية عدن في كافة النواحي سوى كان يتعلق بايجاد حلول لقضية الاراضي بطرق يتوافق ووظيفة عدن المستقبلية وكذلك بقية القضايا الاخرى
ومن أهمها اعادة الاعتبار للوظيفة العامة للدولة من خلال اتباع سياسة توظيف تضع الرجل المناسب في المكان المناسب فالمجلس الانتقالي وادارته الذاتية تحت المجهر وفي المحك وعليه ان يختار بين اعادة تدوير الفاسدين والفساد او ان يضع سياسية جديدة من خلال ضبط عملية التغيير نحو الافضل باختيار الكادرات لشغل المناصب وفقا للكفاءة والنزاهة والخبرة.

ومن اهم المسائل العاجلة اعادة النظر في النظام المالي والإداري المعمول فيه حاليا لسد منافذ لفساد والإفساد واعادة تفعيل وظيفة الخزانة العامة للدولة كضابط للعملية المالية والإدارية للدولة.

على الانتقالي طالما أعلن الادارة الذاتية ان يعرف انه مسؤل مسؤلية كاملة على شيىء في إطار المنطقة التي يديرها ولا يجب ان يكون مظلة لإدارة فاشلة وفاسدة وهو بهذا الإجراء رهن مصداقيته امام شعب الجنوب اما ان يكون الفاعل او لا يكون وان لا يكون الوسيط بين ادارة فاسدة متهالكة والشعب كما نشاهده اليوم في عدن.

قاسم عبدالرب العفيف
2/7/2020