آخر تحديث :الجمعة - 17 مايو 2024 - 11:57 م

كتابات واقلام


العلاقات الدولية

الجمعة - 21 يونيو 2019 - الساعة 08:41 م

د. وليد عبدالباري قاسم
بقلم: د. وليد عبدالباري قاسم - ارشيف الكاتب




لقد نشأت العلاقات بين الدول منذ زمن قديم، وبالأخص عندما وجدت هذه الدول نفسها بحاجة ماسة للاتصال فيما بينها تحقيقاً لمصالحها المتنوعة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. لذلك، فقد تزايد التوجه نحو التعاون بين الدول، وحصل انعطاف كبير في الميل نحو تعزيز التفاهم في حل المشاكل الدولية وإبعاد شبح الحروب، واللجوء إلى الطرق السلمية في معالجة ما يحصل من نزاعات بين الدول.
ولو استعرضنا المنطق التاريخي لوجدنا أن العلاقات الدولية قد نشأت منذ أن ظهرت المجتمعات المستقرة وربطت بينها صلات حضارية سجلتها يد الإنسان في نقوشه وكتاباته منذ أقدم العصور. وظلت تتطور وتنمو وتزداد تعقيداً كلما نمت وتطورت المجتمعات الإنسانية وازدادت مطالبها وتغيرت مفاهيمها.
*تعريف العلاقات الدولية، وطبيعتها في عالمنا المعاصر
العلاقات الدولية هي روابط وعلاقات اجتماعية، و من هدا المنطلق فإنها كباقي العلاقات الاجتماعية، تنظم بواسطة قواعد قانونية. حيت توجد مثل هده القواعد في اطار القانون الدولي العام مهمتها تنظيم العلاقات الدولية .
ولكن لابد من القول بإنه لا يوجد في الواقع قواعد منظمة لكل العلاقات في مجال المجتمع الدولي، وذلك حداثة القانون الدولي العام .
كما ان بقايا افكار وقواعد القانون الدولي القديم، وما فيهما من تعسف مبني على القوة في العلاقات بين الدول، لا زالت تجد لها مكانا في العلاقات الدولية، حيث ان سياسة (مركز القوة)، وامتيازات الدول الكبرى، كموقعها الخاص في مجلس الأمن، إضافة إلى سياسة مراكز النفوذ والهيمنة بحكم تقسيم العالم الى دول قوية ودول ضعيفة، كل هذا كان وما زال مصدرا لسوء العلأقات الدولية، حيث تعرضت هذه العلاقات بسبب ذلك لأزمات حادة ولَدت للبشرية كوارث ونكبات سببها غياب منطق العقل ومنطق الحرص على السلام، ليحل محلهما نزعات عدوانية تعكس عقلية الهيمنة والتوسع بغض النظر عن مصالح الشعوب وأمنها وحريتها ومثال على ذلك ما حصل من مآس للشعوب في الحربين العالميتين.
*لمحة موجزة عن تاريخ العلاقات الدولية وتطورها:
للعلاقات الدولية تاريخ قديم، يرتبط بحاجة الدول إلى أسس لتنظيم علاقاتها فيما بينها، فقد نشأت العلاقات الدولية منذ نشوء الجماعات البشرية، وقامت القبائل ثم تطورت، وعرفت الحرب والسلم والأعمال التجارية، لذلك يمكن القول إن هذه العلاقات قديمة قدم وجود الإنسان، بالرغم أن الكثير من العلماء يرون أن العلاقات الدولية بمفهومها الحديث لم تنشأ إلا منذ نشوء الدول الحديثة في أوروبا،أي أنها لم يكن لها وجود قبل مؤتمر وستفاليا سنة 1648م. وهذا الرأي حصر نشوء العلاقات الدولية ببلاد الغرب دون الشرق. ولكن الواقع يعكس أن العلاقات الدولية ترجع إلى ما قبل مؤتمر وستفاليا بأجيال كثيرة، حيث أن الكشوف الأثرية توضح أنه نشأت علاقات دولية منظمة بين بعض بلاد ما بين النهرين وبعضها منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، كالفراعنة ومملكة سباء واليونان.
ومن أجل استيعاب وتفسير طبيعة العلاقات الدولية في عالمنا المعاصر، فلابد من العودة قليلاً إلى بعض ملامح العلاقات عبر فترات وأحداث تعاقبت وتركت آثارها الواضحة على تطور العلاقات الدولية.
*العلاقات الدولية في عصر المؤتمرات
يعتبر مؤتمر وستفاليا (1648م.) الذي أنهى الحروب الدينية في أوربا والتي دامت ثلاثين سنة، نقطة تحول في تاريخ العلاقات الدولية، وذلك لأن هذا المؤتمر بالنسبة إلى أوروبا والغرب عموماً بمثابة نقطة البداية في تنظيم العلاقات الدولية على أسس واضحة المعالم.
وأهم ما جاءت به معاهدة وستفاليا من مقررات تتعلق بتنظيم العلاقات الدولية هي:
1. تعتبر فاتحة لما سمي فيما بعد ”دبلوماسية المؤتمرات" التي اتخذت صورة مقابلات بين الملوك والأمراء لتبادل وجهات النظر، فصلح وستفاليا كان نتيجة لأول اجتماع عقد بين الملوك والأمراء في هيئة مؤتمر.
2. أقرت مبدأ المساواة بين الدول دون النظر إلى نظمها الداخلية، سواء أكانت تتبع النظام الملكي أم الجمهوري، دون النظر إلى المذهب الديني الذي تأخذ به، كاثوليكياً أو بروتستانتياً. فكانت هذه المعاهدة بمثابة الخطوة الأولى نحو تثبيت علمانية العلاقات الدولية.
3. أقرت نظام إحلال البعثات الدبلوماسية الدائمة محل البعثات الدبلوماسية المؤقتة التي كانت قائمة إلى ذلك الوقت، وهذا القرار أدى فيما بعد إلى إقرار القواعد الدبلوماسية المتمثلة بالحصانات والامتيازات الخاصة برجال السلك الدبلوماسي والتي لم تكن معروفة من قبل.
4. أقرت فكرة توازن القوى بين دول أوروبا باعتبارها وسيلة لصيانة السلام، من خلال ردع الدولة التي تسعى إلى التوسع على حساب دولة أخرى، والحيلولة دون هذا التوسع لكي لا يختل توازن القوى بين الدول. ولو أن عبارة "التوازن الدولي" لم يشر لها صراحة في نصوص معاهدة وستفاليا، إلا أن تطبيق ما تتضمنه فكرة توازن القوى ظهر في القرارات التي اتخذها المؤتمر.
وقد استقر الحال في أوروبا على الوضع إلى أن عمد لويس الرابع عشر ملك فرنسا إلى توسيع ممتلكاته على حساب الدول المجاورة له، دون مراعاة لمبدأ توازن القوى، لذلك تحالفت الدول ضد فرنسا واشتبكت معها في حرب طويلة انتهت بإبرام معاهدة أوترخت (هولندا) سنة 1713م، أعيد بمقتضاها تنظيم أوروبا على أساس فكرة توازن القوى،ثم تلا ذلك وقوع أحداث دولية ذات شأن، منها ازدياد قوة روسيا وظهورها على الصعيد الدولي، ومنها إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1776م، ومنها الثورة الفرنسية سنة 1789م، وقد جاءت بمبادئها المعروفة وبفكرة حق الأمم في اختيار ما تراه من النظم الدستورية. لقد هددت مبادئ الثورة الفرنسية نظم الحكم في البلاد المجاورة لفرنسا، لذا فقد اتحد الملوك والأمراء على صدَ تأثيرات هذه المبادئ، ولكن بظهور نابليون بونابيرت انقلبت الدفع الثوري الفرنسي إلى حرب استعمارية ترمي إلى تكوين امبراطورية تكون هي صاحبة السيادة، لذا فقد اتحدت الدول ضد هذه النزعة إلى أن تم إحباطها بهزيمة نابايون المعروفة.
وبعد هذه الأحداث اجتمعت الدول في مؤتمر جديد هو مؤتمر فيينا سنة 1815م، لإعادة تنظيم علاقاتها. وكانت أهداف هذا المؤتمر في الأساس تتجسد في أمرين:
الأول: تحقيق توازن نسبي بين الدول الأوروبية الكبرى.
الثاني: قمع التيارات الفكرية الحرة التي نشرتها الثورة الفرنسية
*وأهم مبادئ وقرارات هذا المؤتمر هي:
1. إقرار مبدأ توازن القوى من جديد، واتخاذ إجراءات فعلية لتطبيق ذلك حيث قرر المؤتمر إعادة الملكية البروسية والنمساوية، وضم دولتي السويد والنرويج في اتحاد فعلي، وضم بلجيكا إلى هولندا ليجعل منها دولة واحدة قوية تكون حائلاً دون توسع فرنسا، كما أقر تجزئة دولة بولونيا بين روسيا والنمسا وبروسيا.
2. إقرار مبدأ المشروعية، وهذا المبدأ يعني، آنذاك، إعادة الملوك إلى عروشهم حيث اعتبر المؤتمر ذلك من الحقوق المشروعة التي يجب أن تعود لأصحابها.
3. إقرار مبدأ الحياد الدائم، وقد وضعت سويسرا بمقتضى هذا المبدأ في حال حياد دائم.
4. إقرار مبدأ حرية الملاحة في الأنهار الدولية.
5. تنظيم العلاقات الدبلوماسية بين الدول، ووضع قواعد لذلك لترتيب الممثلين الدبلوماسيين.
6. تحريم تجارة الرقيق.
وتلا مؤتمر فيينا سلسلة من المؤتمرات الدولية أطلق عليها فيما بعد أسم "الكونسرت الأوروبي" وكان الغرض منها تثبيت مبادئ مؤتمر فيينا.
ولما عاد الحكم الملكي إلى فرنسا عقد الحلفاء الذين هزموا نابليون معاهدة باريس في 30 مايو 1814م، وأعلنوا فيها عزمهم على إقرار سلام دائم بين الدول، يقوم على أساس من "التوازن العادل" بين القوى المختلفة، وعقب هذه المعاهدة عقدت "المحالفة المقدسة"، وهي تصريح مشترك صدر من امبراطور روسيا وامبراطور النمسا وامبراطور بروسيا، أعلنوا فيه ترابطهم وتحالفهم، وأن كان هذا التصريح لا يتضمن غير مبادئ عامة لا تقيد الدول الموقعة عليه بأي التزام معين، أما انكلترا فلم تنضم إلى هذه المحالفة، ولكنها أبرمت في 20 نوفمبر 1815م، معاهدة رباعية بينها وبين روسيا وبروسيا والنمسا مدتها عشرون سنة، وبموجب هذه المعاهدة تلتزم الدول الموقعة عليها أن تحاقظ بالقوة المسلحة على الأوضاع الإقليمية والسياسية التي تقررت في المؤتمرات الدولية، وأن لا تسمح بعودة عرش فرنسا إلى أحد من أسرة نابليون.
غير أن هذه الأنظمة لم تثبت طويلاً أمام حركة القوميات الجديدة، فالوحدة التي فرضها مؤتمر فيينا على بلجيكا وهولندا سرعان ما انحلت بإعلان بلجيكا استقلالها سنة 1830م.
وقامت بعد ذلك الثورة الفرنسية سنة 1848م، وفي أعقابها أُعلنت الجمهورية في فرنسا، وأعادت النمسا تكوينها كمملكة مزدوجة سُميت (الامبراطورية النمساوية المجرية)، وتم لإيطاليا وحدتها وكذلك ألمانيا، وبدأ تفكك الامبراطورية العثمانية، فاستقلت الصرب ورومانيا والجبل الأسود وبلغاريا☼.
كل هذه العوامل، مضافاً إليها، بروز النظام الرأسمالي العالمي وظهور النزعة الاستعمارية ذات الأهداف التوسعية على حساب الشعوب والدول الأخرى والتي تمخض عنها قيام الحرب العالمية الأولى، كل ذلك أدى إلى التخلخل في ميزان القوى الأوروبي، مما جعل دول العالم تشعر بالحاجة الماسة إلى إقامة منظمات دولية تساعد على تعزيز العلاقات بين دول العالم.

د. وليد عبدالباري قاسم صالح
أستاذ العلاقات الدولية المساعد
كلية المجتمع /عدن