آخر تحديث :الجمعة - 17 مايو 2024 - 11:57 م

كتابات واقلام


العلاقات الدولية في عصر التنظيمات

الثلاثاء - 25 يونيو 2019 - الساعة 08:43 م

د. وليد عبدالباري قاسم
بقلم: د. وليد عبدالباري قاسم - ارشيف الكاتب



لقد مرت العلاقات الدولية في مطلع القرن الماضي بأزمات وصراعات شديدة ادت إلى عدم فاعلية المؤتمرات والإجراءات الدولية في تنظيم العلاقات بين دول العالم، خاصة أوروبا، وتخلخل ميزان القوى في هذه المنطقة من العالم والذي أدى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى، كاول حرب شاملة في العالم، امتدت السنة نيرانها إلى أقصى بقاع الأرض كل ذلك جعل من فكرة إنشاء التنظيمات الدولية موضع اهتمام دول العالم وشعوبها، كمحاولة لتحقيق الأمن والسلام الدوليين، وللمساهمة في تعزيز العلاقات الدولية وفقاً لأسس تحظى باتفاق دول العالم.
فالهدف الجوهري من قيام المنظمات الدولية هو حفظ السلام وتخفيف حدة التوتر في العالم وفرض التفاهم والتعاون بين الدول، وهذا يعني عدم اللجوء إلى القوة والصدام المسلح في حل المشاكل الدولية، بل يستعاض عن ذلك بحلول سلمية بمختلف الوسائل كالمفاوضات والتحكيم وغير ذلك، وهنا بدأت مرحلة المنظمات الدولية.
عصبة الأمم (League of Nations)
التي تأسست عقب مؤتمر باريس للسلام في يناير 1919م، نتيجة لمعاهدة فرساي واتخذت (جنيف، سويسرا) مقراً لها، فلقد شكل قيام عصبة الأمم عهداً جديداً في العلاقات الدولية حيث انها أول منظمة عالمية ذات صفة سياسية في التاريخ تعطى صلاحية ضمان السلام والأمن الدوليين، وتقوم بوظيفة توثيق التعاون بين الأمم.
ولقد تعهدت الدول، وعددها 58 دولة، التي وقعت على "عهد العصبة" بالالتزام بالمبادئ التالية:
أ‌-عدم اللجوء إلى القوة من أجل حل القضايا الدولية، وذلك عبر اجراء المفاوضات والتحكيم الدولي.
ب‌-احترام قواعد القانون الدولي.
ت‌-احترام الالتزامات والعهود التي تنص عليها المعاهدات الدولية.
ث‌-قيام علاقات طيبة بين الدول على أساس العدل والشرف.
ج‌-تحسين اوضاع العمل بالنسبة للعمال ومعاملة سكان الدول المنتدبة والمستعمرة بالمساواة مع السكان والموظفين الحكوميين التابعين للدول المنتدبة.
ح‌-مقاومة الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة والعناية بالصحة العالمية وأسرى الحرب وحماية الاقليات العرقية في أوروبا.
غير أن جهود العصبة في صيانة السلم وتعزيز العلاقات الدولية باءت بالفشل في مواجهة القوى النازية والفاشية التي كانت حينها في اشد قوتها وكذلك لم يكن لديها قوة مسلحة خاصة بها قادرة على احلال السلام العالمي الذي تدعو اليه، فكانت تعتمد على القوى العسكرية للدول العظمى لفرض قراراتها والعقوبات الاقتصادية على الدول المخالفة لقرار ما، والسبب في عدم تكوينها جيش خاص بها هو أن غالبية أعضاء العصبة كانوا من الدول العظمى التي تتعارض مصالحهم مع ما تقره الأخيرة من قرارات، فكانوا يرفضون التصديق عليها أو الخضوع لها والتجاوب معها، بل غالباً ما قام بعضهم بتحدي قراراتها عنوة وإظهار احتقاراً لها ولمن اصدرها. وهكذا أثبتت العصبة عجزها في حل المشكلات الدولية عندما اخذت دول معسكر المحور تستهزئ بقراراتها ولا تأخذها بعين الاعتبار، وكان اندلاع الحرب العالمية الثانية دليل قاطع على فشل عصبة الأمم في تحقيق أغراضها الداعية إلى تحقيق السلام والأمن الدوليين، ومنع قيام الحروب المدمرة، فتم حل عصبة الأمم.
منظمة الأمم المتحدة (The United Nations)
ظهرت الخطوة الأولى في طريق إنشاء هذه المنظمة، في الوثيقة الشهيرة التي وضعها تشرشل وروزفلت (Churchill & Roosevelt) والتي عرفت "بميثاق الأطلسي" (Atlantic Charter) في 14 أغسطس 1941م، والتي نصت على إيجاد "نظام عام للأمن قائم على قواعد أوسع". ثم كانت الخطوة الثانية في يناير 1942م، في "تصريح الأمم المتحدة"، والذي هيأت مشروعه، دائرة الدولة الأمريكية ووقعته جميع الأمم التي تحارب الأنظمة النازية والفاشية، ثم تجلت الخطوة الثالثة في مؤتمر موسكو، في نوفمبر 1943م، والذي حضره وزراء خارجية الدول الثلاث: بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي، قرروا خلاله إحداث منظمة دولية تقوم على أساس المساواة بين جميع الدول المسالمة، ثم أكد هذا القرار في شهر نوفمبر 1943م، في مؤتمر طهران الذي جمع لأول مرة بين الزعماء الثلاثة: روزفلت، ستالين وتشرشل.
وفي ديسمبر 1943م، شكلت هيئة دراسات مركزها واشنطن، وذلك من أجل وضع المبادئ التي ستقوم عليها المنظمة الدولية الجديدة. وعملت هذه الهيئة على مرحلتين وعقدت اجتماعاتها في فندق "دمبارتون أوكس" (Dumbarton Oaks ) في واشنطن.
المرحلة الأولى استمرت من 21 إلى 28 سبتمبر 1944م، وحضر اجتماعاتها ممثلون عن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، أما المرحلة الثانية فقد استمرت من 29 سبتمبر حتى 7 أكتوبر، حضرها ممثلون عن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين. ولقد هاجمت بعض الدول اجتماعات اللجنة هذه لاقتصارها فقط على ممثلين لأربع دول كبيرة يقررون ما يتفقون عليه بشأن إنشاء منظمة دولية هامة تقع عليها مهام تنظيم العلاقات الدولية وحفظ السلام في العالم. ومهما يكن من أمر، فقد نتج عن اجتماعات "دمبارتون أوكس" اتفاق الأطراف المعنية على الفروع الأساسية التي يجب أن تتشكل منها المنظمة الدولية الجديدة، وهي:
•الجمعية العامة
•مجلس الأمن
• مجلس الوصاية
•المجلس الاقتصادي والاجتماعي
• محكمة العدل الدولية
• الأمانة العامة
كما نتج عن هذه الاجتماعات الاتفاق على إعطاء الدول الممثلة في هذه الاجتماعات بالإضافة إلى فرنسا، حق العضوية الدائمة في مجلس الأمن.
وفي شهر فبراير 1945م، وجد الرؤساء الثلاثة المجتمعون في يالطا حلاً لمشكلة تتعلق بطريقة التصويت، سبق وأن اختلفوا بشأنها، حيث تقرر إعطاء الدول الخمس الكبرى حق "النقض"(VITO) في مجلس الأمن،وهي: (روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة). وذلك استجابة لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعربت عن عدم موافقتها مستقبلاً على تنفيذ قرار يحظى بموافقة أكثرية ضئيلة من الدول الصغرى دون أن تكون هي راغبة فيه. ويعود سبب حصولهم على المقاعد الدائمة، نتيجة لانتصاراتهم في الحرب العالمية الثانية.
وعلى هذا، وافق الزعماء الثلاثة على إعطاء الدول الخمس الكبرى حق " النقض" لتتسلح به في منع أي قرار لا تكون هي راغبة فيه.
وفي مؤتمر (سان فرانسيسكو) الذي انعقد في 25 أبريل 1945م، استمر لشهرين، تم إعداد ميثاق المنظمة الدولية الجديدة، حضر هذا المؤتمر ممثلو (51) دولة من ضمنها خمس دول عربية وهي: مصر ، العراق، المملكة العربية السعودية وسوريا ولبنان. وعلى الرغم من أن هذا المؤتمر شهد معارضة قوية من قبل الدول الصغرى للامتيازات التي أعطتها الدول الكبرى لنفسها، وخاصةً حق العضوية الدائمة في مجلس الأمن والتمتع بحق "النقض" ، إلا أن هذه الامتيازات وغيرها من المبادئ التي نتجت عن مؤتمري "دمبارتون اوكس"Dumbarton Oaks" و "يالطا" Yalta"". تم إقرارها في هذا المؤتمر.
وعلى هذا، فقد تم إقرار ميثاق الأمم المتحدة في هذا المؤتمر، في 1945م، حيث تضمن الميثاق ديباجة و 111 مادة، بالإضافة إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية المكون من (70) مادة.
أما مبادئ وأهداف هذه المنظمة، فقد تناولها الميثاق في مادتيه الأولى والثانية، بالإضافة إلى الديباجة.
فاستناداً إلى الديباجة والمادة الأولى، يمكن اعتبار أهداف هيئة الأمم المتحدة هي: ضمان السلم، أمن الإنسانية، احترام حقوق الإنسان الأساسية، وتشجيع التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الشعوب.
وقد نصت المادة الثانية من الميثاق على مبادئ هذه المنظمة، وهي كما يلي:
•مبدأ المساواة في السياسة بين جميع الدول الأعضاء.
•القيام بالالتزامات الناشئة عن الميثاق بحسن نية.
•فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية.
•امتناع الدول الأعضاء عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية.
•تقديم العون للأمم المتحدة في تنفيذ القرارات التي تتخذها.
•العمل على تسيير الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة على مبادئ هذه المنظمة.
•عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.
فظهرت الأمم المتحدة إلى الوجود في 26 أكتوبر 1945م بعد تصديق الدستور من قبل الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الامن، وبأغلبية من الموقعين الآخرين ال (46) صوت 89 مقابل 2 عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي على تصديق ميثاق الأمم المتحدة في 28 يوليو 1945 وفي ديسمبر من نفس العام طلب مجلس الشيوخ والكونجرس بالإجماع من الأمم المتحدة أن يكون مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة. فقبلت الأمم المتحدة الطلب وتم بناء المقر في مدينة نيويورك، وفتح المقر رسمياً في 9 يناير 1951م.
وفي 2011م بعد تقسيم السودان أصبح هناك (193) دولة كأعضاء في المنظمة.
لقد اعطت الامم المتحدة لنفسها الحق في التدخل السلمي والعسكري إن اقتضى الامر لحل النزاع الدولي ولإحلال الأمن والسلم الدوليين الذي يعد من أهم أهدافها التي وردت في ميثاقها ولم تكن مقاصد الامم المتحدة في تحقيق التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ما هي إلا مبادئ مكملة لهدف حفظ السلم والأمن الدوليين ومن أجل تحقيق هذا الهدف فقد حرصت الأمم المتحدة على التدخل في غالبية النزاعات الدولية سعياً وراء تسويتها بالطرق السلمية وابعاد احتمالات تصاعدها إلى حروب تهدد السلام العالمي. وقد تأثر دور الأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية اثناء الحرب الباردة بأجواء الصراع بين القوتين العظميين (الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي) مما انعكس سلباً على مهمتها في حفظ السلام والأمن الدوليين، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991م، وإنهيار المعسكر الاشتراكي وإنتهاء (حلف وارسو – Warsaw Pact)، وجدت الأمم المتحدة نفسها مرغمة على العمل في ظل أجواء النظام الدولي الجديد الذي يتصف بهيكليتة القائمة على القطبية الأحادية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وهذه الأوضاع تحمل في طياتها تحديات وصعوبات عديدة تواجه عمل الأمم المتحدة من أجل تحقيق أهدافها. واخيراً يبقى الهدف الرئيسي للأمم المتحدة هو المحافظة على الأمن والسلام الدوليين والتعاون الدولي في جميع الشؤون الاجتماعية والاقتصادية وإدراك الغايات المشتركة لكافة دول العالم.


د. وليد عبدالباري قاسم صالح
أستاذ العلاقات الدولية المساعد
كلية المجتمع /عدن

------------------------------------------------
 عدد المرات التي استخدمت فيها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن حق الفيتو (النقض) منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945م الى 2017م. وهي كالتالي:
1.الاتحاد السوفيتي ووريثته روسيا – 123 مرة.
2.الولايات المتحدة الامريكية – 76 مرة.
3.المملكة المتحدة (بريطانيا) – 32 مرة.
4.فرنسا – 18 مرة.
5.الصين – 8 مرات.