آخر تحديث :السبت - 18 مايو 2024 - 11:07 ص

كتابات واقلام


في الذكرى 72 لميلاد الاديب المبدع ميفع عبد الرحمن أحمد

الخميس - 07 سبتمبر 2023 - الساعة 11:16 م

د. وليد عبدالباري قاسم
بقلم: د. وليد عبدالباري قاسم - ارشيف الكاتب


أستاذ التاريخ الحديث المشارك - كلية المجتمع- عدن

(صورة شمسية للأديب ميفع عبدالرحمن في 11أبريل 1966)

يصادف يوم الجمعة الموافق الثامن من سبتمبر 2023 الذكرى السنوية 72 لميلاد الاديب اليمني المبدع وعملاق القصة القصيرة اليمنية ميفع عبدالرحمن أحمد.
كان ميفع نموذج للأديب المعتز بذاته والزاهد في حياته بعيداً عن روح التسول وتوظيف قلمه للمدح سعياً وراء المكاسب المادية أو المنافع الشخصية أو العائلية أو الجهوية، تشبعت سيرة حياته وطوال الفترة الممتدة من ميلاده حتى وفاته عن 70 عاماً، بالتزامه وتمسكه بقيمه الاخلاقية المثالية حد التشدد والجمودية رافضاً كل أشكال المساومة للانغماس في عالم الملذات والمنافع السلطوية شديدة الاغراء والإغواء والتي كان جل مطلبها بتطويع قلمه وترويض الكلمة لسلطان عبدة الثالوث المحرم لديه : المال وتمجيد الفرد واللذة. لن نطيل على قارئنا العزيز هنا في التعريف بكلمات منمقة عن الاديب المبدع المنسي والمهضوم في زمن الغبار والانحدار الكبير الذي نعيشه للأسف اليوم من تهميش قامات مثقفينا وحملة مشاعل الفكر والتنوير ، ونكتفي هنا بإتاحة الفرصة لإحياء الذكرى لكلماته القصصية الرائعة لتعيدنا الى ذلك الزمن الذي نحت فيه معالم شخصيته المبدعة من خلال عملية تماهي بلاغية وفكرية فذة لتصوير ولفت النظر لأستاذ الاجيال الشهير في عدن وثانوية عبود الاستاذ عبدالله شرف سعيد  تمكن من خلال إسقاط تماثل لشخصية الاديب باستاذه ذو السلوك المتواضع المتشبث بنكران الذات والمتفاني والمخلص بحبه لمهنته. وهنا اسمحوا لنا ان ندعوكم للاستمتاع بقراءة هذه القصة والتي وردت ضمن مجموعة الاديب ميفع القصصية الثانية بعنوان " الاستحمام بماء ورد الفرح " والصادرة عن دار الهمداني للطباعة والنشر، عدن، 1983م، والتي من خلالها سترون كيف كان يقدر المعلم و التعليم والتربية لإعادة صياغة وعي الاجيال وبأسلوب تربوي احترافي لإعادة تشكيل وعي الاجيال وتعميق رؤيتها الفكرية تجاه قضاياها المستقبلية المصيرية بعيداً عن عالم التفاهة والاستهلاكية السطحية للناشئة .
الرسم الحر والقراءة الصامتة
(قصة قصيرة :الى التربوي التقدمي القدير:الاستاد عبد الله شرف سعيد)
أجابهم وانطلق خارج الحجرة . حاولوا ان يجدوا لديه التناغم بين لون قميصه ولون بنطاله.. فخابوا.
- القميص اخضر والبنطلون ازرق !
وضحكوا بسخرية. جدران الحجرة تداعت عنهم، وهم يضحكون رآهم وتأسى على حين غرة منهم ، دوهموا بعينيه تحرقان وجوههم. كالعادة ، التجأوا لأدراج مكاتبهم - بخزى- يخبئون فيها الحفنة الباقية من تندرهم به.
سألوه الرأى عن امرأة – سموها له – لا يعرفها. وأوغلوا فيه :
- ألا ترتاد السينما ؟
- ألا تشاهد افلاما ؟
- ألا تعرف ابرز الممثلات والممثلين المصريين؟
- ألا تهتم بالفن والمجتمع؟
ووجهوا اليه ثلاث دعوات: الاولى على قات ، والتانية على فيلم مصري، والثالثة على ....
• • •
- صفية العمري! يا أستاذ !
- طيب ميرفت أمين !
وهو ليس كما يتصورون.. فلم يستطيع كضم أساه. وفي الطريق، راح يلقى محاضرة على تلاميذه.. فانقسموا نصفين: معه وضده، وشعر بارتياح عميق.
• • •
سأله احد التلاميذه على الطريق. أجاب:
- في: (العصفور).
- تقصد الفيلم يا أستاذ.
تأكد احد تلاميذه، من الذين كانوا ضده في محاضرة الطريق. وصاح آخر بمرارة:
- لم نفهمه يأستاذ.
سألهم:
- كم مرة شاهدتموه؟
أجابه ثالث – من الذين معه – بتندم:
- مرة واحدة.
- و: (أبي فوق الشجرة)؟
سألهم. ردوا بمتوالية عددية بأصوات خجولة:
- خمس مرات.
- عشر مرات.
- خمس عشر مرة.
وكان الثلاثة من الذين ضده. ففكر: "لدينا مايكفي من الوقت لنبذر، ونروى، ونعمل، وننتظر – نحلم – ونعيش، ونرى".
• • •
يفتح المذياع. يستحم. يرتدى ملابسه يشرب كوب شاى- بلا حليب. يجلس ليقراء.
في الحمام يغني مع المذياع ، بعد ان يقراء ما أمكنه من الرواية التى بيده كازانتراكيس يغادر منزله، عائداً - عصراً – الى مدرسته .
يأخذ مقعده في الأجتماع يتحدث بدقة، ويصغى بدقة. بعد الاجتماع لاحظ لنفسه :( الطريق بخير- من الذرة في غبار الطباشير، إلى الذرة في شعاع الشمس. ونحن بخير في الرعي، وفي النبوة- برغم حوائط القات الشائكة، وبرغم الريش المنتوف في جناح العصفور))
ومن الاجتماع يؤوب تواً إلى داره يجلس ليقرأ ما أمكنه من رواية (الأخوة الأعداء)- ما لايقل عن ساعتين.
• • •
-خالف تعرف.
-تهامسوا بذل . أحس ألسنتهم تنهال على كتفيه. يروقهم أن يقتلوا وقت استراحتهم به. يدميه الأسى من الداخل يقول لهم بطيبة:
-فاقد الشئ لا يعطيه.
تختلج رموشهم وشفاههم يطأطئون رؤوسهم - وهم زملأوه.
• • •
-للمادة قطبان. والمادة هي الأسبق.
يعيد على تلاميذه في الفصل. يمضى معهم متألقاً بالفلسفة والفيزياء معاً- على الدوام.
• • •
كفوا عن البحث العابث عن التناغم بين لون قميصه ولون بنطاله، بنطاله وجواربه، جواربه وحذائه. دون أن يكتشفوا التناغم الكبير بين طول قامته وطول باله، وقد دعاهم لمشاهدة فيلم من قطب الطمأنينة.
• • •
في البداية، حين رأوه، سألوه- متندرين به ، ساخرين منه :
-أي دروس ستعطيها للتلاميذ؟ يا أستاذ.
فأدرك كنه سؤالهم، وأجابهم بلطف هازئ:
-الرسم الحر والقراءة الصامتة.

مايو -1976م