آخر تحديث :الجمعة - 03 مايو 2024 - 08:44 م

كتابات واقلام


الزنداني .. الإمام الأكبر للتلفيق والفنتازيا والتطرف

السبت - 23 يوليه 2016 - الساعة 12:26 ص

أمين اليافعي
بقلم: أمين اليافعي - ارشيف الكاتب


في ليلة "مباركة"، وكما قيل، من ليالي شهر رمضان هَلّ رجل الدين الإشكالي عبد المجيد الزنداني ضيفاً على قناة "سهيل" اليمنية التي تتبع أحد أبرز قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح، فرع حركة الإخوان المسلمين العالمية في اليمن. لم تكن هذه المقابلة التلفزيونية مع قناة سهيل هي الأولى من نوعها، فالزنداني يُعتبر أكبر المرجعيات الدينية للحركة في اليمن، ولهذا السبب كثيراً ما يُحْرَص على استضافته، وتقديمه بكثيرٍ من التقدير والتبجيل. كعادة الزنداني الذي بات لديه شغف مفرط، يكاد يكون مرضياً وطفولياً في نفس الوقت، لمحاولة تحويل "الكتاب والسنة" إلى كتالوج علميّ، وذلك عن طريق استنطاق الآيات والأحاديث لتأكيد كل ما أثبتته اكتشافات العلم الحديث، فضلاً عن صرعات اختراعاته المضحكة في مجال الطب (العربي) التي لا يقر لها قرار، والزعم باكتشافه لعلاجات ناجعة لكل الأمراض المستعصية بدءاً بالسرطان ومروراَ بالسكر وليس انتهاءً بمرض الإيدز. في المقابلة الرمضانية الأخيرة أعلن رجل الدين عن مفاجأته المدويّة لجمهوره الذي بات يتلقف كلامه على اعتبار أنه جزء لا يتجزأ من أصول الدين والعقيدة والحقائق العلمية القاطعة، بتوصّلهِ إلى حقيقة (صاعقة) مفادها أن أوروبا وأمريكا لن تصلحا للسكن على الإطلاق بعد 15 سنة. والدليل الذي يجعل من ادعائه هذا بمثابة حقيقة مطلقة هو مشاهدته لفيلم وثائقي (أجنبي) عن الطيور المهاجرة من دول الشمال إلى دول الجنوب، ويستنتج معدو الفيلم بعد رصد حركة هجرة الطيور بأن هذه البلدان لن تصلح للسُكنى بعد زمن قصير، وفق ما قاله الزنداني. رجل الدين السبعيني الذي بدا رحلته في عالم المواعظ والفنتازيا قبل أكثر من أربع عقود، محترف جدا في طريقة أحاديثه. لهذا السبب كان عليه أن يقوم بتقديم اكتشافه الجديد بكثير من الحركات التمثيليّة تنوّعت خلال ثواني معدودة بين الجدية والوجوم والتأكيد القاطع بالقول "سأقول كلمة؛ أعرفها جيداً"، والضحك الساخر المتهكم وتهويل الأحداث بالزعم بأن "أوروبا تخاف، وأمريكا تخاف، ومراكزهم العلمية تتحدث"، وببطء متقن يظهر وكأنه يعض على كل حرف حتى تبدو ثقته فيما يقول في أكمل صورها. لكن الرجل المحترف في فنون الخطابة نسي أن يكشف لنا مصادره الأجنبية، فهو لم يُشر إلى أي معلومات حول الفيلم الوثائقي أو الدراسات أو مراكز الأبحاث التي استند عليها. ومع إن ظاهرة هجرة الطيور بين الشمال والجنوب ظاهرة طبيعية أزلية، بل وسرمديّة، مرتبطة بتقلبات المناخ الأرضي، فضلاً عن أن ادعاءات عبدالمجيد الزنداني تأتي على النقيض تماماً مِما تكشفه الأبحاث العملية الحديثة على ضوء مؤشرات الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض، وما ستترتب على ذلك من مشاكل كالتصحر والجفاف وقلة الأمطار ستنال دول الجنوب النصيب الأكبر منها، كمسألة بديهية، لكن من الواضح أن الزنداني لم يكن هدفه العلم وحقائقه بقدر ما كان هدفه التحريض المبتذل، متوسداً بتوليفات يتقن سباكتها جيداً بإحالات ملفقة إلى مراكز العلم ومصادره. فبعد هذه المقدمة (العلميّة المُجلجِلة)، ترك العنان لخياله أن يسرح في عوالم المؤامرات الغربية التي تسعى إلى تجزئة المجزأ، وتقسيم المُقسّم، وتفتيت المفتت، حسب قوله، ليصل في النهاية إلى استنتاج مفاده بأن كل ما يجري في الشرق الأوسط من مآسي، ما هي إلا مخططات غربية خالصة يجري تنفيذها بالحرف الواحد لإبادة شعوب المنطقة في سبيل أن تكون متاحة أمام الشعوب الأوروبية والأمريكية للسكن في المستقبل القريب، بعدما تكون مواطنهم الأصلية غير صالحة لذلك، وكما افترض. تجاهل الزنداني حركة انتقال البشر في الواقع لظروف موضوعية؛ الهروب من المآسي والفقر جنوباً والحاجة إلى البشر شمالاً، والتي تتعارض مع فكرته كليّاً، لكنه أراد أن يَصِل بـ"نظرية المؤامرة" إلى سِدرة منتهاها متجاوزاً بكثير نظرية المؤامرة التقليدية التي تقوم فرضياتها على مسائل وأهداف من قبيل الهيمنة والسيطرة على الموارد، لتتحول الآن مع الزنداني إلى صراع وجودي ضاري، صراع من أجل البقاء. ينطلق الرجل الذي جمع بين سلفية متطرفة وحركيّة إخوانية وصداقة مع كثير من رموز الجهاد الإسلامي في أفغانستان، وبعضهم تحول لاحقاً إلى تنظيم القاعدة، من موقف يحمل عداء كليا لما يُسمى بـ"الغرب"، وليس فقط للحكومات الغربية التي قد يُعارض المرء كثيراً من سياساتها المُضرة بلا أدنى ريب. ولهذا كان عليه أن يُصور الصراع بين "الإسلام" و"الغرب" كصراع كلي شامل، صراع وجودي، لتتسق النتائج التي توصل إليها مع معتقداته المبدئية، وهذا بالمناسبة هو عمق معتقد "الإرهابي" بمختلف انتماءاته التنظيمية. ظاهرة الحروب الداخلية والتشظيات العميقة التي تمر بها كثير من الدول الإسلامية هي مخططات غربية محضة، وفقاً للزنداني، لكن علينا التذكير هنا بأن الزنداني رجل أصولي، يرفض أي "آخر" كلياً، ويعتقد بأن كثيرا من الفرق الإسلامية ضالة في عقيدتها، تعيش جاهلية ثانية. لذلك على الحكومات الإسلامية المستقيمة، وفقاً للمعيار الأصولي، مسئوليّة كاملة تقضي بإجبار هذه الفرق على ترك معتقداتها واعتناق ما يقوله الزنداني وأئمة الأصوليّة الكبار باعتباره الدين القويم. وبمقارنة سريعة بين انتاجات الزنداني ومراكز الأبحاث العلمية التي تتبع مثلاً جامعات عريقة، وذات إنتاج معرفي عالي كهارفارد او أكسفورد، أقول ربما يكون الزنداني قد أصدر فتاوى تكفيريّة بحق مسلمين أكثر من عدد الأبحاث العلمية التي نشرتها هذه المراكز. وتلك هي المقارنة الوحيدة الجائزة بين الزنداني والعلم، ومع ذلك يثرثر الرجل كثيراً عن مؤامرات تسعى إلى تمزيق العالم الإسلامي!