آخر تحديث :السبت - 18 مايو 2024 - 11:37 ص

كتابات واقلام


الذكرى 49 لاستشهاد عبد الباري قاسم

السبت - 30 أبريل 2022 - الساعة 08:55 م

د. وليد عبدالباري قاسم
بقلم: د. وليد عبدالباري قاسم - ارشيف الكاتب



تسعة وأربعون عاما لاستشهاد المناضل عبد الباري قاسم صالح مع نخبة من خيرة أبناء عدن والجنوب العربي والذي تم الغدربهم وتصفيتهم بتفجير طائرة الدبلوماسيين المشؤومة صبيحة 30 ابريل 1973، وكان انتقام السماء بعد الحادثة ببضعة سنوات رادعا ومهولاً لكل من خطط ونفذ تلك الجريمة. فليرحم الله شهدائنا الابرار ولا نامت أعين الجبناء ممن تبقوا تطاردهم عواقب الاثم والذنوب على ما اقترفوه من جرم وسيصلون بها في الاخرة.
في الذكرى 49 لحادثة الاستشهاد لطائرة الدبلوماسية المغدورة والمنسية تلك يطيب لنا هنا استذكار بعض من صفحات الذاكرة لزمن جيل الاوائل الذين حلموا بوطن مزدهر وعزة وكرامة الى السماء، لابناء هذا الشعب الكريم ونقتبس هنا من صفحات تاريخ والدنا الشهيد عبد الباري قاسم، واختص الحديث هنا بذكر جزء من تاريخه النضالي لبناء جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية في تلك الحقبة من الزمن ، الا وهو الدور الوطني والمخلص في السلك الدبلوماسي وتأثيره على الصعيد السياسي، الاقتصادي والثقافي لبناء جسر التواصل مع دول الجوار ودول العالم لخدمة الوطن بقلب رحب وروح مطمئنة وشرف حب الوطن بينما الاوغاد الخونة والمرتزقة كانوا ومازلوا يتربصون حتى اللحظة لتدمير الوطن مقابل بخس الثمن من الحسابات الشخصية و القروية الضيقة التي كانت دوما وراء هلاك اليمن ارضا وشعبا.
بعد الاستقلال في 1967 من الاستعمار البريطاني والذي للامانة التاريخية يجب ان نقولها بكل موضوعية انه كان وراء جعل هذه المدينة دون سواها من مدن اليمن ان لم نقل بعض من طليعة المدن العربية في قمة التاج البريطاني تطورا وازدهارا ورقيا مواكبا للنهضة الصناعية الراسمالية بل وجعلها واحدة من اعظم المدن التجارية في العالم. منذ التباشير الاولى لفجر الاستقلال اندفع بحماسته المعهودة الشهيد عبد الباري قاسم بسعيه الشخصي لبناء الوطن من خلال فتح العلاقات الدبلوماسية مع دول ليست بعظيمة ولكن جل رؤويته للاسف لم تكن الارتهان وتثبيت مركزه السياسي من خلال التبعية والولاء الخارجي لقوى دولية استقطابية عظمى بهدف آني للاستئثار بالسلطة بقدرمسكونيته بخدمة الوطن والبحث عن فرص وطاقات وثروة كبيرة مكتمنه في أصل الانسان اليمني وارتباطه بالارض ولهذا ترجم رؤويته تلك من خلال البحث عن الانسان اليمني في المهجر وتحديدا من الجالية الجنوبية من التجار ورجال اعمال الذين سيكون لهم باع كبيرا لنهضة اقتصاد البلد، ومن هذه الدول كانت في الاجندة الدبلوماسية للشهيد : اندنوسيا، كينيا وتنزانيا.
ففي شهر يناير من عام 1969 كان الشهيد عبد الباري قاسم رئيس ومؤسس صحيفة 14 اكتوبر، قد اقترح على الرئيس قحطان الشعبي حينها بالسفر الى اندنوسيا وتعزيز علاقاتنا الدبلوماسية معها لما له مصلحة الوطن لحساب تواجد جالية يمنية حضرمية تصل الى قرابة المليون نسمة، وبالفعل وافق الرئيس قحطان على المقترح وترجمت الفكرة الى زيارة لقت ترحيب كبير من رئيس اندنوسيا (سوهارتوا) بالرغم من احتجاج بعض الصحف الاندنوسية والتى نشرت اخبار عن ان صحيفة 14 اكتوبر التي يتراسها رئيس الوفد اليمني السيد عبدالباري قاسم قد تعرضت بالاساءة الى شخص الرئيس الاندنوسي أنذاك سوهارتوا، وللأسف قد اتضح لاحقا حين عودة والدنا الى عدن ان ذلك الخبر قد تم نشره في صحيفة الثوري وعن عمد بغرض افشال الزيارة واستجابة لتدخلات خارجية كحروب بالوكالة عبر اطراف اقليمية من الاجنحة اليسارية المتطرفة من الفصائل الفلسطينية التي استطاعت التاثير على بعض تيارات الفصيل اليساري بالجبهة القومية ( تماما كما يحدث اليوم من مناكفات وخصومة بين اطراف القيادة السياسية وهو لعيني مرض مزمن بالقيادة اليمنية وسبب فشلها الدائم عبر العقود المنصرمة).
عموما كشف والدي للرئيس سوهارتوا انه لايوجد أي دلليل يثبت نشر مقالة في صحيفة 14 اكتوبر تذم فيها رئيس اندنوسيا، وبالفعل تم الاعتذار له وحصل على حفاوة وترحيب دبلوماسي كبير له واستطاع الاجتماع بالجالية اليمن الجنوبية والتى اغلبها كانت من حضرموت حتى انهم اهدوه كتاب عن الهجرة الحضرمية لاندنوسيا مند البداية وحتى تسليمه ذاك الكتاب واستطاع ان يقنعهم بالعودة إلي الوطن والاستثمار لينهض بالبلد براسمال من ابناءه، وتوجت تلك الزيارة بنجاح دبلوماسي منقطع النضير تاسست على اثره أول قنصلية دبلوماسية بين الجنوب اليمني واندنوسيا (بعد عام تقريبا اصبح الاستاذ محمود عراسي رحمه الله قنصلا فيها) وهكذا عاد الوالد لعدن فخورا باهم نجاح للوطن والشعب.
في شهر يونيو 1969 جاءت الخطوة التصحيحية وتم الانقلاب الابيض دون اراقة للدماء على الرئيس قحطان الشعيبي، واصبح حينئد رئيس الجنوب اليمني سالم ربيع علي الملقب ب (سالمين) والذي بدوره استدعى والدنا الشهيد عبد الباري قاسم من حضرموت - حيث كان هناك المسؤول الاول للتنظيم السياسي الجبهة القومية و بمثابة المحافظ – ليتم تعينه وزيرا للثقافة ووزيرا للتربية والتعليم بالوكالة، وهنا بدات مرحلة جديدة وافاق عظيمة لدى الشهيد عبد الباري لخدمة الوطن، حيث وضع اول خطة ابتعاث للطلاب الى الخارج واقترح مضاعفة نسبة الابتعاث السنوي بواقع مئة بالمئة بحيث يصل عدد المبتعثين ليغطي كل خريجين الثانوية العامة المؤهلين لمواصلة الدراسة الجامعية بالخارج كتعويض عن عدم وجود جامعة وطنية – وبالمناسبة الوالد اول من تقدم بمسودة لانشاء جامعة في عدن لتكون اول جامعة وطنية بحسب طلب استثنائي من رئيس الوزراء انذاك المرحوم محمد علي هيثم - الا انه احبط من شدة الفساد في الوزارة - ووضع العصا المتعمد بالدواليب كما يقال في المثل لعرقلة تنفيد مقترحاته - والذي اعاق تأدية واجبة بنزاهة وشرف، ولهذا قدم استقالته بعد ستة أشهر من تعيينة بنفس العام، ثم وفي يونيو من عام 1970 عين سفيرا ومفوضا فوق العادة في سفارتنا الصومال وهناك بدا بخدمة الوطن بكل اخلاص ولم يكتفي بالعلاقات الدبلوماسية في الصومال بل سعى للتوسع من خلال زيارته كينيا وتنزانيا وهناك اكتشف خيرة كوارد وتجار اليمن مثل الشيخ التاجر صالح باثواب رحمه الله وآخرين وبدأ بحثهم وإقناعهم للعودة للوطن وبناءه ووعدهم بمستقبل زاهر وفرص مغرية لتشجيع استثماراتهم، وبالفعل فقد نجح بذلك المشروع الوطني وحقق فيه اكبر نجاح، وطني قدم منه كبادرة تستحق الثناء لخدمة شعبة.
وكما حدث معه في الزيارة الاولى الى اندنوسيا من محاولة تعكير صفو برنامجه وتعطيل مهمة الدبلوماسية وللاسف من قبل قوى داخلية في نفس السلطة وانما تتبع اجندات خارجية كما اوضحنا سلفا ، فانه في رحلة التأسيس لسفارة اليمن الديمقراطي الى كينيا تعرض هذه المرة لضغط وتهديد اكبر من قبل السفارة الاسرائيلية بنيروبي عاصمة كينيا ونشرت احدى الصحف الموالية لتلك السفارة الصهيونية تحذير من خطورة الدور الذي يقوم به المبعوث اليمني للرئيس سالمين في كينيا والذي وصف بانه دور معادي لاسرائيل ويهدد الامن القومي الكيني وعلى اثر ذلك تم طلب مستعجل بمغادرة السفير عبدالباري قاسم من مدينة ممباسة الكينية ،حيث تتواجد اكبر جالية حضرمية هناك وقررالعودة الى دار السلام في تنزانيا حيث نجح في مقابلة الرئيس جوليس نيريري رئيس تنزانيا وتم اعتماده كاول سفير لليمن الديمقراطي هناك ، كما تمكن من اللقاء برئيس اقليم زنجبارونائب رئيس جمهورية تنزانيا انذاك عبيد كرومي – والذي كان معظم تجارة العبيد في الحقبة البريطانية يتم جلبهم من تلك الجزيرة الى جنوب اليمن ومنها سميت مدينة زنجبار في ابين- وبعد حوار مطول بين والدنا ورئيس الاقليم عن ذلك الزمن الاستعماري المهين وما قامت به الثورة من تغيير جذري في الموقف من القوى الطبقية وفي المناطق التي كانت الناس تحت الاستعباد وتحريرها فقد اظهر رئيس الاقليم اعجابه بهذا التغيير وقرر تقديم منحة مساعدة بحوالي نص مليون طن من القمح الاسترالي لمدينة عدن.
في شهر ابريل من العام 1973 تم الدعوة لتنظيم الموتمر الاول للدبلوماسيين والذي استمر على مدى اربعة ايام وفي الختام تقرر تنظيم برنامج استطلاعي لتعريف الدبلوماسيين بالتغييرات الثورية التي حصلت بمحافظات الجمهورية وفي خاتمة زيارته كانت لديهم رحلة الى شبوة و فوق سماء شبوة وعلى طائرة (دي سي 3 داكوتا ) ، والتي اقلعت مع الساعة التاسعة والنصف صباحا من مطار عتق متوجهة الى مطار الريان بالمكلا لمشاركتهم احتفالات الاول من مايو عيد العمال انفجرت الطائرة بالجو – ويعتقد ان عبوة ناسفة مبرمجة تم وضعها ضمن حقيبة وصفت بانها خاصة قام احد ضباط الشرطة العسكرية قادما من عدن خصيصا بتسليمها لكابتن الطائرة وانفجرت بعد بضعة دقائق من اقلاعها وقتل كل من بها - كما روى لنا تلك القصة احد اعضاء المؤتمر السفير محمود جعفر رحمه الله - كان في تلك الرحلة نخبة من سفراء وقادة الثورة من الرعيل الاول لقيادة الثورة والجبهة القومية نذكر منهم البعض فقط ونعتذر لبقية القائمة التي نشرت مسبقا في العديد من الصحف في مثل هذه المناسبة .
1.محمد صالح عولقي وزير الخارجية
2.عبد الباري قاسم صالح سفير في جمهورية الصومال وغير دائم في كينيا وتنزانيا
3.محمد صالح الشاعر سفيرنا في موسكو
4.سيف الضالعي سفيرنا في بغداد
5.نور الدين قاسم صالح ثاني محافظ لعدن بعد الاستقلال وسفير في وزارة الخارجية
6.محمد ناصر محمد مؤسس واول رئيس لوكالة انباء عدن

في الاسبوع الاول من مايو بعد حادث تفجير الطائرة وصلت سفينة قادمة من استراليا الى ميناء عدن تحمل نصف مليون طن قمح مساعدة لليمن من اقليم زنجبار في تنزانيا تذكار اخلاص لجهود الدبلوماسي عبدالباري قاسم لخدمة وطنه.

الرحمة على ارواح الشهداء الابرار والسكينة والمغفرة لهم ولتبقى ذكراهم عاطرة وعبرة مخلدة للاجيال . وإنا لله وإنا إليه راجعون .
د.وليد عبد الباري قاسم صالح
أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية المشارك
كلية المجتمع/عدن

الشهيد عبدالباري قاسم أثناء استقباله للقاء مراسيم الرئاسة في العاصمة الاندنوسية جاكارتا


بلقائه الجالية اليمنية في ممباسا / كينيا


الرئيس التنزاني / جوليس نيريري

 نائب الرئيس التنزاني/ عبيد كرومي