آخر تحديث :الخميس - 09 مايو 2024 - 02:26 م

كتابات واقلام


القرارات السياسية، والإدارية في إدارة الأزمة الاقتصادية: أزمات، وإخفاقات متوالية

الجمعة - 31 ديسمبر 2021 - الساعة 10:59 م

صالح علي الجفري
بقلم: صالح علي الجفري - ارشيف الكاتب


قبل أن تقرأ (على الرغم من التفاؤل الذي قوبلت به قرارات التغيير الأخيرة في إدارة البنك المركزي، إلَّا أنَّهُ تفاؤلٌ مشوبٌ بالحذر ما لم تجذره إجراءات موازية وسريعة في هيكلة . الحكومة تفعِّل من دورها في الكثير من واجباتها التي أُهمِلَتْ خلال المدة الماضية).
فتفاقمت معيشة الناس سٰوءًا خلال المدة الماضية، جراء الانهيارات المتوالية لقيمة الريال اليمني، التي بلغت مستويات كارثية، لم يسبق لها مثيل في تاريخ الاقتصاد اليمني، وإلى قبل عشرين يومًا تقريبًا، بلغت قيمة الريال اليمني نحو (1800) ريالٍ للدولار الواحد؛ الأمر الذي انعكس في تآكل دخول الناس في الأسواق المنفلت عقالها من أدنى رقابة، التي تعكس حالة الانفلات العام على كل الإتجاهات، وبلغ التَّضخم مستويات قياسية بفعل الارتفاعات المتوالية للأسعار، وعجز النَّاس عن شراء حاجتهم الضرورية من السلع الأساسية .
هذا الوضع بكل إفرازته بدأ متوقعًا عند كثير من الساسة، الأكاديميين وكتاب الرأي والمختصين، الذين يتابعون الشأن العام في اليمن، وخاصة الشق الاقتصادي منه في ظل الأزمة والحرب، الذي كان نتيجةً طبيعيةً لمتواليات القرارات السياسية والإدارية ذات الصلة، وابتداء بالقرار الجمهوري رقم (17)الصادر في سبتمبر من العام 2016م، الذي قضى بموجبه نقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة (عدن)، وتعيين الأخ/ منصر القعيطي محافظًا له، خلفًا للأستاذ/محمد بن همام المنتهية ولايته قانونيًّا، وحددت أهداف نقل، البنك المركزي وعمله، كما صرح يومها الأخ القعيطي في إنجاز الأهداف الآتية:
* إصلاح الدورة النقدية والعودة بها إلى مساراتها ومعدلاتها الطبيعية، وبما يعزز الثقة بالبنك المركزي.
*استقلالية عمل البنك، حتى يتحقق له سلامة أدائه لوظائفه الرئيسة المختلفة، في الحفاظ على قيمة العملة، واستقرار الأسعار، والإشراف والرقابة على أنشطة البنوك التجارية .
* مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، ومراقبة التحويلات المالية داخل البلد وخارجه.
* توفير نقود محلية لمواجهة التزامات الحكومة
* تفعيل النظام الفيدرالي للبنك بعد التحرير، على غرار الطريقة الأمريكية.
وعلى الواقع كان السوق له حكمه، وظلَّت هذه الأهداف مجرد اضغاث أحلام؛ إذ أكَّدت وقائع التطبيق للقرار، ومنذ الوهلة الأولى التعثر حد الفشل؛ إذ اتَّضح عدم الاستعداد بما ينبغي، لحشد الإمكانيات المادية، والبشرية، واللوجستية، وتهيئة بيئة العمل المناسبة داخليًّا وخارجيًّا، وكل ما له صلة بتنفيذ القرار بشكل متقدم، أو حتى مقبول، وبدلًا من الوقوف وتقييم الواقع المضطرب، وإعادة النظر بالمراجعة، ودراسة ما هو استثنائي للتعامل مع الواقع، وبحث المساعدة والدعم والمشورة مع من قيل إنَّهم سيدعمون تنفيذ القرار، وعلى وجه التَّحديد مؤسسة النَّقد العربي السَّعودي والرباعية، بدلًا من الوقوف بمسؤولية، ذهبت قيادة البنك المركزي بعد أقل من عام على قرار النقل، وما أفرز من مشكلات لإصدار قرار التَّعويم (الحر)، مما زاد الطين بلة لهذا القرار الإداري، الذي له من المتطلبات المادية والبشرية ما نفتقد، وهذا النَّمط من السياسات النَّقدية تلجأ إليه الدول ذات الاقتصاديات المتينة، التي تتكئ على كم كبير من الاحتياطيات، وهي تتدخل أيضًا أحيانًا لضبط آليات السوق، وبقرار التَّعويم المطلق قضي على ما بقي من إمكانات لتعافي الريال؛ إذ تُرِكَ في مهب ريح السوق، وفقًا لتوجيهات محافظ البنك المركزي لكل البنوك العاملة في البلد، بأن تعتمد سعر صرف الدولار وغيره من العملات السائدة في السوق، ووفقًا لنشرة الأسعار التي زعم أنَّهُ سيصدرها ويعتمدها من مركزه الرئيسي في عدن، ومن خلالها سيقيم مركز العملات الأجنبية في المراكز المالية، لكل البنوك التَّجارية والإسلامية في البلد، على أساس النشرة التي ستنشر،
وعلى الواقع كان سعر الريال يتقهقر وفي أول مزاد فقد تقريبًا 30% من قيمته، وتوالت الإخفاقات وانتشرت أماكن الصرافة أفرادًا وشركات بشكل لافت، وعجز البنك المركزي عن أداء كل وظائفه، ونشطت محلات الصرافة على حساب البنوك في إدارة تمويل الاستيراد، كل الاستيراد تقريبًّا، وأمام تدهور الوضع، وبعد مضي أقل من عامين تقريبًّا جاء القرار الجمهوري رقم ( 11 ) الصادر في فبراير من العام 2018م، قضى بموجبه تعيين محمد زمام محافظًا للبنك المركزي، وتزامن ذلك مع الإعلان عن إيداع وديعة سعوديه بمبلغ (2) مليار دولار؛ لتمويل واردات ست من السلع الأساسية فقط.
وخلال هذه المدة أثَّرت الاضطرابات السياسية على الأداء الاقتصادي، ونشب الصراع بين رئيس الحكومة أحمد بن دغر، ودولة الإمارات، وتمَّ عزله وإحالته للتحقيق في أكتوبر من العام 2018م، وتعيين الدكتور معين عبدالملك بدلًا عنه، ومن المفارقات أن أحد أسباب إقالته تدهور قيمة العملة، التي تجاوزت أو دنت تقريبًا من (400) ريال للدولار الواحد، وسوء الأحوال المعيشية ؟!!! ولا شك أنَّ الوديعة السعودية أحدثت استقرارًا نسبيًّا في سوق الصرف، فيما غاب بشكل كبير الأثر المرتجى من الوديعة في تأمين أسعار السلع للناس بمستويات معقولة، والأكثر خطرًا هو ما تفجر من إعلان مستشار رئيس الجمهورية الأخ حافظ معياد بإتهامه محافظ البنك المركزي بالتربح غير المشروع بالمصارفه، وبمبلغ أكثر من (9) مليارات ريال، كما ادَّعى ونشر على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهو الأمر الذي أكَّد على صراع الأقطاب المتنافره ومراكز النفوذ داخل بنية الشرعية، وأثَّر تأثيرًا كبيرًا دون شك على سمعة البنك المركزي، وطُوي الأمر بالقرار الجمهوري رقم(11) الصادر في مارس 2019م، قضى بموجبه تعيين حافظ معياد محافظًا للبنك المركزي، الذي لم يمكث سوى ستة أشهر فقط، أدار ما بقي من الوديعة، وحاول ربط موارد مأرب بالبنك المركزي، وكثير مما أعلن عن إصلاحات لم تقدم على الواقع أي تحولاتٍ في الاستقرار لسعر الصرف، الذي ظل يرتفع لضغوط الطلب المتنامي لتغطية واردات عديدة، وأهمها فاتورة النفط التي لم يستمر مسألة تمويل مورديها عبر حساباتهم في الخارج، وجاء القرار الجمهوري دون سابق انذار بعزل حافظ معياد، وتكليف الأخ أحمد الفضلي بالقرار رقم (31) في سبتمبر 2019م، وتدهورت الأوضاع بشكل لم يسبق له مثيل على مستوى المعيشة، وسوء الخدمات وتدهورها، وبالذات إمدادات المياه والكهرباء، وأزمة المشتقات النفطية ناهيكم عما سبقه من دورات الصراع المسلح بين قوات الشرعيه والانتقالي، التي أسفرت عن خروج قوات الشرعية كاملة من عدن العاصمة(المؤقتة)عدن، والسيطرة الكامله لقوات الانتقالي عليها، وأمام كل هذه الإرهاصات والتداعيات السابقة واللاحقه، لا نغفل دور التحالف الذي كان بإمكانه عمل الكثير مما يجب منعه دون أن تصل الأمور لما وصلت إليه خلال أكثر من ستة أعوام، وكأنَّهُ اكتفى بتحديد وضبط ترموتر الصراع في إطار المحافظات الواقعة تحت سيطرة الشرعية، التي يشارك أيضًا في إدارتها، وبالنتيجة كنَّا تقريبًا أمام حصاد سوء السياسات وإدارة الشأن العام، الذي تعكسه حقائق الواقع الاقتصادي بالأرقام الآتية:
* عجز العام 2017م، بمبلغ (500)مليار ريالٍ تقريبًا.
* تصاعد في العام 2018م، إلى (900)مليار ريالٍ تقريبًا .
* ظلَّ العجز في العام 2019م، 2020م، بمبلغ (900) مليار ريالٍ تقريبًا لكل عام .
* بلغ السَّحب على المكشوف(3.1) تريليون ريالٍ تقريبًا.
وتشير معلومات أولية بارتفاعه إلى (4)تريليون ريالٍ تقريبًا نهاية العام الجاري.
اليوم وأمام بارقة الأمل التي أطلت بالخطوة صفر في إصلاح إدارة البنك المركزي، يتطلع النَّاس إلى قرارات عاجله تواصل عملية التغيير لإصلاح أوضاع مؤسسة الحكومة، وحتى تغييرها بكفاءات وقدرات إدارية ومهنية وعلمية، بما يمكن من إنتاج برنامج عمل استثنائي إجرائي تنفيذي، يستوعب المهمات العاجلة وقصيرة المدى، لعمل الحكومة بما يضمن أولًا وعاجلًا سيطرة الحكومة على مواردها، ومن كل مصادرها المركزية والمحلية، وضمان توريدها للبنك المركزي؛ هذه الموارد التي يتخطفها منتسبوها من المهرة إلى عدن، وما بينهما، وإغلاق كل الحسابات الجارية للجهات الحكومية المودعة خارج البنك المركزي، وغيرها من القضايا ذات الصلة بإدارة المالية العامة للبلاد، بما يحقق التَّكامل بين سياسات وإجراءات الحكومه والبنك المركزي، وكما يبدو أن الدعم المالي حاجةٌ ملحةٌ، وماسة تحت أي مسمى مشروطًا بالإصلاحات، التي يجب أن تجريها الشرعية في حكومتها، هذه أو أي حكومة منتظرة متوافق عليها .
يحدونا الأمل إذا ما تظافرت جهود الجميع (شرعية، انتقالي) وكما توافقوا على التغيير في إدارة البنك المركزي/خير ما فعلوا،/نثق في أنَّهم سيؤثرون مصالح الناس، وما يتهددهم من خطر المجاعة والفقر، وصعوبة المعيشة، التي كشفت أحوال الجميع بمختلف مستوياتهم ودخولهم، وقد تقود لا سمح الله حال تفاقهما إلى تهديد المجتمع في أمنه وسلمه الاجتماعي؛ الأمر الذي نخاطب فيه مسؤولياتكم الوطنية والأخلاقية، والعمل كفريق واحد، يترجم نص القاعدة الفقهية(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) .

صالح الجفري
مديرعام موارد محلية سابقًا، مدرب في إدارة الموارد المحلية .