آخر تحديث :الجمعة - 19 ديسمبر 2025 - 02:02 م

اخبار وتقارير


اكتوبر.. الثورة مستمرة

الثلاثاء - 15 أكتوبر 2019 - 09:36 م بتوقيت عدن

اكتوبر.. الثورة مستمرة

تقرير : وضاح الاحمدي



صبيحة 14 اكتوبر عام 1963، أعلن الجنوب العربي عن إشعال ثورته العظمى من اعالي قمم ردفان، بقيادة الثائر الرمز غالب راجح لابوزة، كثورة رسمية جمعت كل أطياف العمل الثوري والنقابي والقبلي بعد انتفاضات صغيرة ومتفرقة شهدتها مناطق الجنوب وقتذاك عل ابرزها انتفاضة الربيزي ومقتل القائد البريطاني القوي "ديفي" على يد الشيخ محمد عواس الاحمدي، في مديرية الازارق، وهي الصفعة الاقسى التي تلقتها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، قبيل عام من مقتل خلفه " سيجر" على يد السيد عبدالدائم في منطقة الجليلة بالضالع عام 1949.

عقب سيطرة محكمة للمستعمر البريطاني على عدن ثم باقي الجنوب منذ 19 يناير 1893، كان من الصعب جدا الوقوف امام هذه الهيمنة والقوة نظرا لأسباب عدة ابرزها الجهل والفقر وضعف الإمكانيات التي من شأنها ان تواجه مستعمر متوغل في كل تفاصيل الحياة وقادر وببراعة على إدارة اي توجه معارض او احتواءه بأقل القليل من التكاليف، مثلما حدث ذلك مع محاولتي سلطان لحج بين عامي 1840 و 1841، لكن هاجس الخلاص ظل مشتعلا في النفوس ولم يخمد البتة في لحظة توحدت معها ادارة بعض السلطنات والمشيخات خصوصا العبدلية التي وجدت ثقل العار الوطني يثقل كاهلها باعتبار التفريط بعدن التي كانت تتبعها يعني التخلي عن خاصرة الوطن وجسره نحو المستقبل، ذلك ان المدينة ذات الموقع البحري شديد الأهمية لا يمكن استعاضته ولو تم تغيير خارطة الارض.

شعرت الاوساط الشعبية في المحميات المحيطة بعدن بفارق الاهتمام البريطاني لها مقارنة بالمستعمرة عدن من حيث المشاريع الخدمية والتطويرية والتعليمية، فزاد ذلك التمايز بلة الطين عطفا عن غبن الاستعمار، ما اشعل انتفاضات صغيرة ومتعددة وافت تيار القومية الجارف المتدفق من قلب مصر مثل تدفق نيلها العظيم، ليروي عطشها للاستقلال وما لبث ان اهتزت على وقع خطابات جمال عبدالناصر المتصاعدة من مذياع صوت العرب كوصايا، لكننا لن نغفل في حال من الأحوال الاُس الاممي الذي اوقد ثورات التحرر العالمية من هيمنة الاستعمار الامبريالي الغربي، ثورة البلاشفة العظيمة في روسيا عام 1917، وهي الثورة التي قادت الشعوب نحو اكبر تحالف دولي قائم على الحرية الفكرية والنظام الجمهوري العادل " الاتحاد السوفيتي" لتمنح فئات الشعب الطلابية والمهنية والعمالية حق الحكم وإدارة شؤونها بنفسها تحت مسمى نظام جمهوري شعبي واسع الصلاحيات والتفكير بدلا عن احتكار النبلاء والاقطاع والكهنوت للسلطة والحياة عموما.

ومع قيام ثورة 26 سبمتبر عام 1962، في الشمال ضدا لحكم الأمامة الكهنوتي بقيادة الضباط الاحرار في مقدمتهم قائد حرس الإمام البدر اخر حكام العهد الكهنوتي، المشير عبدالله السلال وبدعم عسكري وثوري وتقدمي جزيل من جمهورية مصر العربية -حديثة الاستقلال- كان القوميون العرب في الجنوب بقيادة فيصل عبداللطيف قد هيئوا لقيام ثورة منظمة وبقيادة خبيرة في شؤون السياسة والتكتيك الثوري، بعد وتحالفوا مع تكتلات ثورية ونقابية وطلابية وعمالية بعدن اضافة الى التشكلات القبلية في الضالع وردفان وأبين وشبوة والجبهة الناصرية والتنظيم السري للضباط والجنود الاحرار وجبهة الإصلاح اليافعية والمنظمة الثورية والجبهة الوطنية، وهي التي انقسمت فيما بعد تحت مسمى جبهة التحرير والجبهة القومية رغم محاولة السلطات المصرية في 13 يناير 1966 دمجها ببعض نتيجة رفض الجبهة القومية لذلك الدمج وقررت العمل الثوري التحرري بشكل مستقل خلال المؤتمر الثالث للجبهة في نوفمبر 1966.

تخللت تلك الاختلافات في طرق ووسائل النظال نحو الاستقلال بين جبهتي التحرير والقومية صراعات بينية كادت ان تمس الهدف الرئيس " الاستقلال" وتعيق تحقيقه قبل ان تفضي تلك الصراعات الى سيطرة الجبهة القومية على المشهد الثوري، ومعها اعلن وزير الخارجية البريطاني جورج براون في 14 نوفمبر 1967، استعداد بريطانيا منح الاستقلال للجنوب في 30 نوفمبر عام 1967، بدلا عن 9 يناير 1968 كما كان متفق عليه، لتبدا بعد هذا الاعلان مباشرة مباحثات جنيف في 21 نوفمبر في ذات العام بين وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان الشعبي ووفد الحكومة البريطانية برئاسة اللورد شاكلتون، ولم تمضي خمس ايام من حينها الا وبدأت بريطانيا بسحب قواتها ومعها الحاكم البريطاني هامفري تريفليان قبيل الاجلاء التام في 30 نوفمبر عام 1968، وإعلان الاستقلال وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، بعد احتلال بريطاني دام 129 عاما.

تولت الجبهة القومية حكم الجنوب وادارة شؤونه على اساس اشتراكي ديمقراطي جمهوري عادل، لكنها واجهت تركة ثقيلة من الارث البريطاني، في مقدمتها تشتت الشعب بين 23 سلطنة وامارة ومشيخة، قبل ان تنجح وباقتدار من توحيدها تم مسمى جمهورية ذات نظام حكم شمولي، ما لبثت ان توجهت لتوفير احتياجات البلد الحديث للكادر والكفاءات المحلية القادرة سد الفراغ الذي تركته بريطانيا وخلال عشرة أعوام فقط كانت جمهورية اليمن الجنوبية قفزت بالشعب من قاع العدم الى مصاف الوجود القوي والمسموع، إذ قضت على الامية العامة واوجدت اقتصاد ناهض ورفعت مستوى الشعب اقتصاديا وسياسيا وفكريا، واوجدت جيش وطني متين ومتطور، لتحقق بذلك اكتفاء ذاتيا في الكادر التعليمي والطبي والمهني في كافة جوانب الحياة، ومنحت المرأة كافة حقوقها السياسية والاجتماعية، في حالة إستثنائية وسابقة في الجزيرة الوطن العربي ككل.


ومثل باقي الثورات العربية لم تكن ثورة اكتوبر في منأى عن الصراع الفكري واختلافات التوجهات السياسية، ذات الامور التي أثرت سلبا على مسيرة الثورة وكادت ان تقتلها في عديد منعطفات عل اخطرها أحداث يناير 1986، التي قادت الى وحدة اندماجية غير مدروسة مع الجمهورية العربية اليمنية " اليمن الشمالي" لتكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، اذ تحول " الوطن الدولة" الى اقطاعية واسعة بيعت بثمن بخس لقوى النفوذ الشمالي التي سبق وان وأدت ثورة سبتمبر في مهدها.

لم تنكفى ثورة اكتوبر بل ظلت مشتعلة في الوجدان الشعبي ولكن هذه المرة ضدا لمستعمر محلي.. نظام صنعاء المتشكل من لفيف قبلي عسكري ديني ينظر الى الدولة بوصفها سلطة وإلى ثورة بوصفها عبثا يستدعي التكفير، حتى عادت الانتفاضات الجنوبية من جديد بدءا بحضرموت والضالع وانتهاء بكافة مدن الجنوب منها العاصمة عدن، قبل الإعلان عن الحراك السلمي الجنوبي عام 2007، وصولا الى عام 2015، الذي شهد حربا شرسة مع قوى الشمال افضت الى إنتصار القوات الجنوبية واستعادة السيطرة شبه كلية على الوطن الجنوبي.

- اهداف ثورة 14 اكتوبر:

١- تصفية القواعد وجلاء القوات البريطانية من أرض الجنوب دون قيد أو شرط.
٢- إسقاط الحكم السلاطيني والذي صنف بأنه رجعي متحالف مع المستعمر البريطاني .
٣- إعادة توحيد الكيانات العربية الجنوبية سيراً نحو الوحدة العربية والإسلامية على أسس شعبية وسلمية.
٤- استكمال التحرر الوطني بالتخلص من السيطرة الاستعمارية الاقتصادية والسياسية.
٥- إقامة نظام وطني على أسس ثورية سليمة يغير الواقع المتخلف إلى واقع اجتماعي عادل ومتطور.
٦- بناء اقتصاد وطني قائم على العدالة الاجتماعية يحقق للشعب السيطرة على مصادر ثرواته.
٧- توفير فرص التعليم والعمل لكل المواطنين دون استثناء.
٨- إعادة الحقوق الطبيعية للمرأة ومساواتها بالرجل في قيمتها ومسئولياتها الاجتماعية.
٩- بناء جيش وطني شعبي قوي بمتطلباته الحديثة تمكنه من الحماية الكاملة لمكاسب الثورة واهدافها.
١٠- انتهاج سياسية الحياد الإيجابي وعدم الانحياز بعيدا عن السياسات والصراعات الدولية.