آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 01:21 ص

اخبار وتقارير


مناضل ومعلم فلسطيني(3).. يتذكر : يوم أرسلت عدن الاسلحة والذخائر والرجال دعما لقضيتنا

الأربعاء - 16 أكتوبر 2019 - 03:44 م بتوقيت عدن

مناضل ومعلم فلسطيني(3).. يتذكر : يوم أرسلت عدن الاسلحة والذخائر والرجال دعما لقضيتنا

كتب / رزق محمد المزعنن

مودية وأبين في ذلك العام شهدت أمطارا غزيرة جدا فسالت الاودية وتضررت البيوت والمزارع بشكل كبير، كان ذلك أول عهدي بأمطار بهذا الشكل الغزير والمفاجئ. مضت أيامنا كجماعة مدرسية بشكل منتظم وسط ترحيب الإدارة والطلاب، ما يحفظ في قلبي وعقلي للمسؤولين في اليمن الديمقراطية بساطتهم وبعدهم عن شكليات المناصب فلقد حضر في ذلك الوقت أمين عام الحزب ورئيس الوزراء في حينه ورئيس هيئة رئاسة الدولة علي ناصر محمد ليتفقد الاضرار، وقد تناول عشاءه مع المدرسين الفلسطينيين في مودية ولقد كانت هذه لفتة رائعة باقٍ أثرها في نفوس كل من عاش في أبين ومودية في تلك المرحلة. واستقبل المواطنين وكان مشهورا عنه كلمة (مرحبا) وهي تعني الموافقة وليست كلمة ترحيب وللحق لم تكن كل مطالب الناس منطقية لكنه تلقاها بأريحية ومحبة...اثارت لديّ كوامن المقارنة...صحيح أنني كنت انفر من تقليد النموذج السوفيتي في المسميات لكن مضامين أسلوب الحكم وبساطته كانت لها الاولية.

وللمفارقة في ذلك العام تخاصم أحد الاخوة الفلسطينيين مع مدرسٍ عراقي جاره وصديقه استخدم الاستاذ العراقي يديه واولاده. تداولنا الموضوع وأخذ المدرسون قرارا بالأضراب. كنتُ معترضا عليه فنحن في مؤسسة يمنية والخلاف تم في السكن، لكن كان لدى المدرسين الفلسطينيين، الاغلبية منهم بأن الحزب يحابي الشيوعيين العراقيين والفصيل اليساري الفلسطيني الجبهة الديمقراطية...نفذنا اضرابا ليوم فاهتزت المحافظة والسفارة في عدن ولامت الجميع، لكن رب ضارة نافعة، كان من أسبابها أن قربت علاقتي كمسؤول فتحاوي مع سكرتير منظمة الحزب في ذلك الحين واسمه علي عجمية... وبدأت في نسج علاقة ثقافية استمرت طوال مكوثي في مودية.

من الأشياء الطريفة التي لا زالت في الذاكرة سيارة البريد التي كنت انتظرها قادمة برسالة من خطيبتي في دمشق وكان الزمن يستغرق شهرين بين الرسالة والرد.

في مودية تعلمت أشياء كثيرة أولها التعامل مع الطلاب، وثانيها أشياء صاحبتني بقية الحياة فقد تعلمت عجن الطحين وعمل الخبز والطبخ، ومن الأشياء التي أذكرها دقيق البر حيث احببت هذا الخبز المصنوع من دقيق البر وكانت هناك مطحنة في السوق آخذ منها الدقيق ،رائحته تعجبني ولا زلت احبذه كطعام.
في مودية اكتشفت المزارع والدجر ( اللوبيا) ومنها يصنع طعام شبيه بالفلافل في مصر، يصنع من الفول وفي بلاد الشام يصنع من الحمص.

المزارع في مودية بساتين ليم وبرتقال، ومانجة، والجوافة التي تسمى زيتون والقشطة، والباباي، وخضار كالباذنجان والذرة واللوبيا. استمتعت باكتشاف الوديان وأشجار السدر التي نسمي ثمارها (تموّر) باللهجة الفلسطينية...ما لفت نظري كان طول الليل ولمعان النجوم في ليل مودية حتى انني كنت أردد لزملائي الآن عرفت أن أمرؤ القيس شاعر المعلقة كان يعيش في اليمن من بيت الشعر،
وليل كموج البحر أرخى سدوله علي بأنواع الهموم ليبتلي
إلى أن يقول: فيا لك من ليلٍ كأن نجومه
بكل مغار الفتل شُدت بيذبل.

لم أعد أتذكر باقي القصيدة. تعرفت من خلال وضوح النجوم على مجرة درب التبانة والنجم القطبي....وقد كنت اتمشى على الخط" الطريق"فاستمع الى هسيس حشرات المزارع بصوت كان يؤنسني.
ومما يجدر ذكره أن أيام الربيع أي شهور آذار ونيسان وآيار يمكنك ان تلاحظ فيها فصول السنة الأربعة برد، حر، مطر، ورياح.

لقد كان طقساً يحمل نذر قرب السفر لإجازة نهاية عامي الأول في اليمن الديمقراطية. كنت أتهيأ للسفر يحدوني شوقي لأهلي ولدمشق وسوريا، ولكن حدث ما لم يكن في حساب أي أحد ففي يوم ٦حزيران يونيو تم اجتياح لبنان.

وهنا ظهرت استجابة الشعب والدولة في اليمن الديمقراطية لمساندة الثورة الفلسطينية، فأرسلت طائرات محملة بالسلاح والذخائر إلى دمشق، وقامت السفارة بعمل دورة عسكرية مكثفة لأبناء الجالية الفلسطينية من طلاب ومدرسين ونقلتهم الطائرات العسكرية اليمنية إلى معسكرات الثورة في سوريا كي يلتحقوا بالقوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية التي تتصدى للعدوان.

ولقد قام ضباط من الجيش اليمني بالتدريب ..بالنسبة لي لم استطع السفر بسبب أن وثيقة سفري المصرية تم ارسالها لتجدد صلاحيتها من السفارة المصرية في صنعاء، ولذلك شاركت مع الصديق الاعلامي محمد الباز في البرنامج الاعلامي الذي كان يُبث على موجة راديو عدن لمدة ساعة يوميا تحت عنوان صوت فلسطين ..صوت منظمة التحرير الفلسطينية ..صوت الثورة الفلسطينية من عدن وشاركته ايضا في تحرير نشرة اعلامية بعنوان وكالة( وفا ) للأنباء محررا ومدققا لغويا وايضا كنت أطبع النشرة بإصبع واحد على ورق ستانسل ( ورق حرير)..ثم نطبعها على آلة نسخ في مقر السفارة. ومن ثم توزع على السفارات والوزارات، وصدف أن شاركنا الشاعر السوري هادي دانيال الذي كان قادما من بغداد وفقد شنطة ولم يجد بلدا تستقبله الا عدن.

بقيت لمدة شهر في عدن أقوم بمهمتي الإعلامية، حتى عاد السفير عباس زكي وكان وقتها عضوا في المجلس الثوري لفتح ويشغل عميد السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي في ذلك الوقت فطلبت منه طواز سفر لألتحق بزملائي في دمشق. وهكذا كان حصلت على جواز سفر يمني بقي بحوزتي الى أن سلمته، وغادرت إلى دمشق، ولكن الى عودة الى مودية وابين اليمن التي رجعت إليها هذه المرة متزوجا.