آخر تحديث :الجمعة - 03 مايو 2024 - 11:53 م

كتابات واقلام


في الدفاع عن الديمقراطية التي ينبغي أن تؤدي إلى ديمقراطية أكثر

الإثنين - 18 يوليه 2016 - الساعة 11:56 م

أمين اليافعي
بقلم: أمين اليافعي - ارشيف الكاتب


في الشأن السياسي كل ما نستطيع فعله هو قياس مجموعة من المؤشرات التي ترشح عن سلوكيات ومواقف وأحداث وتطورات عديدة للتعرف على النظام أو النموذج وسيرورة تطوره وحقيقة المفاهيم المثاليّة التي يدّعي اعتناقها. مشكلة قياس وتفسير المؤشرات أنها تكون مفتوحة على تفسيرات وقراءات واسعة جدا، فضلاً عن كوننا لا نستطيع الجزم بدقة ومصداقية الاستخلاصات النهائية المبنية على هذه المؤشرات. أي سياسة عادةً ما تُحاكم إلى نتائجها النهائية، وعندما نتحدث عن صيرورة "نموذج ديمقراطي" علينا أن نأخذ كل احتياطاتنا عند مقاربته، علينا هنا معاينة الديمقراطية كمنظومة متكاملة وليس كوسيلة مختزلة في آلية محددة. في هذه الحالة تحتل دراسة سلوك النظام الحاكم وطريقة تعاطيه مع الديمقراطية كمنظومة متكاملة أهمية مركزيّة وبالغة، على سبيل المثال لدينا التجربة الألمانية في عشرينات القرن الماضي مثال بارز ودال على سوء المآل، فهتلر لم يأت إلى السلطة عن طريق عملية ديمقراطية خالصة فحسب، ولكنه أيضا احدث بعد توليه الحكم انتعاشة اقتصاديّة بعد دمار الحرب العالمية الأولى. لكن هل يفترض بنا أن نقرأ الحالة بشمولها أم نكتفي بالتوقف عند بضع مؤشرات ودون وضع في الاعتبار ما آلت إليه ألمانيا في نهاية المطاف، وما حل بها من دمار كلي وشامل بفعل نزق شخص أو مجموعة من الأشخاص. في مقابلة صحفية أخيرة مع الفيلسوف الألماني الأبرز يورغن هابرماس وكان يدور النقاش حول سلبيات وإيجابيات العملية الديمقراطية خصوصاً تلك التي يجري اختزالها في آلية ما، لاحظ هابرماس عملية "تفريغ الديمقراطية" عن طريق بعضٍ من الآليات الديمقراطية ذاتها، داعياً وهو يضع في باله التجربة الألمانية المريرة إلى تطوير نموذج يستفيد من إيجابيات الديمقراطية ويتفادى سلبياتها، خصوصاً الكارثية منها ( أنا أعلم أن هذه الدعوة ليست صالحة في كثير من دول الشرق الأوسط، وربما قد تعزز الأنظمة الديكتاتوريّة، ولكنها قد تبدو نافعة لتلك الدول التي قد قطعت شوطاً في طريق تحديث نظامها السياسي، وتتهددها مخاطر النكوص). إذن علينا قراءة النموذج التركي في هذه الصورة الشاملة، فأردوغان الذي نجح أكثر من مرة عن طريق صناديق الاقتراح ورفع مستوى الكفاءة الاقتصادية في البلد، بات في الفترة الأخيرة يُعرض الأمن القومي التركي لمخاطر كبيرة، ويُدخلها انسياقاً وراء أحلام ذاتية باستعادة مجد موهوم للخلافة في معارك أكبر من قدراتها ومستواها الحالي. فضلاً عن دعمه لأكثر الأشكال والنماذج تقليدية في المنطقة، وأشياء سيئة أخرى. داخلياً باتت كثير من خطواته تتعارض مع الديمقراطية باعتبارها منظومة متكاملة، وتركيا التي أصبحت نموذج لحرية الرأي في الشرق الأوسط صار من المُعتاد في الفترة الأخيرة أن يُضرب ويُسجن أصحاب الرأي من المعارضين، أما خلافه مع أحمد داوود أوغلوا واستبعاده له بصورة مهينة، وهو أكثر وجه أخلاقي في نظام أردوغان فضلاً عن كفاءته وقدراته المعرفية المشهودة، يضع أكثر من علامة استفهام عن السلوك الأردوغاني المشبوه. إذا كان هنالك من نصر في ليلة أمس فهو للشعب التركي نفسه، ولتجربته العريقة في التحديث والتطور، وللمؤسسة العسكرية (العلمانية) التي كان لها دور مسئول وتاريخي، وأما أردوغان شخصياً فأعتقد أن عليه مراجعة كثير من الحسابات والسلوكيات، وما جرى ليلة أمس كان درساً بليغاًَ له!