آخر تحديث :السبت - 04 مايو 2024 - 12:41 ص

كتابات واقلام


إعلام الإشاعات

الجمعة - 09 سبتمبر 2016 - الساعة 11:05 م

أمين اليافعي
بقلم: أمين اليافعي - ارشيف الكاتب


ما لدينا في الجنوب هو "إعلام إشاعات" باذخ وفي ازدهار مستمر، ولكي نفهم ذلك جيدا دعونا نتأمل في بعضٍ من عوارض المشهد الإعلامي العام. قبل فترة من الزمن قام واحد من أصحاب المواقع الإعلامية بدفاعٍ مستميتٍ عن ناشطة "حقوقيّة" روّجت معلومات غير صحيحة. وفي عريضة دفاعه الطويلة قال إنه بصدد الدفاع عن الديمقراطية التي تتعرض لانتهاك صارخ من قبل المعترضين على معلومات هذه الناشطة الحقوقيّة. في الحقيقة كان زميلنا يدافع في قرارة قفزته ووعيه عن السوق الأسود الرائج للإشاعات، وهو السوق الذي بات بشكلٍ واضحٍ يجد فيه انتعاشة عظيمة. أن نتضامن مع الناشطة نظرا لردة الفعل العنيفة والسيئة التي طالتها هذا واجب أخلاقي علينا جميعا، وينبغي أن نقوله بكل قوةٍ ووضوحٍ، لكن من غير المعقول والمنطقي والأخلاقي أن ندافع حتى عن أخطاءها لدرجة نعتبر تروجيها لمعلومات غير دقيقة لم تُقدِّم عليها دليل واحد يؤكد صحتها بانه شكل من أشكال الديمقراطية، ولو كانت في بلد نظام وقانون وفعلت ما فعلته لتعرضت لمحاكمة صارمة، ولنالت عقوبة قاسية على نشر معلومات مغلوطة. تحري الحقيقة والمحافظة على عافية الموضوعية والمهنية ولو بالحدود الدنيا هما شيئان لا يمكن لهما أن ينفصلان. لهذا فالتستر على الخروقات والسلبيات تحت أي مبرر هي جريمة يقترفها الصحفي بحق مهنته، وبحق المجتمع، وبحق ضميره، وعلى نفس المستوى من الجُرم يأتي قيام الصحفي باستغلال ما يصل إلى يده من معلومات بحكم مهنته وتوظيفها لصالح أغراض لا علاقة لها بالحقيقة والشفافية ومصلحة الناس. الطريقة التي يتبعها النوع الأخير من الإعلام تتلخص في: لقد حصلتُ على معلومات خطيرة، وتكشف عن قضايا فساد كبيرة، لكن ليس لدي معلومات دقيقة عن الجهة التي تقف وراء ذلك، وبدلاً من البحث والتحري الدقيق للحصول على مزيد من الأدلة الدامغة لإثبات الجُرم المُرتكب، سأقوم على الفور بتوجيه التهمة إلى جهةٍ معينة، وبطبيعة الحال ستقوم هذه الجهة على الفور بالرد لدفع التهمة عنها، وربما ستلقي بالذنب على جهة أخرى ومستفيدة، في هذه الحالة، من عدم وجود أدلة دامغة لدى الوسيلة الإعلامية يمكن أن تدينها بوضوح.. وهكذا تستمر الفوضى ونقلات التهم من جهة لأخرى، فيصبح في هذا السياق الجميع مُتهم، لكن الحقيقة لن يُمسك لها على طرف، والخروقات لن تُوقف لأن الجهة التي تقف وراءها لم تتضح بما فيه الكافية، وسيضيع دم اللوم بين القبائل.. بل على العكس من الغاية النبيلة من وراء النشر، في حال تحلينا بحسن النوايا الإعلامية، ستجد شبكات الفساد الأخطبوطية فرصة ذهبية في هذا الجو الفوضوي والمفبرك لتكريس وتعميق قنوات ومسالك فسادها أكثر فأكثر، فمن سيتجرأ على الاعتراض بعد كل ما جرى، فالكل بات لص وفاسد، وفي حال تجرأ واعترض أحدهم لأي سبب من الأسباب، فمن يمكن أن يصدقه بعدما اضحت سمعته (كلص كبير) على كل لسان. هذه هي الوظيفة التي يؤديها جزء من الإعلام الجنوبي، للأسف الشديد، سواء عن وعيٍّ أو بدونه، ولهذا صرنا لا نتعرف على الفاعلين الحقيقيين قط، ولم نستطع وقف التدهور والخراب والفساد، وكل سلبيةٍ تزدهر بضراوة!