آخر تحديث :الإثنين - 06 مايو 2024 - 12:06 ص

كتابات واقلام


التصالح والتسامح الجنوبي_الجنوبي.. في ذكراها

الجمعة - 12 يناير 2024 - الساعة 08:57 م

صالح هيثم فرج
بقلم: صالح هيثم فرج - ارشيف الكاتب


صالح هيثم فرج

18عاما مضت على لقاء  التصالح والتسامح التاريخي الذي دعت له جمعية ردفان الخيرية الاجتماعية/عدن رابع أيام عيد الأضحى المبارك عام  1427هجرية التي صادف
يوم الثالث عشر مِــن يناير 2006م في مقرها سابقا في حي المنصورة بالعاصمة عدن لقد مثّــلَ  ذلك اللقاء تحولا فارقا بتاريخ الجنوب المعاصر باعتباره نقطة انطلاق  لثورة شعبية  توعوية تؤسس لثقافة تسامح وتصالح مع النفس الجنوبية الجنوبية  للمضي الى المستقبل ،صوب استعادة الحق الجنوبي من بين مخالب قوى الحرب والاحتلال، لقد كان التصالح والتسامح  الجنوبي واحدا من أهم محفزات وارهاصات الثورة الجنوبية التي شكل القاعدة الصلبة لانطلاقتها  رسميا في مهرجان 7/7/2007 في  ساحة العروض خور مكسر الذي دعت له جمعية المتقاعدين العسكريين والامنيين وعُـرف مجازا باسم إنطلاق ( الحراك الجنوبي)، الذين فقدوا وظائفهم،  ناهيك عما جرى من تدمير وعبث ونهب بكل ممتلكات الشعب، والتعدي على تراثه المادي والمعنوي الضارب جذوره بأعماق التاريخ.
- فقد أدركت القوى اليمنية - بكل تفرعاتها السياسية والحزبية والقبلية والعسكرية والدينية التقليدية، هذه القوى  التي أمسكت بناصية الأمور في الجنوب  غداة يوم 7يوليو 1994م - أنه من الصعوبة بمكان أمامها أن تحقق ما تتطلع له بالجنوب من غايات  السيطرة والاستحواذ والنهب والإقصاء، إلّا من خلال إحداث شقوق كبيرة بالجدار الجنوبي وبتعميق معاناته وبشعور بالتوجس من ذاته ، برغم ما تمتلكه هذه  القوى من طاقات عسكرية طاغية وما تتسلح به من أمكانيات هيمنة وتأثير مالي وإعلام لا نظير له، وبرغم اختلال ميزان القوى لمصلحة الطرف الشمالي المنتصر، ودخول الجنوب في مرحلة الإخضاع، وأساليب القتل والاعتقال والمطاردة. فقد كان الصدع الأكثر ملائمة  لهذه القوى للنفاذ من خلاله للمزيدٍ من الهيمنة والتسلط هو استدعاء الماضي، والنبش في الخلافات القديمة ،وإذكاء الفتن من جديد، ونكئ الجراحات بالجسد الجنوبي،  فقد شكلت تلك الهجمة العدائية ضد الجنوب والتي استهدفت ماضيه وحاضرة، فضلاً عن مستقبله ومستقبل أجياله وارتأى ضرورة القيام  بطي صفحة الماضي الأليمة من تأريخه, وفتح صفحة مشرقة تؤسس لثقافة تصالحية تسامحيه قادمة تعم كل الأرجاء وتشمل شتى الصُـعد, وألّا تقتصر على الصعيد السياسي وحسب، بل تتجاوزه إلى ما هو أبعد وأهم منه، ونعني هنا الصعيد الاجتماعي. كما أن ترسيخ ثقافة توعوية تسامحية  في مفاصل المجتمع لا يعُــد فقط مهمة وطنية وسياسية، بل مهمة اجتماعية وواجب انساني، وقبل هذا وذلك هي مهمة أخلاقية، وفرض عين على الجميع الاضطلاع به لإشاعة روح التسامح الجنوبي وإصلاح ذات البين مع الماضي، والتعايش مع الحاضر, ولتأسيس قاعدة صلبة للمستقبل.
فالضرر الذي طال الجنوب جرّاء سياسة إشعال الفتن ضد بعضها بعض لم يطال النخبه السياسية فقط كما يتصور البعض بل ضرب عمقه ونسيجه الاجتماعي  وحاول تمزيق أواصره وعُــراه، لولا أن تداركه الله بذلك الفعل التصالحي الذي انطلق  في  يوم الــ  13من كانون الثاني يناير 2006م.وأسس من حينها لعهدٍ جديد من التعايش المجتمعي، واستطاع شعبنا أن يسجل حالة فريدة في التاريخ العربي، فقد أستطاع أن يحول مناسبة ارتبط أسمها  بالاختلاف والتنافر كمناسبة 13 يناير الى  مناسبة  للائتلاف والتضافر,بل واستطاع أن يحول هذه المناسبة من مناسبة ظلت سلطة ما بعد حرب 94م تترقبها لتبث فيها مزيدا من سموم الفرقة بالجسد الجنوبي الى مناسبة لاحتشاد الجماهير في كل الساحات على طول الجنوب وعرضه تضج  بشعاراته الثورية وهتافاتها التصالحية وبصرخات بوجه الغزاة وصناع الفتن والتمزق ،وبالتالي تحولت هذه المناسبة  بالنسبة لتلك السلطة الى كابوس مزعج يؤرق مضجعها كل عام تتمنى ألا يأتي ثانية. 
   ومع بزوغ هذه الثقافة التصالحية الجنوبية وبعد أن بدأت تأتي ثمارها وتندمل معها الجراج الجنوبية الغائرة في عموم محافظات الوطن من المهرة شرقا الى باب المندب غربا فقد ثارت ثائرة تلك القوى المتشيطنة وجنّ جنونها، وشرَعت منذ اليوم الثاني للقاء التصالح الجنوبي بحملات قمع واسعة النطاق،  على مراحل متتالية- واستهدفت بحقارة الصحف التي غطت ذلك الحدث العظيم ومنها صحيفة( الايام) الغراء التي طالها النصيب الاكبر من الانتقام والأذى.
وبرغم ذلك استطاعت الثورة الجنوبية أن تشق طريقها وتوسع من حضورها طولا وعرضا بمساحة الوطن وبين شرائحه وأطيافه المختلفة وفئات مجتمعه المتعددة، بلغت ذروت  نجاحها في عام  2008م ، حتى أندلعت الحرب الأخيرة عام 2015م التي وجد الجنوب نفسه في غمرتها
وبعد النصر العسكري الذي احرزه الجنوب بمعية التحالف حصل استقطاب خارجي أضر هذا الاستقطاب بمسيرة التصالح الجنوبي الى حد كبير..

وعطفا على هذا الواقع ،وفي هذه المناسبة نكرر دعوتنا  للجميع بمواصلة مشوار ثورتنا التسامحية المباركة حتى بلوغ غايتها،
وأن يدرك الجميع أنهم  ما يزالون أمام مهمة مستمرة جوهرها التصدي لهذا الاستهداف ومواصلة ترسيخ الثقافة التسامحية وتوطيدها أكثر وأكثر، ومترفعين عن كل اعتبارات سياسية وحزبية وفوق كل  الصغائر، وفوق كل الحسابات الجهوية وسواها من الحسابات العقيمة.